"اليوم" تحاور أول سعودية تحصل على الدكتوراة في الفلك والفضاء: رؤيتي ريادة الوطن

  • 10/24/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشغف بالسماء منذ الطفولة كان حلم يراود سميرة الحربي التي أصبحت فيما بعد الأستاذ المساعد في قسم علوم الفلك والفضاء بجامعة الملك عبد العزيز، وأول سعودية تحصل على الدكتوراة في تخصص علوم الفلك والفضاء. "الحربي" تحدثت خلال حوارها مع "اليوم" عن شغفها وكيف تابعت هذا الشغف بالعلم والابتعاث، واهتمامها مع الأولويات البحثية الوطنية مثل الأبحاث المرتبطة بالتطبيقات الفلكية للذكاء الاصطناعي، أو تحليل البيانات الفلكية الضخمة وابرز الأشخاص الإسلامية والعالمية التي تأثرت بهم. وأكدت استعدادها التام في حال أتيح لها الفرصة، لخوض تجربة السفر إلى الفضاء لتطبيق الكثير مما تعلمته، ولاستكشاف آفاق جديدة. وإلى نص الحوار :- بدايةً .. ما الذي ألهمك لاختيار علوم الفلك والفضاء كتخصص؟ وهل كان هناك موقف أو تجربة معينة أثّرت في قرارك؟ كان شغفي بالسماء منذ الطفولة هو الدافع الأساسي وراء اختياري للتخصص في علوم الفلك والفضاء. فمنذ صغري، كنت دائمًا مفتونة بالنظر إلى النجوم، وكنت أتخيل أن لها لغة خاصة، وأن وميضها هو محاولة منها للتواصل معنا. ومع مرور الوقت، أدركت أن هذه الخيالات الطفولية كانت مجرد بداية لفضول علمي كبير. رغم إدراكي للحقيقة العلمية التي تفسر وميض النجوم نتيجة للتغيرات في الغلاف الجوي، ظل شغفي لفهم هذه النجوم قائمًا. هذا الفضول الطفولي تحول إلى رغبة ملحة وسعي لدراسة الكون ولكن بلغة العلم، التي أصبحت أداتي لفهم أسرار النجوم والظواهر الكونية. إضافة إلى ذلك، هذا التخصص يحقق لي غاية روحانية، حيث أن النظر إلى السماء والتفكر في الكون الواسع يدفعني دائمًا إلى التأمل في دقة وإبداع الخلق، وهو ما يعمّق إيماني ويجعل دراسة الفلك تجربة علمية وروحانية على حد سواء. كيف كانت رحلتك الأكاديمية في هذا المجال، وما هي أبرز التحديات التي واجهتك خلال دراستك أو مسيرتك المهنية؟ قراري بدراسة علوم الفلك والفضاء جاء في وقت مبكر جدًا، ولكن عدم توفر هذا التخصص في السعودية لمرحلة البكالوريوس، دفعني إلى اختيار تخصص آخر بعد تخرجي من الجامعة، أتيحت لي الفرصة لدراسة الماجستير في علوم الفلك والفضاء في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وبعد حصولي على درجة الماجستير، التحقت بالعمل كمحاضر في قسم علوم الفلك والفضاء بجامعة الملك عبدالعزيز، وهو ما ساعدني في الحصول على منحة دراسية لدراسة الدكتوراة في الفيزياء الفلكية بجامعة مانشستر في بريطانيا عبر برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، هذه المرحلة كانت غنية بالدراسة العملية، إذ تدربت في المراصد المرئية والراديوية، وتعلمت رصد الأجرام السماوية وتحليل البيانات وبعد إتمام هذا المشوار بفضل الله، أصبحت أول سعودية تحصل على الدكتوراة في هذا التخصص. من أبرز التحديات التي واجهتها خلال رحلتي الأكاديمية كانت غياب الفرص العملية في المملكة خلال دراستي للماجستير، إذ كانت المناهج تعتمد على الجانب النظري بسبب غياب المراصد والمعامل البحثية المتخصصة في الفلك للطالبات هذا جعل من الصعب تطبيق ما تعلمته عمليًا، ودفعني إلى محاولة ردم الفجوة بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي بالبحث عن فرص خارجية لحضور ورش العمل والمؤتمرات أو بالانضمام إلى مجتمعات فلكية، سواء كانت مجتمعات علمية أو حتى تجمعات للهواة، لأتعلم منهم الممارسات العملية في الفلك. التحدي الآخر الذي