استفادت الكاتبة القطرية هدى النعيمي من مراوحتها بين عالمي العلم والأدب، فهي تحمل الدكتوراه في مجال الفيزياء الحيوية الطبية، لكنها تؤلف أدبا في مختلف الأجناس من الرواية إلى القصص إلى الشعر، وفي مزيج العوالم هذا ثراء كبير. "العرب" كان لها مع الكاتبة هذا الحوار حول تجربتها ورؤاها الثقافية. هدى النعيمي كاتبة قطرية يتمتع إبداعها بالصدق والتعبير عن تحولات الإنسان العربي على مدى السنوات العديدة، حيث تتنوع أعمالها بين الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة والنقد ومسرح الطفل. في روايتها الجديدة “زعفرانة”، عادت الكاتبة إلى التاريخ مسلطة الضوء على حرب ظفار والفترة الزمنية الطويلة التي شهدتها المنطقة. وهي ترى أن التاريخ يحمل الكثير من الأسرار والغموض، ومن واجب الروائيين إلقاء الضوء على هذه الجوانب لإثراء القارئ بمعرفته بتاريخ منطقته. روايات وروائيات ◙ النعيمي تعتبر أن الرواية تمثل شكلا أدبيا جاذبا للقراء ◙ النعيمي تعتبر أن الرواية تمثل شكلا أدبيا جاذبا للقراء تعتبر النعيمي أن الرواية تمثل شكلا أدبيا جاذبا للقراء، وبخصوص النساء في الرواية على الساحة الخليجية، استطاعت المرأة التحرر من غيوم الوصاية والتعبير عن قصصها بحرية شديدة. وتعزو النعيمي تأخر ظهور الرواية على الساحة القطرية إلى عدم توافر دور نشر محلية، ومع ظهورها ساهمت في تدعيم الإنتاج الأدبي، وبدأ الإبداع الروائي القطري بالازدهار. عن الرواية تقول الدكتورة هدى النعيمي في بداية حديثها إن “في عام 2000 صدرت للكاتب المصري صنع الله إبراهيم رواية بعنوان ‘وردة’ تحكي عن امرأة من عمان. هذه المرأة عاشت في القاهرة في فترة الخمسينات من القرن الماضي، وتأثرت بأفكار الماركسية أو الاشتراكية في ذلك الزمن، وعادت أدراجها فيما بعد إلى عمان بعد انضمامها إلى الثوار”. وتؤكد النعيمي أن رواية “زعفرانة” تناولت في مضمونها الكثير عن حرب “ظفار” العمانية، وكان ذلك بعد الانتهاء من حصولها على شهادة الدكتوراه في الفيزياء الطبية، ولم تكن تعلم أي شيء عن تلك الثورة أو حرب “ظفار” لاسيما أن المناهج التعليمية أو وسائل الإعلام لم تشر إلى ذلك، وهذا الموضوع أثارها كثيرا ما استدعى منها الكتابة عنه. تعرّف النعيمي نفسها لـ”العرب” قائلة “أنا امرأة عربية، عرفت أن الطريق يبدأ من القراءة، فأخذت الطريق من أوله”. أما عن دافعها إلى الكتابة، فتقول “حاول الكثيرون قبلي الإجابة عن هذا السؤال، ولا توجد إجابة محددة، وأعتقد أن الكتابة تفرض نفسها على الكاتب المبدع، عندما يكون هناك ما يقال. أعتقد أن الكتابة تحمل سرا للتشافي، قرأت هذا العنوان لإصدار أدبي قريب، لا أختلف مع صاحب المقولة، لكنني لا أحصر الكتابة لغرض التشافي، ولكنه من أغراضها السامية. للكتابة شغف خاص وسحر خاص، ولحن يلاحق الكاتب أينما ذهب. الكتابة فعل مستمر، سواء خرجت الكلمات مرسومة على الورق، أو تجمهرت على حافة الصفحات تنتظر الخروج، كلماتي