1 - في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت «لبنان» جنة الدنيا، حيث جمال الخضرة والطقس والناس، حينها كان اللبناني بذاته علامة تجارية (Brand).. فعندما كنت تسأل اللبناني ماذا يعمل يجيبك بكل ثقة وغرور «لبناني»، وقتها كانت مجتمعات الدول المحيطة أقل علماً وأقل ثقافة وأقل جودة حياة. 2 - في الخمسينيات صرح وزير خارجية أمريكا الشهير (جون دالاس) قائلاً: «لبنان ليست ذات أهمية في حد ذاتها».. والتفسير لتلك المقولة هو أن أهمية لبنان تنبع من كونها ساحة للمصالح الإقليمية الكبرى. 3 - في الستينيات الميلادية رحب الرئيس اللبناني (شارل الحلو) بالصحفيين اللبنانيين بقوله: «مرحباً بكم في بلدكم الثاني»، في إشارة إلى أن اللبنانيين طوائف وأعراق، ولاؤهم للبنان يأتي في المركز الثاني بعد ولائهم الطائفي. 4 - وفي الثمانينيات أثناء رئاسته لوفد لبنان في هيئة الأمم المتحدة، أعلن (غسان تويني) السياسي والإعلامي اللبناني الكبير أن لبنان هو ساحة قتال الآخرين، وأصبحت تلك هي نظريته الأثيرة في كل كتاباته في صحيفته «النهار»، وأن لبنان هو ضحية صراعات الآخرين. 5 - لبنان تاريخياً وحتى اليوم لا يختار مواطنوه رئيسهم بل يتم اختيارهم من قبل الدول الخارجية.. فقد بدأ التدخل في الشأن اللبناني منذ الدولة العثمانية، ثم بعد ذلك تلتها فرنسا ثم واشنطن وموسكو والقاهرة وبغداد ودمشق وطهران. 6 - لبنان دولة الطوائف، حيث المواطن لا يبحث عن حمايته أو رعايته من الدولة بل يبحث عنها من زعماء الطوائف.. فالدولة مجرد مكون تنظيمي لتسهيل الحركة وتيسير سير الأعمال فقط. 7 - اللبناني اليوم لا يُعَرِّف نفسه بوطنه بل بهويته الطائفية (الدينية أو المذهبية أو الإثنية)، من هنا فوسائل إعلام لبنان لا تمثل لبنان بل تمثل الطائفة.. ومدارسهم الأهلية لا تدرس مناهجهم الوطنية بل مناهجهم الطائفية، وأنديتهم الرياضية لا يلعب فيها سوى أبناء الطائفة، وجمعياتهم الخيرية لا تخدم سوى محتاجي الطائفة.. وهكذا. 8 - الناصريون استخدموا لبنان كساحة حرب.. وكذلك فعل البعثيون والقوميون والشيوعيون والفلسطينيون والإسرائيليون والسوريون والإيرانيون والعراقيون والليبيون والأمريكيون والروس وحتى اللبنانيين ذاتهم (سنة وشيعة ودروز وأرمن وموارنة).. كل طائفة من هذه الطوائف اتخذت من لبنان ساحة حرب لها وجعلت من المواطن اللبناني وقوداً لتلك الحروب. 9 - وكانت كل الدول إذا أرادت أن ترسل رسائل إلى دول أخرى في المنطقة استخدمت الساحة اللبنانية.. وتنوعت تلك الرسائل من الصواريخ إلى السيارات المفخخة إلى الاغتيالات إلى التخريب إلى تجنيد وسائل لبنان الإعلامية لمناكفة خصومها.. لقد تحول اللبنانيون إلى محاربين بالوكالة، هم تماماً كالمرتزقة بل هم أسوأ، فهم يحاربون على أرضهم لمصالح غيرهم. 10 - لم تَحِل الحرب اللبنانية الأهلية - التي انطلقت عام (1975م) واستمرت تفاعلاتها ومناوشاتها حتى اليوم - أياً من قضايا لبنان واللبنانيين، إنما زادت الفُرقة والتشرذم، وأكدت أن لبنان ليس وطناً بل أرض يعيش عليها أناس ولاؤهم لأوطان أخرى غير لبنان.. والدليل أنه اليوم ورغم مرور نصف قرن على الحرب الأهلية لا زال الوضع بذات السوء من الفُرْقة والاختلاف والعداء. 11 - وينطبق الأمر كذلك على الرئاسات الثلاث: الدولة والحكومة والنواب، والتي لا تمثل لبنان بل تمثل دولاً خارجية.. أيضاً المرجعيات الدينية الثلاث في لبنان لا تمثل الأديان بل تمثل المذاهب.. هي بلد تحكمه مليشيا تأتمر بأوامر بلد آخر. 12 - لبنان خلال الخمسين عاماً الماضية تعد أنموذجاً للدولة الفاشلة، حسب تقرير هيئة الأمم المتحدة.
مشاركة :