تحول المملكة نحو الثورة الصناعية الرابعة مدفوع باستثمارات كبرى تؤمن المملكة بقدراتها، وتعرف جيداً حجم التحديات، التي تجعلها مواكبة لكل تطور عالمي، ومن ثم التعامل مع الثورة الصناعية الرابعة، باستغلال جيد لمواردها الطبيعية البترولية والتعدينية، وكذلك موارها البشرية، فقد بدأت الصناعة في المملكة منذ عقود، بدءاً من المرحلة التي تم اكتشاف النفط فيها، حيث أصبح ركيزة أساسية التي قامت عليها صناعات الحديثة في المملكة، إذ بدأت عملية التنمية في القطاع الصناعي أولى خطواتها عقب اكتشاف النفط وتصديره بكميات تجارية، بفضل العوائد النفطية ودورها في إمكانية تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوجيهها، وبدأت الرحلة من عصر الملك عبد العزيز مؤسس المملكة -طيب الله ثراه- واستمرت مسيرة أبنائه من بعده، فكانت البداية بصناعة تكرير النفط والكيماويات، إضافة إلى صناعة التعدين والصناعات التحويلية، إلى جانب الكثير من الصناعات الوطنية الضرورية للحياة التي تفيد الإنسان وترتبط باحتياجاته بشكل مباشر مثل، الصناعات الغذائية والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وصناعة السيارات وقطع الغيار وصناعة الأدوية والطاقة المتجددة، في مراحل متقدمة؛ تلبية لمتطلبات التنمية الشاملة في المملكة. ولأن الصناعة تحتاج منظومة تشريعية جديدة، فكانت رؤية المملكة 2030، واضعة للخطط الاستراتيجية، بمنظومات تشريعية عصرية تناسب مقتضيات العصر ومرحلة الثورة الصناعية العالمية الرابعة، لترسم آفاقاً من الرؤى التي كانت تشبه الخيال، فأضحت واقعاً، من خلاله تم تطوير الاقتصاد الوطني، والسعي بجدية لتنويع مصادر الدخل وتنميته، بما يتناسب ومكانة المملكة عالمياً، فكان التخطيط لإنشاء بنية محدثة للإمداد والبنى التحتية والرقمية، بهدف جعل الصناعة الوطنية من أهم الروافد الاقتصادية في هذه الرؤية، حيث تم التخطيط بأن تتجاوز مساهمة قطاعي الصناعة والتعدين بحلول عام 2030م ما يصل إلى 15 % من الناتج المحلي الإجمالي. رحلة التعدين في المملكة بدأت رحلة استكشاف واستغلال الثروات المعدنية في المملكة منذ عام 1997م، حيث طورت وزارة البترول والثروة المعدنية استراتيجية لتطوير قطاع التعدين ما بين عامي 1996م و1997م، للبحث عن الفرص المتاحة في قطاع التعدين، وتواصلت الجهود وصولاً إلى النقلة النوعية في القطاع التعديني بعد إطلاق رؤية مملكة، حيث تم إطلاق ثلاث مبادرات استراتيجية كبداية لتطوير القطاع، التي تتطلب العمل على مسوحات جيولوجية للمملكة، وتحديد فرص الاستثمار في هذا القطاع، بالإضافة إلى دراسة الحوافز الممكنة لتنميته، وكانت إحدى أهم توصيات الإستراتيجية هي إصدار نظام الاستثمار التعديني الجديد وتطويره، والذي يراعي تحفيز تطوير القطاع؛ مما يعزز الاستثمار الأجنبي من خلال تخفيض نسبة الضريبة إلى 20 ٪، وبالتالي أصبحت المملكة من بين أكثر مناطق التعدين تنافسية على مستوى العالم بعد تخفيض نسبة الضريبة التي اختلفت بشكل كبير جداً عن نسبة الضريبة السابقة التي بلغت 45 ٪، ولم تكن هناك أي تغييرات على النظام المالي بعد تطبيق النظام ، لكن النظام ركز بشكل كبير على حماية المستثمرين بما يتناسب مع المعايير الدولية. من التوصيات التي خرجت بها الإستراتيجية؛ إنشاء وحدة متخصصة تتألف من فريق مسؤول عن توجيه طريقة تعزيز الاستثمار في قطاع التعدين، تتولى العديد من المهام الرئيسية ومن أبرزها، تطوير مسار الاستثمار التعديني من خلال تعزيز