واجهته كان اجتماعيًا، وهو مرتبط بقراري التخصص في علوم الفلك والفضاء منذ مرحلة مبكرة في ذلك الوقت، لم يكن المجتمع يفهم تمامًا أهمية هذا التخصص للبشرية، وكانت هناك نظرة قاصرة حول دوره العلمي بالتالي، لم يكن هناك ترحيب كبير أو فهم كامل لقراري، ولكن بفضل دعم والدتي وعائلتي، لم تشكل تلك النظرة عقبة كبيرة لي وكنت دائما ما أردد أن المجتمعات، مثلها مثل العلوم، تتطور وكنت على يقين بأن علوم الفلك والفضاء ستأخذ مكانتها التي تستحقها في مجتمعي يومًا ما، وهذا ما نشهده اليوم. باعتبارك أول سعودية تحصلي على دكتوراة في هذا التخصص، كيف ترين دورك في إلهام الشابات السعوديات لدخول مجالات العلوم؟ أسعى كأول سعودية تحصل على الدكتوراة في علوم الفلك والفضاء لأن يكون لي دور لإلهام الشابات السعوديات لدخول مجالات العلوم، وتحديدا الفلك لأنه مجال مليء بالتحديات والإبداع، وأرى أن من واجبي تقديم الدعم والإرشاد لهن ما استطعت. لكن يظل الأثر الأكبر الذي أسعى لتحقيقه هو إبراز أهمية تخصص مثل علوم الفلك والفضاء للبشرية بشكل عام. كما أحاول دائمًا نشر الثقافة الفلكية الصحيحة، وخاصة بين الفتيات الأصغر سنا ومساعدتهن على فهم الإمكانيات التي يمكن أن يوفرها لهن هذا المجال إذا قررن اختياره كتخصص أكاديمي ومهني. فمثلا، من الأمور التي أعمل عليها باستمرار هي إبراز تقاطع علم الفلك مع التخصصات الأخرى، ففي ظل عدم توفر برنامج مستقل للبكالوريوس في علوم الفلك للطالبات في السعودية، تضطر الكثيرات منهن إلى دراسة تخصصات أخرى رغم رغبتهن الشديدة في دراسته. لذلك، أحرص على توضيح كيف يتكامل الفلك مع التخصصات المختلفة، وكيف يمكنهن تطبيق ما تعلمنه من تخصصاتهن على الظواهر الفلكية، مما يمكن أن يكون دافعًا للجيل الجديد لمواصلة شغفهم بالفلك حتى وإن لم يكن تخصصهم الأساسي. هل هناك شخصية علمية أو نموذج معين في مجال الفلك والفضاء أثر فيك ووجهك نحو هذا المجال؟ الشخصية الفلكية التي تأثرت بها منذ طفولتي هي كارل ساجان، الفلكي الأمريكي المعروف. برنامجه Cosmos كان واحدًا من أهم البرامج التي تجمع بين المعلومات الفلكية القيمة والبساطة في طريقة توصيلها. تأثرت كثيرًا بأسلوبه في تقديم المعلومات الفلكية المعقدة بطريقة بسيطة وسهلة الفهم، وهذا ما أسعى لتحقيقه في ممارساتي التدريسية اليوم، لأن تسهيل الفهم هو مفتاح تحفيز الفضول العلمي لدى الآخرين. إلى جانب ذلك، أجد إلهامي في النساء من العالم الإسلامي اللواتي قدمن إسهامات في علم الفلك، مثل مريم الإسطرلابية، التي اشتهرت بعملها في تطوير الإسطرلاب وعرفت به. إسهاماتها في هذا المجال كانت بارزة، وتمثل بالنسبة لي مصدر إلهام وقوة، حيث استطاعت تجاوز العقبات الاجتماعية وتحقيق إنجازات علمية مميزة في حقبة تاريخية كانت خلالها مشاركة المرأة في العلوم محدودة. فإذا كان بإمكان النساء تحقيق الإنجازات في الماضي، فإننا مع التقدم الذي نشهده اليوم، يجب أن نسعى لتحقيق المزيد. ما هي الأبحاث أو المشاريع التي عملت عليها في مجال الفضاء؟ وما هي الاكتشافات أو النتائج التي تفتخرين بها أكثر؟ تُركز أبحاثي الحالية بشكل أساسي على دراسة تطور النجوم، وخاصة المراحل الأخيرة أهدف من خلالها إلى فهم كيف تؤثر النجوم على البيئة المحيطة بها عندما تصل إلى نهاية حياتها، وكيف تساهم هذه العمليات في تشكيل بنية المجرات. كما أسعى لفهم انتقال العناصر الكيميائية الثقيلة التي تنتج داخل النجوم إلى خارجها لتساهم بشكل مباشر في تكوين نجوم أخرى أو حتى كواكب مثل الأرض هذا النوع من الأبحاث يتيح لنا فهما عميقا لكيفية تشكل الكون ونظرية تطور النجوم. كذلك يلقي الضوء على تأثير النجوم القديمة على الأجيال الجديدة من النجوم تمتد نتائج هذه الأبحاث لتسهم أيضًا في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بأصل العناصر التي تشكل جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، مثل الكربون والحديد وغيرها. هل هناك أيّ مشروعات قادمة في مجال الفضاء أو الفلك تشاركين فيها حاليًا، سواء على مستوى محلي أو دولي؟ حاليًا، أشارك في عدد من المشاريع البحثية المتعلقة بعلم الفلك، وخاصة في مجال تطور النجوم، على المستوى المحلي، وأيضا ضمن تعاون دولي مع عدد من الباحثين من جامعات رائدة وأطمح من خلال هذه المشاريع إلى الحصول على تقديم إسهامات علمية تضع اسم المملكة وجامعة الملك عبدالعزيز ضمن مقدمة الدول في هذا النوع من الأبحاث إلى جانب البحث العلمي. وأعمل مع مجموعة من المهتمين بالفلك على صياغة عدد من المبادرات والفعاليات التي نأمل أن ترى النور قريبا، ونهدف من خلالها إلى نشر المعرفة الفلكية بين الجمهور غير المتخصص وتعزيز اهتمام الشباب والشابات بعلوم الفلك والفضاء. ما هو أكثر اكتشاف أو ظاهرة في علم الفضاء تجذب انتباهك، وترغبين في دراسة المزيد عنها؟ من الظواهر الفلكية التي تجذب انتباهي بشكل خاص السدم الكوكبية، وخاصة التغيرات التي تطرأ على النجم بعد تحوله إلى هذه المرحلة من حياته. الألغاز المحيطة بهذه الأجرام ما تزال غير مفهومة بشكل كامل وتثير فضولي بشكل دائم. فهم ما يحدث عندما يتحول النجم إلى سديم كوكبي والعمليات الفيزيائية التي ترافق هذا التحول يعد من أكثر الجوانب التي أسعى لاستكشافها بعمق أكبر. إلى جانب هذا الاهتمام البحثي، أجد نفسي مهتمة كثيرا بمواضيع تتماشى مع الأولويات البحثية الوطنية مثل الأبحاث المرتبطة بالتطبيقات الفلكية للذكاء الاصطناعي، أو تحليل البيانات الفلكية الضخمة مما يفتح آفاقا جديدة للأبحاث في هذا التخصص. ما هي التحديات التي تواجه النساء في مجال علوم الفضاء، وكيف يمكن التغلب عليها؟ حول العالم وعبر التاريخ، واجهت النساء تحديات متنوعة في مجال الفلك الفضاء، مابين القولبة المجتمعية أو قلة الفرص والبرامج المخصصة لهن، وصولا إلى التجاوزات التي وصلت إلى التعدي على إنجازات النساء ونسبتها إلى زملائهن من الرجال. هذه الممارسات كانت عقبة أمام تقدم النساء، لكنها بدأ في التراجع مع مرور الزمن بفضل برامج الدعم والإرشاد الموجهة للشابات، أو خلق بيئات علمية أكثر شمولية وإنصافًا. أما في السعودية، فيحق لنا أن نفتخر بالإقبال المتزايد من النساء على مجالات الفلك والفضاء، وتحديدا خلال السنوات الخمس الأخيرة، بشكل يفوق حتى الدول التي سبقتنا بسنوات. الأمر الذي يمنح المرأة السعودية فرصة أكبر للمساهمة في التطور العلمي مستقبلا. ومع كل ما سبق، أرى أن السؤال حول العقبات التي تواجهها المرأة السعودية لن يكون ملائمًا للطرح في السنوات القادمة، إذ لا نعاني بفضل الله ثم بفضل السياسات التي تؤمن بتمكين المرأة وتوفير بيئة صحية وتنافسية تتساوى فيها الفرص بين الجنسين. كيف تُقيّمين تطور الاهتمام بعلوم الفضاء والفلك في السعودية، خاصة مع تطور برامج الفضاء المحلية؟ التطور في مجال الفضاء في السعودية كبير جدًا، خاصة مع إنشاء وكالة الفضاء السعودية أو هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية. هذه الخطوات عززت بشكل واضح من قدرات المملكة في استكشاف الفضاء، البحث العلمي، والابتكارات التكنولوجية ذات الصلة. كما تسهم في تسريع الجهود، مع إرسال رواد فضاء سعوديين إلى محطة الفضاء الدولية خلال سنوات قليلة من إنشاء هذه الجهات، مما يعكس مدى التزام المملكة بتعزيز حضورها في هذا القطاع. أيضًا نرى اهتمامًا متزايدًا في الجامعات السعودية والمراكز البحثية بالبرامج في المجالات الجديدة مثل طب الفضاء وهندسة الأقمار الصناعية، مما يعزز من إمكانيات البحث والتطوير. هذا الاهتمام يظهر أيضًا في تزايد مشاركة الطلاب في المسابقات الدولية والمحلية المتعلقة بالفلك والفضاء، سواء كانت في الابتكارات أو الاختراعات أو التطبيقات العملية التي تسهم في تطوير هذا القطاع الحيوي. إضافة إلى ذلك، فإن توفرت الكثير من برامج التدريب النوعية أو المبادرات التي تهدف إلى تمكين الابتكار والتعاون البحثي، مما يساهم في تأهيل الشباب والشابات المهتمين بالمجال ويعزز من الرغبة في الاستثمار في البحث العلمي وتطوير الكوادر المحلية. نتطلع بشغف إلى ما هو قادم، إذ نرى إنجازات أكبر تضع المملكة في صدارة الدول الرائدة في قطاع الفضاء. ما هي رؤيتك لمستقبل استكشاف الفضاء في المملكة والعالم العربي، وكيف يمكن للشباب الإسهام في هذا المجال؟ بطبيعتي متفائلة، ورؤيتي لمستقبل استكشاف الفضاء في المملكة والعالم العربي تدمج التفاؤل بالطموح. المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز دورها في هذا المجال، وما حققته خلال السنوات الأخيرة من برامج ومشاريع متقدمة يعكس جدية التوجهات نحو توفير بنية تحتية قوية، كوادر مؤهلة وتوطين تقنيات استكشاف الفضاء. كل هذا يضع المملكة في مكانة رائدة في العالم العربي ويتيح لها فرصة كبيرة لتكون مركزا رئيسيا لأبحاث وتقنيات الفضاء في المنطقة. كما أن توحيد الجهود بين الدول العربية والاستفادة من الكفاءات العربية والخبرات المشتركة يؤدي إلى نهضة في أبحاث وتقنيات الفضاء في المنطقة. ومن خلال التركيز على التعليم المتخصص وتكنولوجيا الابتكار، أرى أن لدينا الفرصة لبناء جيل من العلماء والباحثين الشباب القادرين على قيادة مستقبل الفضاء في العالم العربي. كيف تُنظمين وقتك بين حياتك الشخصية واهتماماتك في علوم الفضاء؟ وكيف توازنين بين شغفك العلمي ومسؤولياتك الأخرى؟ الإجابة المثالية على هذا السؤال هي تحديد الأولويات وتنظيم الوقت، ومحاولة تحقيق التوازن ما بين الأدوار المختلفة التي نقوم بها في الحياة، لكن الواقع أننا لاننجح دائما في هذا التحدي، بل نفشل فيه كثيرا. ومع ذلك، نحاول دائما تقديم أفضل ما لدينا ونسعى لتحقيق هذا التوازن قدر الإمكان، المهم هو الاستمرار في المحاولة وتحسين أدائنا كل مرة حتى ننعم بحياة أكثر إنجازا وسعادة في مختلف المجالات. إذا أُتيحت لك الفرصة للسفر إلى الفضاء، هل ستكونين مستعدة لخوض هذه التجربة؟ ولماذا؟ بالتأكيد، أنا مستعدة لخوض هذه التجربة السفر إلى الفضاء يمثل قمة اكتشاف المجهول والتعمق في فهم الكون، كما أنه فرصة لتطبيق الكثير مما تعلمته ولاستكشاف آفاق جديدة لم نتمكن من دراستها من الأرض. ما هي أحلامك وطموحاتك المستقبلية في هذا المجال، وهل هناك أهداف محددة تسعين لتحقيقها على الصعيد العلمي أو الشخصي؟ أطمح إلى مواصلة البحث العلمي لتعزيز فهمنا للكون، مع تركيز خاص على فهم تطور النجوم والسدم الكوكبية. كما أسعى لأن تكون لي أبحاث مؤثرة، بحيث تفتح آفاقًا جديدة في علوم الفلك والفضاء. خلال ذلك، أتطلع للمشاركة في مشاريع دولية والانضمام لفرق بحثية متميزة اعمل معها على دفع حدود العلم والمعرفة. دون أن أنسى التزامي بتبسيط المعرفة العلمية ونشر الوعي الفلكي في المجتمع. كل هذه الأمور وأكثر تتلخص في رؤيتي:ريادة للوطن في علوم الفلك".

مشاركة :