كثيرا ما تتجمهر أمامي في انتظار السكب على شاشة الكومبيوتر، أكتب كي أكون أنا، وكي أحيا بالشكل الذي أريد من خلال كلماتي”. سبق لهدى النعيمي أن كتبت القصة والرواية والمقالة والنقد الأدبي وغيرها، نسألها أي من هذه الأجناس أقرب إليها، فتجيبنا “لكل جنس أدبي روح خاصة به، وامتزاج خاص بالتعبير، كتبت بالفعل في عدة أجناس أدبية، حتى الشعر، خرجت الكلمات يوما في شكل قالب شعري، لم أحاول أن أدخل هذا العالم، لكن الشعر يتداخل مع السرد، وكثيرا ما يصير السرد شعريا، يصير معي هذا كثيرا، ويبقى السرد عندي سيدا سواء للقصة القصيرة أو الرواية”. ◙ التاريخ يحمل الكثير من الأسرار والغموض، ومن واجب الروائيين إلقاء الضوء على هذه الجوانب لإثراء معارف القارئ وتضيف “أخذتني الرواية مآخذ كثيرة، أدخلتني تاريخا وعرفتني على شخصيات، وعاشت معي تلك الشخصيات شهورا طويلة، حتى إن البعض منها لا يزال يطالب بدوره في الحكي داخل الرواية، حتى بعد صدورها، هذا الأمر لم أعتد عليه مع كتابة القصة القصيرة، أما المقال، فهو ما أراه وما أود طرحه بطريقة مباشرة دون وسيط كشخصيات روائية، أو قصصية أو خيالات مروية، لكل جنس من هذه الأجناس متعة خاصة في الكتابة، ومتعة خاصة عند النشر، وعندما يأتي رد الفعل جميلا من المتلقي، ويبقى السرد الأدبي بالنسبة إلي سيد الموقف”. حول موقعها اليوم بصفتها أديبة مما يجري حولنا، تقول النعيمي “ما يجري حولنا في العالم العربي، وما يجري في غزة بالتحديد، لا يعنيني كأديبة أو ككاتبة فقط، إنما يعنيني كإنسان عربي من هذا الأرض، يعنيني كجزء من الجيل الذي نشأ على أن فلسطين بلادنا، وفلسطين قضيتنا الأولى، يعنيني كما يعني كل ذي ضمير حي، وذي إحساس بالعدالة، أو القضايا العادلة، نرى حولنا من كان على الضفة الأخرى من القضية ثم إن أرواح الشهداء، ودماء الأطفال أيقظت في نفوسهم الحقيقة، وتعددت المواقف الإيجابية التي نراها في الغرب”. وتبين أنها كتبت الكثير من النصوص سواء القصصية أو غيرها ورغم كم الحزن المشحونة به فإنها ستنشر. تسألها “العرب” ماذا يعني لها الإفراج عن رواية “زعفرانة”، التي تعد باكورة أعمالها الروائية، والتي جاءت بعد صدور كتاب “حين يبوح النخيل”، الذي يرصد السيرة الذاتية لمسيرتها العلمية والأدبية؟ فتجيبنا “سبقت كتابة ‘زعفرانة’ عدة محاولات روائية، على مدى سنوات ماضية بدأت في كتابة رواية، ثم أخرى، ثم أخرى، كادت بعضها أن تنتهي لكنها لم تصل إلى سطرها الأخير، كما فعلت زعفرانة، عندما بدأتها كانت قد أخذت وقتا طويلا بداخلي، ثم إنها خرجت لتعبر عن نفسها بقوة، لذلك كان خروجها كرواية مطبوعة فرحة كبيرة، وإحساسا جميلا لم أشعر بهما مع الكتابات السابقة، حتى إنها فتحت شهية الكتابة أمامي، وساعدتني كثيرا على التمسك بالكتابة الإبداعية”. ◙ الاعتماد على الجوائز فقط لتقييم ما يصدر من كتابات إبداعية يظلم المبدع الذي لا يضع نفسه في هذا الموضع وعن أسباب تأخر ظهور الرواية على الساحة