في مؤتمر اقتصادي في أوائل ستينيات القرن العشرين، بدأ أحد المتحدثين عرضه حول التنمية بالإشارة إلى الهند كمثال. قبل أن يتمكن من الاستمرار، قاطعه أحد الاقتصاديين سائلا إياه: "هل توجد أي دولة أخرى في العالم تشبه الهند؟" ساد الصمت الغرفة. وحتى يومنا هذا، لا يزال هذا السؤال دون إجابة. في وقت سابق من هذا العام، أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي أن الهند تطمح إلى اكتساب وضع الدولة المتقدمة بحلول 2047، وهو العام الذي يوافق الذكرى المئوية لاستقلالها عن الإمبراطورية البريطانية. لكن تحقيق مثل هذا الإنجاز ليس بالمهمة السهلة. تشير تقديرات متحفظة إلى أن نمو نصيب الفرد في دخل الهند يجب أن يتجاوز نظيره في الصين بنحو 3.5 نقطة مئوية كل عام لتلبية هدف مودي لعام 2047. ففي حين شهدت الهند نموا سنويا قويا تراوح من 6% إلى 8% في السنوات الأخيرة، فإن اقتصادها بدأ يُظهر بالفعل علامات التباطؤ. علاوة على ذلك، حتى لو كان من الممكن تجنب التباطؤ، فإن الحفاظ على زخم النمو هذا على مدار العقدين المقبلين سيكون صعبا. و تحول الهند من تشغيل العمالة الريفية إلى تشغيل العمالة الحضرية تأخر عن أغلب البلدان النامية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم التفاوت. ففي حين تضم الهند 167 مليارديرا، لا يزال أكثر من 129 مليون شخص هناك يعيشون تحت خط الفقر. لم يُـسفِـر أي من النظامين عن نتائج إيجابية. في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، بدأت الصين في تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، لتدخل بذلك عصرا من النمو المذهل. ثم حذت الهند حذوها بعد عقد من الزمن، مدفوعة بأزمة النقد الأجنبي. ولكن على الرغم من تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند، فإنه لم يواكب قط وتيرة الصعود الاقتصادي السريعة في الصين. في أحدث تقاريره عن الآفاق الاقتصادية العالمية، يُــقَـدِّر صندوق النقد الدولي نصيب الفرد في دخل الهند بنحو 2730 دولارا، مقارنة بنحو 13140 دولارا في الصين. على الرغم من التحديات الاقتصادية الحالية التي تواجهها الصين، يتوقع معظم المحللين أن تحقق وضع الدولة المتقدمة بحلول أربعينيات القرن الحالي. لكي تفعل الهند الشيء ذاته، يتعين عليها معالجة نقاط ضعف اقتصادية صارخة عديدة. ولكن نظرا لتباطؤ وتيرة الإصلاحات على مدار العقد الماضي، فمن غير الواضح ما إذا كانت قادرة على حشد الإرادة السياسية اللازمة لملاحقة التغييرات المطلوبة لتلبية هدف 2047. ينطوي الأمر على 4 مجالات تتطلب اهتماما عاجلا: العمل، والتعليم، والتجارة، والتنظيم. تشكل قوانين العمل التقييدية في الهند، التي تجعل من الصعب للغاية فصل العمال، تحديا سياسيا جسيما بشكل خاص. كان النمو الصناعي بطيئا نسبيا، وقد ترك هذا قسما كبيرا من قوة العمل عالقا في وظائف ريفية منخفضة الإنتاجية. ونتيجة لهذا، في حين تعمل 46% من قوة العمل في الهند في الزراعة، انخفضت حصة عمال التصنيع من 12% إلى 11% خلال الفترة من 2023 إلى 2024. كان أحد المحركات الرئيسية للإصلاحات الاقتصادية الهندية السابقة متمثلا في تخفيف الضوابط الصارمة المفروضة على التجارة الخارجية وتدفقات رأس المال. ولكن في ظل سياسات مودي التي ترفع شعار "صنع في الهند"، ارتدت الهند نحو سياسات الحماية، ففرضت التعريفات الجمركية وأقامت حواجز أخرى أمام الاستيراد في حين دعمت الإنتاج المحلي من السلع الأساسية. يلقي هذا التحول نحو سياسات الحماية بظلاله الكثيفة على آفاق النمو في الهند. وفي غياب التوسع السريع في الصناعات والصادرات الكثيفة العمالة، من المشكوك فيه أن تتمكن الهند من الحفاظ على معدل النمو اللازم لتحقيق وضع الدولة المتقدمة بحلول 2047. ستعتمد حالة الاقتصاد العالمي في 2050 جزئيا على مدى سرعة وفاعلية تنفيذ الهند لهذه التغييرات. بالاستعانة بالسياسات الصحيحة، قد تتمكن من اكتساب وضع الدخل المرتفع بحلول 2047. وإلا فإنها تخاطر بالبقاء دولة متوسطة الدخل مبتلاة بالإنتاجية المنخفضة والنمو المتباطئ. خاص بـ"الاقتصادية" حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.
مشاركة :