افتتح فلاديمير بوتين قمة «بريكس» بدعوته إلى تأسيس نظام بديل للمدفوعات الدولية، من شأنه منع استخدام الدولار كسلاح سياسي، موجهاً ضربة محتملة إلى الهيمنة الأميركية على التسويات المالية العالمية. وفقاً لأحدث توقعات صندوق النقد الدولي، من المقرر أن يعتمد الاقتصاد العالمي بشكل أكبر على مجموعة «البريكس» من الاقتصادات الناشئة لدفع النمو العالمي، بدلاً من نظيراتها الغربية الأكثر ثراءً. وبالمقارنة مع جولته الأخيرة من التوقعات قبل 6 أشهر، يتوقع صندوق النقد الدولي الآن حصة أكبر من النمو على مدى السنوات الخمس المقبلة من اقتصادات مجموعة «البريكس» القوية، مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، وفقاً للتوقعات التي نُشرت هذا الأسبوع على أساس تعادل القوة الشرائية. وعلى النقيض من ذلك، تم تعديل المساهمة المتوقعة لأعضاء مجموعة السبع، مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، بالخفض، وفقاً لما ذكرته «بلومبرغ»، واطلعت عليه «العربية Business». وستكون الصين المساهم الأكبر في النمو العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة، إذ ستكون حصتها البالغة 22% أكبر من جميع دول مجموعة السبع مجتمعة، وفقاً لحسابات بلومبرغ باستخدام توقعات صندوق النقد الدولي الجديدة. الهند هي عملاق النمو العالمي الآخر، ومن المتوقع أن تضيف ما يقرب من 15% من الإجمالي حتى عام 2029. كما توضح بعض التوقعات الخاصة بدول أخرى كيف أصبح الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على الأسواق الناشئة، وخصوصاً على أساس مقياس القوة الشرائية، الذي يسعى إلى التكيف مع الأسعار، ويميل إلى إعطاء وزن أكبر للدول الأكثر فقراً، ولكن الأكثر سكاناً على الدول الأكثر ثراءً. وعلى هذا الأساس، من المتوقع أن تضيف مصر 1.7 نقطة مئوية إلى النمو العالمي في الفترة، وهو نفس ما فعلته ألمانيا واليابان، ومن المتوقع أن تساهم فيتنام بنحو 1.4 نقطة مئوية، أي ما يعادل فرنسا والمملكة المتحدة. إن التوسع القوي للاقتصاد الأميركي على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، وخصوصاً في فترة ما بعد الوباء، يجعلها أكبر مساهم في النمو العالمي بين الدول المتقدمة. ومع ذلك، لم تتمكن من الحفاظ على حصتها في الاقتصاد العالمي لناحية تعادل القوة الشرائية، مقارنة بمسار الدول الأكثر سكاناً الهند والصين. ومن المتوقع أن يساهم أصغر اقتصادين في مجموعة الدول السبع، كندا وإيطاليا، بأقل من 1% لكل منهما في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدى فترة السنوات الخمس، وهي نسبة أقل من البلدان الأكثر فقراً بكثير، التي لديها عدد سكان أكبر مثل بنغلادش أو مصر أو الفلبين. وافتتح فلاديمير بوتين قمة «بريكس» بدعوته إلى تأسيس نظام بديل للمدفوعات الدولية، من شأنه منع استخدام الدولار كسلاح سياسي، موجهاً ضربة محتملة للهيمنة الأميركية على التسويات المالية العالمية. وأضاف بوتين، في حديثه خلال القمة التي استضافتها «قازان»، إحدى أكبر المدن الروسية وأكثرها ثراء، ان زيادة استخدام العملات المحلية لدول مجموعة بريكس في المعاملات من شأنه أن يقلص المخاطر الجيوسياسية، مشيراً إلى أن ما يقرب من 95% من التجارة بين روسيا والصين تتم حاليا بالروبل واليوان. وذكر وزير المالية الروسي أنطوان سيلوانوف، في اليوم الأول من القمة، أن النظام المالي العالمي تسيطر عليه الدول الغربية، والمجموعة بحاجة إلى توفير بديل. وتأتي تلك الجهود مع تضرر موسكو من حظر العديد من مصارفها من نظام «سويفت» - الذي يسهل التحويلات المالية العالمية - بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022 بفترة وجيزة، وفرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات شاملة عليها. الصين ستكون المساهم الأكبر