الاستثمار النوعي، وضمان استثمار أكبر عدد من الشركات، ومراقبة أثر مبادرات القطاع على القدرة التنافسية وتكامل للقطاع، وإنشاء محتوى تسويقي، والمهام الاستثمارية، والتواصل مع المستثمرين، وتحسين الأدوات والأنظمة وصيانتها، وتشمل موقع وزارة الصناعة والثروة المعدنية، والمقاييس القطاعية، ووضع خطة توظيف المنظومة، وتوظيف وتدريب الموظفين على وظائف محددة، وتحديد خرائط العمليات، ومؤشرات الأداء الرئيسية لتعزيز الاستثمار، وتكامل رحلة المستثمر، والتحسين المستمر، ومن ثم تمكين تحفيز الاستثمار، من خلال مراقبة وتعزيز عرض القيمة والقدرة التنافسية للمملكة وتحسينها، وهيكلة الفرص الاستثمارية المؤدية لنمو الفرص الاستثمارية، والعمل مع الكيانات القائمة والمبادرات لتسهيل جهود التمكين في القطاع. الصناعة في العهد الراهن تم إطلاق رؤية المملكة 2030 في عام 2016 كخطة إصلاح اقتصادي واجتماعي شاملة لتنويع اقتصاد المملكة، وخلق مستقبل أكثر استدامة، صاحب ذلك دمج القطاع الصناعي مع الطاقة والثروة المعدنية، فصدر أمر ملكي بتعديل مسمى وزارة البترول والثروة المعدنية لتصبح وزارتين للطاقة، وأخرى للصناعة والثروة المعدنية، وفي تلك المرحلة المهمة تضاعف عدد المصانع في المملكة وبلغ عددها 7741 مصنعاً، ويبلغ إجمالي القوى العاملة فيها أكثر من مليون إنسان. وتستمر منظومة التطوير، فكان إطلاق البرنامج الوطني لتطوير الصناعة والخدمات اللوجستية، ومع ظهور قطاعات جديدة من الاقتصاد، بما في ذلك الصناعات البتروكيماوية والمعادن والأغذية، حققت المملكة نجاحاً كبيراً، فأصبحت الصناعة الوطنية تحتل مكانة قوية بين القوى الصناعية الأخرى، وظهرت بقوة الصناعات الدوائية والإمدادات الطبية، وصناعة الأجهزة الطبية المختلفة. صنع في السعودية برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، أطلق وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر بن ابراهيم الخريّف برنامج صنع في السعودية بتاريخ 15 شعبان 1442 الموافق 28 مارس 2021م، ويعد البرنامج مبادرة وطنية أطلقتها هيئة تنمية الصادرات السعودية كجزء من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، بهدف إلى تحفيز الصناعات الوطنية وتشجيع المستهلكين على شراء السلع المحلية وتنمية وتعزيز صادرات المملكة إلى الأسواق العالمية، حيث يلتزم برنامج صنع في السعودية ببناء علامة صناعية موحدة بهدف توفير فرص واعدة للشركات، وتوسيع نطاق أعمالها والترويج لمنتجاتها محلياً وعالمياً، كما أصبح فرصة للاحتفاء بالابتكارات التقنية والمواهب الإبداعية، ويقدم صورة حية لرؤية المملكة للاقتصاد الوطني، حيث يساهم البرنامج في تعزيز التعاون بين الأعضاء المشاركين من المصنعين، وبالتالي دفع عجلة الاقتصاد الوطني، وتعظيم المنتج المحلي وقيمته العالمية، وتعزيز صورة ومكانة المملكة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فقد حان الوقت للاستفادة من إمكانيات المملكة وثرواتها، وتحويلها إلى قوة صناعية رائدة على مستوى العالم، بالتعاون مع قوى العالم المتقدم، وتفعيل الشراكات العالمية تعاوننا البنّاء ومشاركة إنجازاتنا الوطنية ولدعم مسيرة التصدير. أرقام وحقائق بلغ عدد الشركاء الاستراتيجيين أكثر من 40 شريكًا استراتيجيًا يدعمون البرنامج من خلال العمل المشترك على تحقيق الأهداف ومنها انضمام أكثر من 2825 شركة إلى برنامج "صنع في السعودية"، وتم تسجيل أكثر من 2800 شركة، إضافة إلى تسجيل أكثر من 