تدفق الآلاف على عاصمة دويلة الصرب في جمهورية البوسنة أمس لحضور إعادة افتتاح مسجد تاريخي دمرته الحرب في مراسم ينظر إليها على أنها تشجع على التسامح الديني بين الطوائف والأعراق المختلفة». وبعد مرور 20 عاما على الحرب الطاحنة بين البوسنيين المسلمين والصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليك لا تزال جمهورية البوسنة مقسمة على أسس عرقية وبها مجموعات متنافسة تعرقل الوفاق والإصلاح المطلوبين للانضمام للاتحاد الأوروبي». وعودة المسلمين إلى مسجد فرحات باشا الذي أعيد بناؤه بمدينة بانيا لوكا عاصمة جمهورية الصرب شبه المستقلة في البوسنة يبث أمل التغيير في نفوس الكثيرين. لكن القيود الأمنية المحيطة بالمراسم التي سيحضرها مسؤولون بوسنيون كبار وكذلك رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو تعطي انطباعًا بأن الحدث ينطوي على مخاطر عالية. وساهمت تركيا في تكلفة إعادة البناء. ويرافق داود أوغلو في زيارته إلى مدينة «بانيا لوكا»، وهي ثاني أكبر المدن البوسنية، نوابه؛ يالتشين أقدوغان، ولطفي ألوان، ويلدريم طغرل توركيش، ومحمد شيمشك، وذلك وفقًا لما ذكرته وكالة «الاناضول» التركية. وقال داود أوغلو في مؤتمر صحافي عقده بمطار «أسن بوجا» في أنقرة، قبيل توجهه إلى بانيا لوكا، إن البوسنة والهرسك علّقت آمالها على تركيا، وتعتمد عليها بشكل كبير. وأشار أوغلو، إلى أن إعمار المسجد من جديد، يعني إقامة آثار أبناء الفاتح في البلقان، معربًا عن شكره لجميع المؤسسات والأطراف المساهمة في إعادة إعمار الآثار العثمانية وحمايتها. وانتشر نحو ألف من عناصر الشرطة في الشوارع ووصلت حافلات تحمل مسلمين قدموا من مختلف أنحاء البلاد. ومنعت حركة المرور عن وسط المدينة وتم حظر الكحوليات. يرجع تاريخ المسجد إلى القرن السادس عشر، وهو تحت حماية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» بوصفه نموذجا فريدا لفن العمارة العثمانية. وقد تعرض للتدمير قبل 23 عاما وتحول موقعه إلى ساحة لانتظار السيارات». ويعتقد كثيرون أن تدميره كان بأمر من صرب البوسنة رغبة منهم في محو أي آثار للتراث الإسلامي من المدينة التي كانت يومًا ما متعددة الأعراق. وخلال الاحتفال بوضع حجر الأساس في مشروع إعادة بناء المسجد عام 2001 هاجم قوميون صرب الزائرين والشخصيات العامة الحاضرة فقتلوا مسلمًا وأصابوا عشرات. واستغرق الحصول على تراخيص إعادة بناء المسجد وعلى المال اللازم لها 15 عامًا. واستخدمت آلاف القطع من أنقاض المبنى الأصلي بعد انتشالها من نهر فرباس ومن موقع للنفايات». واليوم الذي دمر المسجد فيه - وهو السابع من مايو (أيار) - أصبح الآن يوم مساجد البوسنة التي تم تدمير 614 مسجدا بها إبان الحرب التي دامت من عام 1992 إلى عام 1995 ولا يعيش بمدينة بانيا لوكا الآن سوى عشرة في المائة فقط من سكانها المسلمين والكروات بعد أن قام الصرب بحملة تطهير عرقي في أراض أقاموا عليها دويلتهم. في عام 2001 تم تعطيل محاولة في مرحلة ما بعد الحرب لوضع حجر الأساس لإعادة بنائه من قبل حشد من الغوغاء القوميين الصرب الذين هاجموا الزوار المسلمين، وأصابوا العشرات وقتلوا أحدهم، واضطرت قوات حلف شمال الأطلسي الناتو إلى إجلاء السفراء الأجانب من موقع الاحتفال. يذكر أن القوات الصربية ارتكبت الكثير من المجازر بحق مسلمين، خلال ما عرف بفترة حرب البوسنة، التي بدأت في عام 1992، وانتهت في عام 1995 بعد توقيع اتفاقية دايتون، وتسببت في إبادة أكثر من 300 ألف شخص، باعتراف الأمم المتحدة.
مشاركة :