في النمو العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة وستكون حصتها البالغة 22% أكبر من جميع دول مجموعة السبع مجتمعة نفوذ متزايد وتضم عضوية «بريكس» الدول الخمس الأولى (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، وتوسعت عندما انضمت إليها دول منها السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا. وأتاحت قمة «بريكس» لهذا العام – التي تستمر ثلاثة أيام حتى الخميس واستضافت وفوداً من عدة دول - الفرصة للرئيس الروسي للتباهي بمكانة بلاده على المسرح العالمي. وتعتبر القمة أكبر حدث جيوسياسي تشهده روسيا منذ غزو أوكرانيا، وحرص بوتين وأعضاء «بريكس» على التأكيد خلالها على نفوذ المجموعة المتزايد. وفي تصريحاته بافتتاح القمة – التي وصفها الكرملين بالحدث الأكبر في مجال السياسة الخارجية على الإطلاق في روسيا - حدد الرئيس الروسي أولوياته عند التعاون المالي الأكثر عمقا بين دول المجموعة والتوسع، مضيفاً أن ما لا يقل عن 30 دولة أخرى أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة. وأضاف بوتين أن «بريكس» تظهر أن عالماً متعدد الأقطاب يجري تكوينه في تحدّ للنظام العالمي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. أما الرئيس الصيني شي جينبينغ فصرح في خطابه، أمس الأربعاء، بأن إصلاح البنية المالية الدولية أمر ملحّ، ودعا إلى ربط البنية التحتية المالية بين أعضاء المجموعة، وتوسيع بنك التنمية الجديد (إن بي دي). يذكر أن «إن بي دي» – يقع مقره في شنغهاي – تأسس عام 2015 من الأعضاء الخمسة الأوائل في بريكس، وهو بمنزلة مؤسسة مالية بديلة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وأصدرت الدول الأعضاء في «بريكس» – التي تمثل حوالي 35% من الاقتصاد العالمي – إعلان قازان الذي يدعو لإلغاء العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب والثانوية التي تتعارض مع القانون الدولي، كما شجعت على استخدام عملاتها المحلية في المعاملات المالية بين دول «بريكس» وشركائها التجاريين. وتوقع صندوق النقد الدولي تزايد مساهمة دول المجموعة في نمو الاقتصاد العالمي خلال السنوات الخمس المقبلة، بينما يصبح النمو أقل اعتماداً على مجموعة السبع. نظام دفع جديد وترغب روسيا في إنشاء نظام مدفوعات جديد، يعتمد على شبكة البنوك التجارية المرتبطة ببعضها البعض من خلال البنوك المركزية لمجموعة بريكس، حسب وثيقة أعدتها وزارة المالية الروسية والبنك المركزي وتم توزيعها على الصحافيين قبل القمة. وسوف يستخدم هذا النظام المقترح تقنية البلوك تشين لتخزين ونقل الرموز الرقمية المدعومة بالعملات الوطنية، مما يسمح بتبادل آمن وسهل للعملات، بدلاً من الحاجة إلى التعامل بالدولار. لكن ياروسلاف ليسوفوليك، مؤسس مركز أبحاث «بريكس+ أنالتيكيس» يرى أن إنشاء مثل هذا النظام ممكن من الناحية الفنية لكنه سيستغرق بعض الوقت، مشيراً إلى أنه بعد التوسع الكبير للمجموعة في العام الماضي، أصبح الاتفاق بالإجماع أكثر صعوبة. إلى جانب ذلك، اتهمت الوثيقة المؤسسات القائمة، مثل صندوق النقد الدولي، بخدمة مصالح الدول الغربية، وأنها بحاجة إلى تحسينات لخدمة الاقتصاد العالمي المتطور بشكل أفضل. كما تقترح موسكو إنشاء منصة «بريكس كلير» لتسوية التجارة في الأوراق المالية، وتحدث بوتين عن إمكانية تأسيس بورصة لتجارة المعادن الثمينة والماس. وتحث روسيا - أكبر مصدر للقمح في العالم - أيضاً على إنشاء بورصة تجارية للحبوب في مجموعة «بريكس» من أجل إنشاء بديل للبورصات الغربية التي تحدد الأسعار الدولية للسلع الزراعية. الهند هي عملاق النمو العالمي الآخر ومن المتوقع أن تضيف ما يقرب من 15% من الإجمالي حتى عام 2029 التخلص من الدولار وأصبحت البنوك المركزية وصناع السياسات المالية قلقين بصورة متزايدة بشأن