زفَّتْ دارة الملِكِ عبدِ العَزيزِ قاعِدةُ تاريخِ الوَطنِ الأولى، وخِزانتُه الوَثائقيّةُ المتميّزةُ الكُبرى، بأجملِ البُشرَى -كعَادتِها في تقديمِ كلِّ جديدٍ- بتَدشينٍ من صاحبِ السموِّ الملَكيِّ المستَشارِ الخاصِّ لخادِمِ الحرمَينِ الشَّريفَينِ، رَئيسِ مجلِسِ إدارَتِها الأميرِ المثقَّفِ الدّكتور فَيصلٍ نجلِ الملِكِ المؤرِّخِ الموسوعيِّ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ - للمَوسوعةِ العلميّةِ الموسومةِ بِـ(الأَعمالِ الكامِلةِ) لمؤرِّخِ نَجْدٍ والجَزيرةِ العربيّةِ العلّامةِ الفَقيهِ المؤرّخِ الأَخباريِّ البُلدانيِّ، الأديبِ الشَّاعرِ المحقِّقِ المدقّقِ الزَّاهدِ الشَّيخِ إِبراهيمَ بنِ صالحِ بنِ عِيسى، رحِمَه اللهُ رحمةً واسعةً، والّتي تُعتبرُ إِضافةً مُهِمّةً للمكتبةِ العِلميّةِ، لتارِيخِ نَجْدٍ على وَجهِ الخُصوصِ، والجَزيرةِ العربيّةِ على وجهِ العُمومِ، وغَيرِه منَ العلومِ، ومُختَلفِ المعارِفِ والفُنونِ منْ تُراثِ الشّيخِ العِلميِّ الّذي تركَ مؤلّفاتٍ ورسائلَ وتَحقيقاتٍ، وتقييداتٍ وتَعليقاتٍ ومجَاميعَ ومُراسَلاتٍ، ومكتبةً وخزانةً علميّةً زاخِرةً بنوادِرِ الكُتبِ ونَفائِسِ المخطوطاتِ. فالشيخُ ابراهيمُ بنُ عِيسى ذكرَ العلماءُ لهُ ترجمةً حافلةً، وسيرةً عاطِرةً، فاحتفَتْ بِذكرهِ المصادِرُ، وتزيّنتْ بأخبارهِ المحابِرُ، فكانَ ‘ جليلَ القَدْرِ، رَفيعَ المنزِلةِ، عظيمَ الشَّأْنِ، جَمَّ المحاسِنِ والفضائلِ، حسَنَ الأخلاقِ والشَّمائِلِ، منْ ثِقاتِ العلماءِ المبرِّزينَ، والموسوعيّينَ المحقّقينَ، عالمًا عاملًا، جامِعاً حاوِياً لعلومٍ شتّى، بفَصاحةٍ وبَلاغةٍ، وأدَبٍ وبَراعةٍ، وتقدُّمٍ فِيها بِنُبوغٍ وكمالٍ. وفاقَ الأقرانَ والأمثالَ، فعلوُّ رُتْبتِه منْ بَينهمْ أظهرُ منَ الشَّمسِ في وقتِ الظّهيرةِ، ومحلُّ اتّفاقِ ذَوِي الفهومِ والبَصيرةِ، وأجمعَ على ذلكَ العُلماءُ الأَخيارُ، والفُضلاءُ الأبرارُ، فأفادُوا عَنه، وكذلك الملوكُ والأمراءُ والأعيانُ الكِبارُ يَرجِعونَ إليهِ، فتلقّاهمْ بالسَّهْلِ، وقابلهمْ بالفَضْلِ، فأَقبلوا إليهِ فيما دقَّ منَ العُلومِ وجَلَّ. ولعلّي أتمثّلُ فيهِ بِقولِ أبي تمّامٍ: «هُوَ البَحرِ منْ أَيِّ النَّواحِي أَتَيْتَهُ». فلمْ يكنْ مؤرِّخًا وحسْبُ، بلْ كانَ عالمًا بُلدانيًّا متوقّدًا، ونسّابةً محقِّقًا، وفقيهًا ومفتيًا مبرّزًا، وفي