القطرية، تقول الكاتبة “لطالما تساءلت فعلا لماذا تأخرت الرواية في الظهور في قطر، حتى صارت آخر دول الخليج العربي في إصدار الرواية، فقد صدرت أول روايتين قطريتين على يد الأختين دلال وشعاع خليفة في العام 1994، وقد تجشمت دلال وشعاع مشقة السفر إلى بيروت لطباعة روايتيهما، وربما كان السبب في هذا التأخر هو عدم وجود دور نشر في قطر لسنوات عديدة، وقام بدور الناشر المؤسسات الإعلامية الصحفية، مثل العروبة والثقافة وغيرها في ذلك الحين، حتى إن تلك المؤسسات قامت بطباعة مجموعات قصصية لبعض الكتاب ممن نشر فيها قصصه القصيرة بما يكفي أن تقدم في كتاب، وربما اكتفى الكاتب القطري بهذا الدور، فلم يحاول كتابة الرواية حتى التسعينات، وعندما فتحت دلال وشعاع باب الرواية القطرية، بدأ كم كبير من الكتاب القطريين في نشر رواياتهم، خاصة وقد وجدت عددا كبيرا وتنافسيا من الناشرين المحليين في الدوحة اليوم”. أما عن تقييمها للأدب النسائي في قطر فهي تحبذ لو نبتعد عن تسمية “الأدب النسائي” ونطلق مسمى “الأدب الذي تكتبه النساء”، وتتابع “في قطر، بالفعل لدينا أسماء كثيرة من النساء من أجيال مختلفة، لا أستطيع أن أتكهن ماذا يلوح في أفق الرواية القطرية، ولكنني أظن أن رواية المرأة الخليجية بشكل عام تبشر بخير كثير وبمستقبل جميل، أسماء كثيرة اليوم مثل كلثم جبر، ونورة آل سعد في قطر، ورجاء عالم في السعودية، وبثينة العيسى في الكويت، وبشرى خلفان في عمان، وغيرها من الأسماء الروائية الجادة والمخلصة للفن الروائي. كل هذه الأسماء النسائية، وغيرها ستجعل الرواية الخليجية تنافس بقوة على الساحة العربية”. أغلب الناس في وقتنا الحالي بعيدون عن القراءة وطقوسها، على الرغم من أهميتها، وترى النعيمي أن علاج ذلك يكمن في النظام التعليمي في بلادنا العربية، فالاهتمام بالقراءة يبدأ من المدرسة، والمناهج التعليمية، مضيفة “هكذا نشأنا مع نظام يجعل من حصة المكتبة الأسبوعية مجالا للاطلاع على كتب من خارج المنهج الدراسي، تعرضه علينا أمينة المكتبة التي كان يقع عليها عبء كبير في اختيار قصص تناسب المرحلة العمرية، من هنا صار الكتاب جزءا من الشخصية التي نقابل بها العالم اليوم”. وتضيف “بالتأكيد، لا بد أن تتكاتف المؤسسات الإعلامية من أجل عودة الكتاب إلى ألقه لدى الأجيال الجديدة. لم تعد المدرسة، ولا حتى الأسرة هي المربي الوحيد، ولم يعد العبء يلقى على كتف المعلم فقط، أو الوالدين في البيت، لكن تداخلا خطيرا من قبل التكنولوجيا، ومواقع التواصل صار يتسلل نحو الطفل، والمراهق وحتى البالغين، لا بد من التصدي لهذا المتسلل الخطر، ولا بد من مواجهته إذا ما أردنا أن نعود بالقراءة إلى مكانها، وبالكتاب إلى المكان الجدير به”. الجوائز ليست ترفا ◙ الروائية القطرية تشعر بالفرح والفخر لما وصلت إليه الرواية العربية اليوم ◙ الروائية القطرية تشعر بالفرح والفخر لما وصلت إليه الرواية العربية اليوم نسألها إن كانت الجوائز الأدبية