الاعتماد على الدولار، بسبب عدم اليقين بشأن الاستقرار السياسي الأميركي والتحولات الاقتصادية، وتزايد الديون الأميركية، والعقوبات الاقتصادية وغيرها وخاصة بالنسبة للاقتصادات النامية التي أدت قوة الدولار في السنوات الأخيرة إلى إضعاف القدرة التنافسية لصادراتها، فضلاً عن زيادة تكلفة خدمة الديون المقومة بالعملة الخضراء، لذلك تسعى بريكس إلى التخلص من هيمنة الدولار. ورغم الحرص على جعل بريكس ثُقلاً موازناً قوياً للغرب في السياسة والتجارة العالمية، فإن بوتين أوضح أن طرح عملة موحدة للمجموعة تعتبر خطوة سابقة لأوانها حالياً، نظراً لأنها تتطلب مستوى عالياً من التكامل بين الأعضاء. وذكر محللو «إس بي أنجل»، مزودة خدمات الاستثمار المصرفي، في مذكرة، أن حوالي 58% من عملات الاحتياطي الأجنبي التي تحتفظ بها البنوك المركزية حالياً في صورة أصول مقومة بالدولار، رغم بدء البنوك بالفعل في زيادة احتياطاتها غير الدولارية، وبالطبع فإن الذهب – الذي يواصل مسيرته الصاعدة - هو المستفيد الرئيسي. هل يمكن التخلص من هيمنة الدولار؟ تمثل جهود بريكس - التي تمثل 45% من سكان العالم - محاولة لتحدي النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار الذي يمثل أكثر من نصف المدفوعات الدولية، لكن التخلص من هيمنة الدولار هدف يزعج بعض أعضاء بريكس ومنها الهند، لأنهم لا يريدون أن تصبح المجموعة معادية للغرب ومؤيدة للصين بشكل مفرط. إلى جانب أن خطط بريكس التي عرضتها في قمتها - التي عقدت قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأميركية – تواجه تعهد المرشح الجمهوري ترامب بأن يظل الدولار عملة الاحتياطي العالمية. وصرح ترامب خلال سبتمبر بفرض تعريفات جمركية صارمة تصل إلى 100% على واردات الدول التي تسعى إلى التخلي عن الدولار كعملة عالمية، بعدما ناقش مع مستشاريه سبل معاقبة الدول الباحثة عن سبل للمشاركة في التجارة الثنائية بعملات أخرى غير الدولار. وعلق إدوارد فيشمان، الباحث البارز بجامعة كولومبيا: «لقد وجدت دول بريكس مهمة موحدة وهي التحايل على الهيمنة المالية الأميركية»، موضحاً أنه بالنسبة للدول الخاضعة للعقوبات الأميركية، فإن هذه المهمة تمثل أولوية وطنية قصوى. بينما ترى دول مثل الصين أنها ستكون وسيلة مفيدة لعزل نفسها عن العقوبات المحتملة في المستقبل، لكن بشكل عام على الولايات المتحدة أن تتعامل مع مبادرات بريكس بشكل جدي وتتحرك لتعزيز مكانة الدولار بشكل أكبر لأنها قد تؤتي بثمارها على مدى العقود المقبل. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون لتلك المبادرات تأثير على الدور العالمي للدولار في المستقبل القريب. ويبرز ذلك مدى التهديد الذي تشكله جهود المجموعة للتغلب على هيمنة العملة الخضراء، وتوسيع جهودها ونفوذها العالمي. بوتين يعول على مساهمة مصر في تطوير المجموعة أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تعول على مساهمة كبيرة من جانب مصر في عمل وتطوير مجموعة «بريكس»، مضيفاً: «مصر تعمل بنشاط في إطار بريكس، وأصبحت عضواً كامل العضوية». وقال بوتين، خلال الجلسة العامة بصيغة «أوتريتش» - «بريكس بلس»، متوجهاً بكلامه إلى نظيره المصري، «نعول كثيراً على مساهمة كبيرة من جانب بلادكم في تطوير عمل المجموعة كلها»، معرباً عن امتنانه لنظيره المصري عبدالفتاح السيسي على مشاركته في فعاليات مجموعة بريكس، التي انضمت إليها القاهرة منذ بداية عام 2024. من جهة أخرى، صرح الرئيس الروسي: «نرى أنه من المهم للأمم المتحدة أن تكيف هيكلها مع حقائق القرن الحادي والعشرين لمواصلة العمل بفاعلية، وتوسيع التمثيل في مجلس الأمن وغيره من الهيئات الرئيسية لبلدان آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، بما في ذلك تلك التي يتواجد قادتها في هذه القاعة».
مشاركة :