كشفت السعودية عن تحول في نمط تعاطي صندوقها السيادي مع الاستثمارات في الأسواق الدولية، إذ يتجه المسؤولون إلى ترتيب أولوياته في المرحلة المقبلة، بما يتيح القيام بشراكات أكبر وتنويع محفظة الأعمال مع زيادة ضخ رؤوس الأموال في مشاريع محلية. الرياض- أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي (صندوق الثروة) الثلاثاء أنه سيقلص حصة استثماراته الخارجية، وذلك بعدما أبرم على مدى سنوات صفقات ضخمة شملت خصوصا المجالين الرياضي والترفيهي. وقال محافظ الصندوق ياسر الرميان إن الهدف هو “خفض حصة استثماراته الدولية بمقدار الثلث تقريبا”، مع استغلال البلد لموارده لتمويل خططه الرامية إلى تحويل اقتصاده بعيدا عن الاعتماد على النفط. وفي معرض حديثه عن نمو الصندوق خلال العقد الأخير، أوضح الرميان خلال منتدى للمستثمرين في العاصمة الرياض، أن حصة الاستثمارات الدولية للصندوق ارتفعت بشكل كبير من اثنين في المئة إلى 30 في المئة. ياسر الرميان: هدفنا الآن خفض الحصة إلى ما بين 18 و20 في المئة ياسر الرميان: هدفنا الآن خفض الحصة إلى ما بين 18 و20 في المئة وكانت الاستثمارات العالمية للصندوق تقل عن اثنين في المئة فقط، حين كانت أصوله تحت الإدارة تقدر بنحو 150 مليار دولار، حيث معظم استثماراته هي عبارة عن مشاريع تنموية داخل البلاد. وقال الرميان، إن “هدفنا الآن هو خفض هذه الحصة إلى ما بين 18 في المئة و20 في المئة”، مشيرا إلى أن “مع ذلك، فإن القيمة المطلقة بالدولار تواصل النمو”. وضاعف الصندوق قيمة محفظة الاستثمارات الهادفة إلى تطوير القطاعات الواعدة وتنميتها إلى 251.3 مليار دولار في نهاية 2023، ما يمثل زيادة تعكس تحركا إستراتيجيا نحو تعزيز دوره في تحقيق التحول الاقتصادي. ووفقا لبيانات التقرير السنوي للصندوق شكّل هذا القطاع أكثر من ثلث أصوله المدارة، مقابل 21 في المئة خلال العام الأسبق، ما يشير إلى أنه قد عمل على إعادة توجيه موارده نحو استثمارات إستراتيجية طويلة الأجل. ويعكس ذلك ترسيخا للأولويات في تطوير قطاعات جديدة تُعتبر حيوية للنمو الاقتصادي، حيث يعول الصندوق السيادي على قطاعات محددة لتحقيق النمو خلال السنوات المقبلة كما هو الحال مع الطيران والدفاع والمركبات والترفيه والسياحة والرياضة. ويُعد الرميان مستشارا رئيسيا لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو رئيس مجلس إدارة أرامكو، وكذلك نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز، وعضو في مجلس إدارة الشركة الرئيسية لأغنى شخص في آسيا، موكيش أمباني. وخلال مسيرة امتدت من إدارته لأحد البنوك الاستثمارية المحلية إلى الإشراف على أحد أسرع الصناديق السيادية نموا على مستوى العالم، أصبح من بين الشخصيات الأكثر تأثيرا في عالم المال. وتحضر شخصيات بارزة من عالم المال والأعمال والتكنولوجيا مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، والذي يشكل فرصة للحاضرين لبناء علاقات مع بعض من أكبر الشركات في السعودية وصندوق الثروة السيادي الذي تبلغ قيمة الأصول التي يديرها 930 مليار دولار. ومن المحتمل أن يشكل المؤتمر في نسخة هذا العام اختبارا أيضا لإقبال المستثمرين على التحول الاقتصادي بالبلد الخليجي، في وقت تتزايد فيه المخاوف من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط. وشكل