15540 منتجًا في البرنامج، وأكثر من 800 منشأة تجارية أبدت اهتمامها بالاستثمار. كما أصبحت الصناعة الوطنية من اهم عناصر القوة لأي دولة، وركيزة لتمكينها عالمياً، بين اقتصادات الدول الكبرى، حيث تسهم بشكل كبير في توفير احتياجات السوق المحلي، وقد تعمل على زيادة الناتج المحلي من خلال التصدير إلى الخارج، إضافة للقضاء على معدلات البطالة المرتفعة، وكان النجاح الكبير في وصول معدلاتها إلى 7 % تقريباً، هذه النسبة لم تتحقق من قبل. صناعة الأجهزة الكهربائية أصبح لدى المملكة عدد كبير من الشركات التي تعد رائدة في صناعة الأجهزة الكهربائية المختلفة سواء المنزلية أو الصناعية، حيث استطاعت هذه الشركات أن تخطو خطوات ثابتة في مجال تصنيع هذه الأجهزة، مما ساعد على تقليل الاعتماد على الأجهزة الكهربائية المستوردة من الخارج، ومن أهم الأجهزة الكهربائية التي تشير إلى مدى التقدم في الصناعات السعودية، الأجهزة المنزلية، وتشمل هذه الأجهزة الغسالات والثلاجات والمكيفات والأفران والمكانس الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية، حيث يتم تصنيع العديد من هذه الأجهزة في المملكة، التي من أهمها أجهزة التلفزيون والكمبيوترات والهواتف الذكية، ومضخات شفط الماء، وهي أجهزة تستخدم بشكل كبير في نقل المياه للمنازل والمصانع بصورة سهلة، كما تستخدم في مجال الزراعة في ري المزروعات ، وكذلك سخانات الماء الكهربائية والغازية والشمسية، وشفاطات الهواء، للاستخدامات السكنية في المطابخ والحمامات، إضافة إلى الألواح الشمسية ومعدات الطاقة المتجددة، وهي من أهم الصناعات الحديثة التي تدعم الرؤى الاقتصادية السعودية والعالمية، من خلال الاعتماد على الطاقة النظيفة والمتجددة، ومن الصناعات المغذية، الكابلات والأسلاك الكهربائية، وهي من أهم المستلزمات التي تدخل في البنى التحتية لأي مشروع، كذلك المصابيح الكهربائية المنزلية والصناعية. مؤشرات إيجابية ارتفع مؤشر الإنتاج الصناعي في المملكة لأول مرة هذا العام خلال شهر يوليو الماضي 2024م -بحسب الهيئة العامة للإحصاء- بنسبة 1.6 %، على أساس سنوي، بعد انخفاضه سبعة أشهر متتالية، ومقارنة مع تراجع بنسبة 5 %في يونيو ، مدعوماً بارتفاع الرقم القياسي الفرعي لنشاط التعدين واستغلال المحاجر ونشاط الصناعة التحويلية، كما يعدّ نشاط التعدين واستغلال المحاجر الرقم الفاعل في الارتفاع ، حيث يصل وزنه النسبي إلى 61.4 %، وبحسب ما يظهره تقرير الهيئة العامة للإحصاء ، فإن هذا الارتفاع يأتي بفضل تحسن أداء نشاط التعدين واستغلال المحاجر الذي قلّص انخفاضه من 11.3 % في يونيو إلى 0.8 % فقط خلال يوليو، حيث بلغ إنتاج المملكة النفطي 8.9 مليون برميل يومياً خلال يوليو، كما ارتفع الرقم القياسي الفرعي لنشاط التعدين واستغلال المحاجر بنسبة 1.3 % مقارنة بشهر يونيو، إضافة إلى ارتفاع نشاط الصناعة التحويلية بنسبة 4.6 %، بدعم من ارتفاع نشاطي صنع المواد والمنتجات الكيميائية، وصنع المنتجات الغذائية بنسبة 5.7 % و10.1 % على التوالي، إلى جانب ارتفاع نشاط صنع المعدات الكهربائية بنسبة 16.6 %، وصنع الأثاث بنسبة 15.3 %، والأنشطة الاقتصادية الأخرى بنسبة 9.6 %، خلال الفترة نفسها. بينما سجل نشاط إمدادات الكهرباء والغاز والبخار وتكييف الهواء ارتفاعاً بنسبة 8.2 %. الصناعة السعودية والقضايا العالمية إن استراتيجيات المملكة في الصناعة والتعدين تعمل على معالجة العديد القضايا العالمية الحرجة، ومنها على سبيل