ويأمل برونو ريتايو خصوصا في جعل سياسة التأشيرات مشروطة بإصدار تصاريح قنصلية، وهي مستندات أساسية لإعادة الأجانب إلى بلدهم الأصلي. وفي بداية تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الداخلية متوجها إلى الدول المعنية "إذا لم ترسلوا إلينا تصاريح قنصلية لتسهيل طرد مواطنيكم الجانحين، سنُصدر من جانبنا تأشيرات أقل لجميع مواطنيكم". وأشار إلى المغرب بشكل خاص، إذ إنّه تمّ منح 238 ألف تأشيرة لمواطنيه مقابل 1680 إعادة قسرية إلى أراضيه. وكان سلفه جيرارد دارمانان قد لجأ إلى هذه الاستراتيجية في خريف العام 2021، حين قرر خفض منح التأشيرات للمغاربة والجزائريين والتونسيين إلى النصف. وكان هذا القرار من العوامل التي أدت إلى تسميم العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا ودول المغرب العربي. كما ندّد المغرب بالإجراء "غير المبرّر"، فيما اعتبرته منظمات غير حكومية "مهينا". ويقول بيار فيرميرين المؤرّخ والأستاذ في جامعة السوربون في باريس، إنّ هذه الحقبة "كانت كارثية" على العلاقات الدبلوماسية. ويضيف "لذلك، سيكون من المفاجئ أن ترتكب فرنسا الخطأ نفسه مرّة أخرى". وكانت فرنسا قد أشارت إلى تراجع عن هذه السياسة في كانون الأول/ديسمبر، حين زارت وزيرة الخارجية السابقة كاترين كولونا الرباط للإعلان شخصيا عن وقف هذه القيود والسعي إلى تحسين العلاقات مع المملكة. كذلك، أقر السفير الفرنسي لدى المغرب كريستوف لوكورتييه علنا بأن الخطوة كانت غير صائبة. "شراكة مستدامة" الخميس، أعلن برونو ريتايو عبر إذاعة "ار تي ال" تعيين هيئة سيتمحور عملها حول دول العالم الثالث والدول التي يتحدر منها المهاجرون غير النظاميين ودول العبور والاتفاقات الثنائية. ولكن مع قرب موعد زيارة الدولة، حرص وزير الداخلية على الإشارة إلى المغرب باعتباره "بلدا آمنا" حيث يمكن "تسريع عدد معيّن من عمليات إعادة قبول" التأشيرات. في 20 تشرين الأول/أكتوبر، أكد رئيس الحكومة ميشال بارنييه لـ"جورنال دو ديمانش" أنّه يجب معالجة قضية الأجانب الخاضعين لالتزام مغادرة الأراضي الفرنسية، "بروحية الحوار". وكان الجدل بشأن ترحيل مهاجرين غير نظاميين قد استعاد زخمه في فرنسا، بعد توقيف مغربي مشتبه به في قتل طالب بينما كان يخضع لالتزام مغادرة البلاد. من جانبه، أكد وزير الخارجية جان نويل بارو في مقابلة مع صحيفة "تريبون ديمانش" أنّ هذه الزيارة ستكون "مناسبة لكتابة فصل جديد في علاقتنا". وأضاف "علينا أن نستخلص الدروس من أخطاء الماضي. يجب معالجة هذه القضية في إطار شراكة مستدامة وحوار شامل، وليس من منطلق إتمام صفقة". على أنّ هذا الأمر سيعكس تغييرا في الأسلوب المرتبط بموضوع شائك. فالتشدد الفرنسي في التعامل مع قضية الهجرة يناقض ما الصورة التي تسعى فرنسا لتسويقها باعتبارها وجهة تجذب رعايا الدول حخيث تتمتع تقليديا بتأثير كبير. غير أنّ المغرب، الذي كان مستعمرة فرنسية سابقة، بات خارج نطاق هذه الدول. مع ذلك، ستكون المملكة أكثر استعدادا "لمزيد من المرونة والتسوية بشأن هذه القضية" مقارنة بتونس والجزائر اللتين تعتبرهما باريس أقل تصالحية، وذلك بهدف "الاهتمام بصورته في فرنسا"، وفقا لبيار فيرميرين. "ليست بحاجة لتعلّم دروس" وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قال في بداية تشرين الأول/أكتوبر، إنّ "المغرب مستعد لإعادة أي مهاجر غير نظامي يتم إثبات أنّه مغربي وغادر الأراضي المغربية". غير أنّه أكد أنّ الرباط "ليست بحاجة إلى تعلّم دروس" في ما يتعلق بمكافة الهجرة غير النظامية. ويقول الأستاذ في علم الاجتماع في جامعة الرباط الدولية مهدي علوية، إنّه رغم أنّ هذا الموضوع لا يزال حساسا، إلا أنّه "ليس قضية يمكن أن تهزّ" الثقة التي أعيد ترميمها بين البلدين. ويرجع السبب في ذلك إلى أنّ العلاقة الثنائية بات يُنظر إليها في ضوء موقف باريس حيال الصحراء الغربية، وهي منطقة تعتبرها الأمم المتحدة "غير متمتعة بحكم ذاتي" بينما يتواجه بشأنها المغرب منذ نصف قرن مع الانفصاليين الصحراويين من جبهة البوليساريو، والمدعومين من الجزائر. وخلال هذا الصيف، اتخذت فرنسا موقفا مؤيدا للمغرب بعد عقود من التردّد بهذا الشأن، الأمر الذي أثار انتقادات حادّة من قبل الجزائر. وتؤيد الرباط حكما ذاتيا للصحراء الغربية خاضعا لسيادتها. ويرى مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف حسني عبيدي أنّه "بالنسبة إلى الرباط، فإنّ هذا هو المعيار الوحيد المهم حاليا في سياستها الخارجية مع باريس". وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد في رسالة إلى ملك المغرب محمد السادس في نهاية تموز/يوليو، أنّ "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يقع في إطار السيادة المغربية".
مشاركة :