قُتل يحيى السنوار زعيم حركة حماس والعقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر 2023، ومنذ إعلان جيش الاحتلال عن تصفيته، تضاربت الروايات وقدمت كل من إسرائيل وحماس روايتين مختلفتين، احتار بينهما العالم في طريقة رحيل السنوار، فهل مات شهيدا أم جبانا؟ فبعد إعلان اغتيال السنوار، سعت إسرائيل إلى التلاعب بروايتها حول كيفية مقتله، بحثا عن سردية انتصار تعزز صورتها أمام المجتمع الإسرائيلي والدولي، واعتباره أهم انتصار ملموس لها بعد عام من القتال في غزة، وبعد أن قضت على جميع قادة حماس البارزين في غزة تقريبا، باستثناء شقيق السنوار محمد، الذي يشرف على العمليات العسكرية اليومية للجماعة، ويمكن أن يصبح رئيسها الآن. وانقسم الناس على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن اللحظات الأخيرة في حياة السنوار، الذي طاردته قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد عام من الحرب على غزة، حيث يرى كثيرون أن مقتله نهاية متوقعة بسبب قراراته التي أدت إلى نتيجة مأساوية، بينما وصفه آخرون بأنه بطل شجاع قاوم الاحتلال حتى الرمق الأخير، متفاعلين مع مقتله بمزيج من الحزن واعتباره شهيدا في سبيل الله، بعدما مات مدافعا عن أرضه، تأسيسا لمن مات دفاعا عن داره فهو شهيد، كما رسموا بطولات متعددة للسنوار خاصة لمشهد النهاية، حيث قذفت قوات الاحتلال المنزل الذي كان متواجدا فيه، وعندما تأكدوا من قتله أطلقوا طائرة بدون طيار داخل البيت لتصويره، ففوجئوا بالسنوار في مشهده الأخير يلوح بعصاه وهو جالس على كرسي ضد الطائرة، في موقف صريح باستمرار مقاومته للاحتلال حتى بالعصا في مشهد موته، وكذلك اعتبره نفس الفريق، بأنه قاتل بشجاعة حتى النهاية في ساحة المعركة، ومصدر إلهام لمقاتلي المقاومة في جميع أنحاء المنطقة، فلسطينيين وغير فلسطينيين، ويستمر نضاله كنقطة مضيئة للشعب الفلسطيني. وتوقع السنوار قبل 20 عاما طريقة موته في روايته “الشوك والقرنفل” التي كتبها عام 2004، ونشرها من داخل محبسه في سجن الاحتلال الإسرائيلي “بئر السبع”، وكتب نصا “الآن جاء الموعد يا أماه، فلقد رأيت نفسي أقتحم عليهم موقعهم، أقتلهم كالنعاج ثم أستشهد، ورأيتني بين يدي رسول الله في جنات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك، مرحى بك”. واقتبس السنوار مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال “والله لو لم أجد إلا الذرّ لقاتلتكم به”، حيث ربطها رواد مواقع التواصل باللحظات الأخيرة قبل استشهاده، حينما لم يجد سوى عصا يلقيها على “الدرون” الإسرائيلية”. أيا كان الحكم على السنوار، ربما لم يكن بطلا بالنسبة إلى جميع الفلسطينيين، الذين رفض بعضهم ما حدث لهم من حرب مدمرة قادها الاحتلال بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، التي خطط لها السنوار لكنها جاء بنتائج عكسية على أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني. فمنذ السابع من أكتوبر لم يظهر السنوار في أي فيديو أو خطاب، ولم يظهر علنا على الإطلاق، فترك الفلسطينيين يموتون فوق الأرض، دون أن يتحمل المسؤولية أو يبذل أي جهد لتأمين الطعام أو المأوى لشعبه، بل ظل يتنقل من مكان إلى آخر، حتى مات في النهاية، لكنه غيّر المنطقة ودخل التاريخ من بابه العريض، بأن استطاع تغيير طبيعة الشرق الأوسط وكذلك القضيّة الفلسطينيّة، بأن سمح للاحتلال الإسرائيلي بإبادة غزة من الوجود وقتل وإصابة أكثر من 100 ألف مواطن فلسطيني وتهجير باقي أهل القطاع، وتعامل مع سكان غزة وكأنهم جميعا على استعداد لأن يكونوا شهداء، لكنه لم يسألهم قط عما إذا كانوا يرغبون في أن يكونوا شهداء. وفي الواقع، إذا حملنا السنوار مسؤولية مقتل الآلاف من سكان غزة منذ العام الماضي، حيث بدا وكأنه لم تكن لديه أي إستراتيجية واضحة للفوز بالحرب التي بدأها بمفرده، سوى الأمل في أن إيران ستنقذه (وهو ما لم يحدث)، أو الاعتقاد بأن الاحتجاجات الصغيرة بين بعض الجماعات اليسارية المتطرفة في الجامعات الأميركية من شأنها أن تضغط على إسرائيل لإنهاء حملتها، فقد يكون السنوار سلك طريقا خاطئا ولكن المسؤولية لا تقع عليه وحده، فغياب أفق سياسي وحصار يدوم أكثر من 20 عاما، كان لا بد أن يقودنا إلى 7 أكتوبر بغض النظر عن المنفذ. وحتى إذا تباينت الآراء حول نهاية السنوار، إلا أن الجميع في انتظار أن ينتهي كابوس الحرب الطويلة، وقد يفتح اغتياله الباب للإفراج الفوري عن الرهائن ويمهد الطريق لإنهاء حكم حماس وبناء واقع جديد في غزة، وقد يكون إحدى أوراق الضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي بأن تنهي الحرب فورا بعد أن قضت على حماس، وتنتهي معه معاناة أهالي غزة، والتوصل إلى صفقة تقدم فرصة حاسمة لإعادة بناء حياتهم وتشكيل مشهد سياسي فلسطيني جديد في قطاع غزة يمهد لبيئة أكثر استقرارا ويعزز حظوظ قيام الدولة الفلسطينية.
مشاركة :