«ابن شاؤول».. رواية مختلفة عن «المحرقة»

  • 5/9/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد حصوله على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، يعرض اليوم في سينما سبيس في العاصمة أبوظبي، الفيلم الهنغاري ابن شاؤول للمخرج لازلو نمش، بعد جولات عالمية عدة في كبرى المهرجانات السينمائية، بدأت مع كان السينمائي العام الفائت، كما عرض أيضاً في مهرجانات عربية. وبات واضحاً منذ أعوام أن تناول المحرقة الذي مازال موضوعاً أساسياً في صناعة العديد من الأفلام الغربية تحديداً، أصبح يأخذ منحى يبتعد نوعاً ما عن المبالغة، وبدأ يركز على جانب مختلف يجعل المتلقي يقترب من التاريخ أكثر فأكثر، ويحاول فهم ما حدث فعلاً في مرحلة الاحتلال النازي لهنغاريا، كما الحال في ابن شاؤول الذي يجعل المشاهد ينظر إلى واقع المحرقة من منحى مختلف بعيداً عما هو أشبه بالابتزاز العاطفي تجاه اليهود في ألمانيا، وأقرب الى تصور الحالة وإسقاطها على كثير من الأمور التي حدثت ومازالت تحدث في كثير من دول العالم. يدور الفيلم حول أب اسمه شاؤول، يعمل في دفن الموتى اليهود، يؤجل حرقه قليلاً كي ينعم بفرصة في الحياة ووجبة طعام، لكن ذلك الشعور تحول إلى منحى مختلف، عندما وجد جثة طفل مخنوقة في فرن غاز، هذا الطفل وردّ فعل شاؤول تجاهه يجعلك تعتقد أنه ابنه. سيناريو ضئيل لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. تكمن أهمية هذا الفيلم في أنك كمشاهد لن تكون أمام سيناريو، فالسيناريو ضئيل جداً، والقيمة الفنية التي ستجعلك تترقب كل تفصيل في أحداث الفيلم منوطة ببطل العمل الذي أدى دوره جيزا روريج، فهو لن يخرج من كادر الكاميرا ولو لحظة، هو موجود في كل مشهد. ستترقب حالة الحزن الشديد على فقدان ابنه دون أن يكون له الحق في البكاء عليه لا سراً ولا علناً، لكنه يريد طوال فترة الفيلم تحقيق مبتغى واحد، هو دفن ابنه وفق طقوس اليهودية. لن ترى أفران الغاز إلا بشكل إيحائي وليس مباشراً، سترى جثثاً تدفن جماعياً، لكنك ستركز أكثر على عيون شاؤول الذي قرر تقريب موعد موته بتحدي النظام النازي في خطف جثة ابنه من الطبيب الألماني الذي يظهر جانبه الإنساني أيضاً في الفيلم، ويتواطأ معه بصمت اجعلني لا أراك وأنت تخطف جثة ابنك. المدهش فعلاً في الفيلم أن قيمته الفنية العالية في أدوات صناعته تحت إدارة مخرجه جعلت منه نموذجاً سيظل الحديث عنه طويلاً، فالجمال الفني عندما يقدم القبح في حالة القصة المبنية عليها أحداث الفيلم، يعد تحدياً كبيراً لدى صناع الأفلام. تفاصيل كثيرة تدور حول حياة سوندركوماندو، وهم من السجناء اليهود الذين تم اختيارهم بشكل عشوائي ليقوموا بدفن اليهود الموتى بعد سحبهم من أفران الغاز، ويأمرهم الضباط الألمان بحرق تلك الجثث، وتنظيف الأرضيات بعد كل هذا الموت، ومقابل هذه المهنة يطيلون أعمارهم قليلاً، ويحصلون على القليل من الطعام. يحاول شاؤول إقناع بعض رفاقه بضرورة دفن ابنه على الطريقة اليهودية والصلاة عليه، وهنا تبدأ الشكوك بالنسب عندما يجيبه أحد أصدقائه: أنت لم يكن لديك ابن، لكن صمت شاؤول يعيد زرع الشكوك، فكل القهر البادي عليه، وتخبطه، ومغامرته في تحدي الضباط النازيين، يجعلك تتأكد أنه ابنه، فلماذا يغامر شاؤول بكل ما بقي من حياته لدفن جثة غريب، وهو المعتاد بشكل شبه يومي بدفن جثث المخنوقين بالغاز. حكاية.. وتساؤلات هذه حبكة الفيلم فعلاً، التي أرادت إيصال معاناة من تضرروا من النازية من خلال حكاية تشبه حكايات كثيرة، والمفارقة أن من عانى من تلك المحرقة توجه كثيرون منهم الى فلسطين، وسلبوا أرض غيرهم، ومارسوا كل أنواع العنف، وكم من جثة فلسطينية دفنت وتناثرت بعيدة عن أهلها بسبب صواريخهم وطلقات رصاصاتهم. هذا الفيلم قد يثير العديد من التساؤلات لدى المشاهد العربي تحديداً، الذي سيتعاطف مع شاؤول، لكنه سيوجه له سؤالاً كبيراً بينه وبين نفسه ماذا فعلتم بدوركم مع أطفال فلسطين؟، لذلك تكمن أهمية هذا الفيلم فعلاً في إعطاء فرصة كبيرة لطرح الأسئلة، ومساحة أوسع للحساب، فالهولوكوست انتهى، وتم تعويض اليهود وعائلاتهم إلى اللحظة، فالفرد الألماني مازال يقتطع من راتبه ضريبة تدفع لليهود الألمان وغيرهم، لكن ثمة هولوكوست مازال مستمراً يمارسه من تعرض له سابقاً، لذلك فطريقة تناول قصص النازية اختلفت، وهذا الاختلاف ظهر أيضاً في الفيلم الألماني الذي عرض في مهرجان برلين السينمائي الفائت وحيداً في برلين للمخرج الفرنسي فينسينت بيريز وهو من بطولة إيما طومسون، فقد تحدث عن الألمان المتضررين من النازية وهم ليسوا بيهود. مع قلة الحوار في فيلم ابن شاؤول، واقتصاره على جمل عابرة لكنها عميقة لأنه ببساطة يدور حول مسجونين، لا حق لهم في التعبير عن أي مشاعر، حتى عندما قرروا الإضراب، تم قتلهم بشكل جماعي، لذلك هي فرصة لمشاهدة فيلم قائم على حركة الكاميرا وتربصها بالوجوه في الفيلم، ونقل أحاسيسها دون الحاجة للتعبير عنها بالكلام. ستستمع بين لحظة وأخرى إلى صراخ وبكاء بـلغات متعددة ليست ألمانية فحسب. عوامل كثيرة في صناعة الفيلم ستكون حاضرة بكل تفاصيلها، لتصل إلى حقيقة مؤكدة، أن كل الجوائز التي حصل عليها الفيلم كان يستحقها، فأنت ببساطة أمام فيلم مصنوع بشكل حرفي ومختلف بحق.

مشاركة :