المثال تحديات سلاسل الإمداد والتحولات في مجال الطاقة تشكل محاور رئيسية يمكن للمملكة أن تؤدي فيها دورًا رائدًا لتقديم الحلول، منها تطوير رأس المال البشري، حيث يتطلب النهوض بقطاعات الصناعة في المملكة، استثمارات كبيرة في القوى العاملة، ودمج التكنولوجيا والابتكار، بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية في التنمية الصناعية. لقد خططت رؤية المملكة 2030، إلى زيادة إسهام القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى ثلاثة أضعاف، ليصل إلى 241 مليار دولار بحلول عام 2030, ولذلك جذبت المملكة استثمارات أجنبية بقيمة 144 مليار دولار، بهدف تحقيق مزيد من النمو من خلال توسيع الصادرات الصناعية لتصل إلى 150 مليار دولار بحلول عام 2030، وتعكس هذه الأرقام التزام المملكة ببناء قطاع صناعي عالمي المنافسة، وتعظيم قدرات الاقتصاد الوطني. إن تحول المملكة القوي نحو الثورة الصناعية الرابعة مدفوع باستثمارات كبيرة في بنيتها التحتية، سواء كانت مادية أو رقمية، وستُمَكِّن هذه الاستثمارات المملكة من الظهور كقوة عالمية في التجارة، وقوة صناعية، ومركز لوجستي رئيسي في المنطقة، ومن خلال مواءمة سياساتها مع المعايير الدولية ومعالجة التحديات العالمية؛ تضع المملكة نفسها كعنصر أساسي في تشكيل مستقبل التنمية الصناعية. وفي تصريح مهم، أكّد وزير الصناعة والثروة المعدنية، أن الروابط الوثيقة التي تجمع المملكة بمنظمة (UNIDO) وبرامجها؛ تعزز التنمية الصناعية في العالم، وتمكّن الابتكار وحلول التصنيع الذكية؛ للإسهام في بناء قاعدة صناعية دولية مستدامة، تساعد على تحسين مستوى المعيشة للأفراد والمجتمعات، داعياً القادة الصناعيين إلى حضور منتدى السياسة الصناعية متعدد الأطراف (MIPF) الذي يُعقد في العاصمة الرياض خلال الفترة من 23 إلى 24 أكتوبر 2024، وتشارك في استضافته اليونيدو. ويناقش المنتدى تحديات السياسة الصناعية العالمية، والتعاون مع الشركاء الدوليين لاقتراح وتطوير حلول مبتكرة لها، ومباحثات حول استخدام الطاقة النظيفة في الصناعة، وتسليط الضوء على أفضل الممارسات العالمية لتعزيز مرونة سلاسل التوريد، إلى جانب استكشاف أحدث تقنيات التصنيع الرقمية المتطورة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. ونتيجة لجهود المملكة الحثيثة في المجال الصناعي، فقد فازت أواخر عام 2023م، باستضافة الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر عام منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) الذي سيعقد في الرياض 2025م، بعد اعتماد قرار بإجماع الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 172 دولة. وبالأمس القريب افتتح نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون الصناعة، الدورة الـ (11) من معرض "فابكس السعودية 2024" للصناعات المعدنية والماكينات وتقنيات التصنيع المتقدمة للحديد، بمشاركة أكثر من 700 شركة عارضة محلية وإقليمية ودولية، وبمشاركة 25 دولة، ويعد المعرض أكبر منصة في المنطقة لعرض أحدث الماكينات والمولدات، وأفضل الآلات والتقنيات المتخصصة في صناعة منتجات الحديد، ونافذة عالمية لعرض أحدث المنتجات الوطنية في مجال الصناعات المعدنية، ويعكس تطوّر المنتج السعودي وتنافسيته العالية، وبخاصة في منتجات الحديد والزجاج والألومنيوم، لتعزيز شعار "صنع في السعودية". مناطق المملكة غنية بالثروات التعدينية من مصانع الحديد السعودية الحديثة
مشاركة :