الصندوق محركا لخطة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المعروفة بـ”رؤية 2030″ التي أطلقها الأمير محمد والرامية إلى تنويع اقتصاد أكبر مصدّر للنفط الخام. ومع ذلك قلص بعض المشاريع العملاقة الرائدة بسبب ارتفاع التكاليف. وأشار الرميان إلى أن هناك تحولا في الطريقة، التي يضع بها الصندوق استثماراته نحو مشاريع مشتركة مع شركات دولية ومحلية. وقال “الآن نشهد تحول الأشخاص الذين يريدون منا الاستثمار أو أخذ أموالنا لاستثمارها إلى الاستثمارات المشتركة”. وتأسس الصندوق في العام 1971 وبقي دوره هامشيا وفي الظل لعقود، ولكن في عام 2015 أعيد تشكيل مجلس إدارته ليصبح بقيادة الأمير محمد. ومذاك وسّع الصندوق محفظته الاستثمارية لتشمل قطاعات الطيران والدفاع والمركبات والنقل والخدمات اللوجيستية والقطاع العقاري والترفيه والرياضة. أهداف الصندوق للعام 2025 320 مليار دولار قيمة المساهمة في الناتج غير النفطي 60 في المئة زيادة مساهمته وشركات محفظته في الاقتصاد 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر سيتم توفيرها وخلال السنوات الأخيرة، أبرم صفقات ضخمة متنوعة، بينها الاستثمار في شركة طيران وطنية (طيران الرياض)، واستقطاب لاعبي كرة قدم دوليين برواتب باهظة. كما فتح متجر مثلجات مصنوعة من حليب الإبل، إضافة إلى الاستثمار في شركات كبرى، بما في ذلك أوبر الرائدة في خدمات سيارات الأجرة وديزني العملاقة للترفيه. ومن أبرز استثماراته حيازة حصة تفوق الستين في المئة بشركة لوسيد الأميركية لتصنيع السيارات الكهربائية في سياق جهود معاضدة باقي دول العالم لخفض انبعاثات الكربون. وجسدت أفي ليس لتأجير الطائرات طموحات الصندوق للاستثمار في قطاع الطيران، عبر إبرامها صفقات عدة من بينها الاستحواذ على 13 طائرة من شركة أفولون بقيمة 725 مليون دولار. أما في قطاع المركبات، فقد أبرم الصندوق اتفاقية مع هيونداي موتورز لإنشاء مصنع للسيارات بطاقة إنتاجية تصل إلى 50 ألف سيارة سنويا. كما استحوذت شركة سافي للألعاب الإلكترونية التابعة للصندوق على شركة سكوبلي بقيمة 4.9 مليار دولار. وفوق كل ذلك يتطلع الصندوق إلى المساهمة في إنشاء صناعات محلية، بما في ذلك القهوة والتمور السعودية، من أجل المنافسة بها في الأسواق الخارجية، بما يعزز إيرادات البلاد من القطاعات غير النفطية. وأوضح الرميان أن الصندوق أسس 92 شركة جديدة بما في ذلك نيوم، المدينة المستقبلية الضخمة التي تُقدّر كلفة إنشائها في الصحراء السعودية بنصف تريليون دولار. وسبق أن أعلن الأمير محمد أنه يرغب في جعل الصندوق يملك أصولا بقيمة تريليون دولار، وهو أحد محورين مستهدفين بحلول نهاية العام 2025. أما المحور الثاني، فيتمثل في رفع استثماراته المحلية الجديدة إلى 40 مليار دولار سنويا كحد أدنى. وحدد الصندوق الأثر المتوقع لتوجهاته الاستثمارية على اقتصاد السعودية، في نهاية 2025 من خلال رفع مساهمته وشركات محفظته في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 320 مليار دولار بشكل تراكمي. كما يستهدف زيادة مساهمته وشركات محفظته في المحتوى المحلي إلى 60 في المئة، أما العنصر الحيوي الآخر فيتمثل في استحداث نحو 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر.
مشاركة :