كُتبت آلاف الكلمات عن مقتل حسن نصر الله في بيروت خلال الأيام الماضية، ولن أزيد من سخطكم بإضافة المزيد… وفي كل الأحوال، ربما يكون المتابع لتلك الأحداث قد اتخذ قرار بالفعل بشأن ما إذا كان زعيم حزب الله الراحل بطلًا للمقاومة حارب قوة الجيش الإسرائيلي حتى جُمد في عام 2006، أو دمية في يد إيران أو ربما كان كلاهما… تختلف وجهات النظر!!! ولكن ما يقلقنا وأعتقد أنه يقلق كل من يتابع هو (الافتقار إلي الأخلاق) لدى أولئك الذين يأمرون بما لا يمكن وصفه إلا بالإعدامات أو الاغتيالات خارج نطاق القضاء والحق والعدل. أبرز هذه الإعدامات أو الاغتيالات في الذاكرة الحديثة كانت اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الذي قتلته القوات الخاصة الأمريكية في شمال باكستان في الثاني من مايو 2011، ثم ألقيت جثته في البحر بلا مراسم كما ادعا الأمريكان. الصورة الثابتة هي التي تم التقاطها داخل غرفة العمليات في البيت الأبيض مع تطور الأحداث "باراك أوباما، وجو بايدن، وهيلاري كلينتون"، ومجموعة متنوعة من كبار الشخصيات الآخرين يحدقون في الفيديو المباشر، وكأنهم يحضرون عرضًا خاصًا لأحدث أفلام هوليوود. ومؤخرا، قتلت غارة أمريكية بطائرة دون طيار على مطار بغداد في يناير 2020، اللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي، كما قتلت بالمناسبة تسعة أشخاص آخرين، بما في ذلك زعيم الميليشيا العراقية أبو مهدي المهندس، الذي كان من سوء حظه أن يفقد حياته إلى جانب أقوى شخص في إيران بعد المرشد الأعلى. ومنذ ذلك الحين، انتقلت عباءة الجلاد الأعلى إلى حد كبير إلى "إسرائيل"، التي لم تتردد في استخدامها والتفاخر بها، ففي الأسابيع الماضية، نشر الجيش الإسرائيلي صور 11 من قادة حزب الله الذين زعم أنه قتلهم في أسبوع من الفوضى في لبنان، وكان الابتهاج الذي شعر به عندما فعل ذلك ملموسا تقريبا. الحجة الأخلاقية، إذا كان من الممكن أن نطلق عليها هذا الوصف، التي تقدمها "إسرائيل والغرب"، هي أنهم الأخيار في حرب ضد الأشرار، وأنهم حكومات منتخبة ديمقراطيا تقاتل دفاعا عن سيادة القانون. والسؤال الذي لا يجيبون عليه هو:عندما يتصرف الأخيار بنفس الطريقة تماما مثل الأشرار (ولكن بأسلحة أكبر)، فما هو بالضبط ما يقاتلون من أجله؟ يقولون القانون!!! ولكن لا يوجد قانون يسمح بالفوضى العشوائية. استخدم الرئيس الأمريكي جو بايدن، عبارة غريبة لوصف مقتل نصر الله: قال إنه "جلب قدرا من العدالة"، إن بايدن ليس شابًا نشيطًا، ولكن لا بد وأن يعلم أن أمريكا قد تجاوزت أيام رعاة البقر في الغرب المتوحش الذين كانوا يوزعون العدالة من فوهة بندقية. قد لا يعرف كيف تبدو العدالة في أيامنا هذه، ولكنني أعرف: إنها عندما يتم التحقيق مع مجرم واعتقاله وتوجيه الاتهام إليه ومحاكمته وإدانته والحكم عليه في محكمة قانونية، يجب أن يكون للعدالة عنصر أخلاقي، ولا يمكن تحقيقها بقنبلة خارقة للتحصينات تزن 2000 رطل تم إسقاطها على ضاحية سكنية مكتظة بالسكان في بيروت. غالبًا ما يُقال إن الاعتقالات والملاحقات القضائية التقليدية مستحيلة عندما يتربص "العدو" في الظل، محميًا بطبقات من الأمن وهويات متعددة، ويرفض اللعب وفقًا لقواعد الحرب التقليدية. إذا كنت تعتقد أن هذا يحدث فقط في الشرق الأوسط، فأنت مخطئ! في عام 1989، كانت أيرلندا الشمالية في خضم فترة عُرفت باسم "الاضطرابات" ــ تمرد دام ثلاثين عامًا شنته الميليشيات شبه العسكرية الجمهورية سعيًا إلى توحيد أيرلندا سياسيًا، بدعم صريح أو ضمني من نحو نصف السكان، وعارضهم النصف الآخر من السكان، الذين كانوا يرغبون في البقاء جزءًا من المملكة المتحدة، إلى جانب الميليشيات شبه العسكرية الموالية للدولة البريطانية. "إن قوس الكون الأخلاقي طويل، ولكنه ينحني نحو العدالة".. هكذا عبر مارتن لوثر كينج، عن الأخلاق، واعتقد عندما يحين موعد كتابة تاريخ هذه السنوات في الشرق الأوسط، ينبغي أن نأمل في تحقيق العدالة الأخلاقية.
مشاركة :