حافزا للإبداع فتقول “أتذكر جيدا في تسعينات القرن الماضي، كان الحديث عن عدم وجود حافز للمبدع للمنافسة، وبالتحديد كان الحديث حول غياب الجوائز الأدبية هو الحديث السائد والشكوى لا تمل من التكرار، ثم بدأت تظهر هذه الجوائز، جائزة بعد أخرى، حتى لا يكاد يمر شهر دون أن نسمع عن مسابقة في الكتابة الإبداعية، سواء كانت في إطار الرواية أو القصة القصيرة أو حتى في مجال النقد أو الشعر”. وتضيف “كثرت الجوائز، وتعددت المسابقات حتى صار الإعلان عن رواية ما أو ديوان شعر، هو حول المبدع الحاصل أو المتقدم على جائزة ما، وليس النقد الموضوعي من النقاد الكبار كما كان في السابق، وهنا تكمن الخطورة، فالجائزة لا شك تشكل حافزا للتنافس بين المبدعين، وإن اعتمد على الجوائز فقط لتقييم ما يصدر من كتابات إبداعية، فسوف نظلم المبدع الذي لا يضع نفسه في هذا الموضع، الجوائز ليست ترفا، ولكنها سلاح ذو حدين”. أما عن المواضع والقضايا التي تعالجها كتاباتها فتقول النعيمي “لم أتبن جانبا معينا وحيدا من القضايا، ولكن قضايا الأمة قضاياي، وكل موضوع يهم المواطن العربي يهمني، في البدء والختام، فإن هموم الإنسان تتشابه، والكاتب الجيد هو من يلتقط الهم الإنساني ليقدمه للإنسان في كل مكان”. ◙ النعيمي ترى أن المرأة استطاعت التحرر من غيوم الوصاية والتعبير عن قصصها بحرية شديدة تتحدث الكاتبة القطرية لـ”العرب” عن نظرتها إلى الرواية العربية اليوم، تقول “أشعر بالفرح، والفخر لما وصلت إليه الرواية العربية اليوم، مما يمكنها من المنافسة عالميا إذا أتيح للجيد منها أن يأخذ حظه من الترجمة، وهذه قضية كبيرة، فالكثير من الروايات العربية الرائعة لم تجد حظها من الترجمة حتى اليوم، وهذا يدعو إلى الحزن”. أما عن النقد والنقاد ومدى إنصافهم لها فتقول “كان لي حظ جميل مع النقد والنقاد منذ صدور مجموعتي القصصية الأولى ‘المكحلة’ عام 1997، حتى إن البعض تنبأ حينها بولادة كاتبة عربية جيدة، لكن حظوظ بعض الإصدارات من النقد لا تتشابه. فكتابي ‘قمط’ وهو مجموعة قصص تدور حول مجلات الطفل التي صدرت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وقد صدر عام 2021 لم يلق حظا جيدا من النقد كما توقعت له، وهو الذي أخذ من وقتي الكثير من البحث والتنقيب عن المجلات القديمة، لكنه الحظ، ففي الفن أيضا يوجد من هو ‘ذو حظ كبير’، أو العكس”. وتتطرق إلى الحديث عن دور المثقف في التغييرات السياسية والاجتماعية، تقول “مع الأسف، هو دور متواضع لا يليق بحجم المثقف العربي، لكن عصا السلطة تعلو على صوت المثقف في عالمنا اليوم”. ونختم بسؤالها هل تنازل الشعر عن عرشه للرواية؟ لتجيبنا هدى النعيمي “للشعر مكانته الخاصة التي لن يتنازل عنها الشعراء، ولكل من الشعر والرواية جمهور خاص يتلذذ بهذا النوع من الإبداع أو ذلك”. وتضيف “لدي مشاريع كثيرة، وكل النوافذ مفتوحة بانتظار القرار بهذا الاتجاه، أو ذاك، والقرار قيد الدرس إلى أجل غير مسمى”.
مشاركة :