لم أجد وقتاً أكثر إلحاحاً بحاجتنا لمعالجة المشكلات الأخلاقية على الأصعدة الثلاثة (الفرد والمجتمع والدولة) مثل حاجتنا الآن. وما ألمسه هو تهاوٍ مريع في منظومة القيم! حيث لا تكاد تتقارب مبادئ الوازع الرّوحي والجزاء الأخروي والعلاقة بالله تعالى مع المفهوم السليم للحرية والمسؤولية ووظيفة الإنسان في الحياة. برغم وجود إرث إسلامي من قيم مرجعية شاملة ومتكاملة ذات أصول نظرية، ولكنها تفتقد لتطبيقات عملية في سلوك الناس وتعاملهم سواء فيما بينهم أو مع الدولة! حيث ينبغي حضورها في جميع مجالات الحياة (الأسرية والروحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، والعلمية والفكرية). فالقيم تشكّل الأخلاقية أهم دعامة لبناء الفرد والمجتمع؛ فهي أساس لحفظ الأمم والدول والمجتمعات، وبفضلها ينهض العمل وتستقيم المعاملات. والمتأمل يرى أن دعوة القرآن والسنة اشتملتا على ضوابط أخلاقية تحث على الفضيلة، وتندد بالفواحش والرذائل، وتحذر من مزالق النفوس وأهوائها، بتناسق تام بين تعاليم الشريعة ومبادئ الأخلاق الفاضلة، وبين أهداف تهذيب الفرد وإصلاح المجتمع. وفيما تصنف القيم إلى ثلاثة أنواع أحدها طبيعي كامن في طبيعة الإنسان ونفسه، وأخرى تكتسب عن طريق الأسرة والحياة الاجتماعية، وثالثة قيم منهجية كالمصداقية والموضوعية والمنطقية؛ إلا أن الفرد لا يسعى للثانية ويتقاعس عن الثالثة ويكتفي بالأولى وقد تسيطر عليه أهواؤه - أحياناً - فيتخلى عنها أيضاً!. إن تخليق مجتمعنا وأنسنته وتنميته، لن يتيسر دون إعادة تقوية القيم لدى النشء، وتمتين الهوية الإسلامية في نفوسهم، الأمر الذي سيجعلهم يدركون أهميتها ويطبقونها في حياتهم. ولعلي أزعم أن رؤية2030 المراد إحرازها لا يمكن أن تنجح وتتحقق دون التأكيد على منظومة القيم وتحويلها لشبكة من السلوكيات التطبيقية القائمة على أسس علمية ومعيارية مثل التسامي عن النقمة والحقد، والحض على التسامح والانفتاح والصلاح وقبول الآخر والسعي والعزم الجاد، مع الاستئناس بالتجارب الدولية التي استثمرت تلك المنظومة بنجاح باهر في نهضتها الاقتصادية وتحولت لمجتمع الرفاه. وإني لأجزم حين العودة للقيم الإنسانية وانتفاء الظلم والاعتداء والعنف والكذب والأنانية، وشيوع العدالة والصدق والتضحية والإيثار؛ أننا سنستغني عن أكثر رجال الشرطة والمرور وأغلب القضاة وستغلق بعض المحاكم وإدارات الفصل في المنازعات والحقوق المدنية، وتقفل معظم السجون، وقد يختفي عمال النظافة ونرتقي بالخدمات الذاتية. وستصرف تكاليفها على المنتزهات والحدائق العامة والصالات الرياضية والمسارح. وبعدها يتحول المجتمع من الكآبة إلى الابتهاج ومن القلق للطمأنينة! فكلما زاد إيقاع دفوف الفرح والعدالة والإنصاف يقل قرع طبول الحزن والظلم والاستبداد، وتتحقق الرؤية المنشودة. مقالات أخرى للكاتب ساعات في مجلس الشورى الملك وموقفه من الطباخ مستشفى الملك خالد للعيون، وكأنك المريض الوحيد! الزيارة الملكية الفاخرة لتركيا إنجازاتي وهياطي!!
مشاركة :