مَذهبِ الحنابلةِ مَرجِعًا، ولمعتَمدِ القَولِ فيهِ مُحرِّرًا، وكانَ فَصيحًا بليغًا، وشاعرًا مُجيدًا، وأديبًا لطيفًا، قلَّ نظيرُه في زمنِه بنبوغهِ في كلِّ فَنٍّ أمَّه، وعلمٍ خاضَه، ومعَ هذا التنوّعِ العِلميِّ جمعَ بينَ الإيجازِ والإِيفاءِ في العبارةِ، وقُوّةِ ومَتانةِ المضمونِ بمَهارةٍ، وهذهِ مُكْنةٌ علميّةٌ، وتنوّعٌ قليلٌ مِثْلُه في السّاحةِ العِلميّةِ. ومَنْ نظرَ في سيرةِ الشَّيخِ إبراهيمَ بنِ عِيسى، في الجانبِ التّاريخيِّ، وجدَهُ مؤرِّخًا موسوعيًّا، فكانَ في تاريخِ نجْدٍ لهُ القدَحُ الـمُعلّى، والمرجِعُ الأسمَى، ولمْ يكنْ مَرجِعًا فيهِ وحسْبُ، بلْ برَّزَ في تاريخِ الحِجازِ، فدوَّنَ وحرَّر فيهِ بما لا يقِلُّ عن نَجْدٍ، بإسهابٍ وإِيجازٍ. والحالُ نفسُه في تاريخِ أقاليمِ الجَزيرةِ العربيّةِ والعِراقِ وغيرِها منَ البُلدانِ، حتّى الدّيارُ الشَّاميّةُ، فإنّه كانَ عُمدةً في أخبارِها ومَرويّاتِها، وتحقيقِ مَواضعِ بُلدانِها، ويُنْبيكَ عنْ تَقدُّمِه في ذلكَ ورِيادتِه العِلميّةِ ما دوّنَه في تَصانيفِه الفَريدةِ النّوعيّةِ، وأبحاثِه المحرَّرةِ الجليّةِ. وسِيرةُ الشّيخِ إبراهيمَ بنِ عِيسَى بتنوّعِه العلميِّ وضّاءةٌ وقّادةٌ، ولهُ ‘ في طلَبِه للعلْمِ رِحلةٌ فريدةٌ تستحِقُّ المطالَعةَ والاهتداءَ، والمتابعةَ والاقتِداءَ. ومَنْ نَظرَ في سِيَرِ العُلماءِ قلَّ أنْ يَجِدَ فِيهمْ مَنْ يتنوّعُ في تلقّيهِ العِلْميِّ، إلّا ويَكونُ عالمًا فَريدًا مُحقِّقًا ومَرجعًا مَوسوعيًّا مدقّقًا، وحصيفاً نبيهاً ذكيّاً، معَ عُمقِ فِكرٍ، وحِكمةٍ وفَهْمٍ، وسَعَةِ أفُقٍ وبُعدِ نَظرٍ،، وهكذا النّابغونَ والنّابِهونَ عبرَ التّاريخِ. وقد قالُوا قديمًا: انظرْ إلى شُيوخِ العَالِمِ وتلاميذِه، تَعرِفْ علوَّ كَعْبِه ونُبوغَه، ومَزيدَ تقدُّمِه بينَ علماءِ وَقتِه وجِيلِه. وهكَذا كانَ ابنُ عيسَى منْ أولئكِ، ممّنْ سَاروا في السَّامِي من دُروبِ العلمِ، وجليلِ المسالِكِ، فلقدْ تنقّلَ بينَ بِلادِ نَجدٍ والأَحساءِ، والعِراقِ والحِجازِ، وأخذَ عنْ كِبارِ مَنْ فِيها منَ العُلماءِ، والجِلّةِ منَ الفُقهاءِ، في مختلَفِ العُلومِ والفُنونِ، بهِمّةٍ وعَزيمةٍ وجلَدٍ، لا يَضعُفُ معَها، ولا يَهونُ، حتّى بلغَ بلادَ الهندِ، ولازمَ مَلِكَ بَهوبالَ ومحدِّثَها الكبيرَ، والمحقّقَ الشّهيرَ، الشَّيخَ العلّامةَ، والمدقّقَ الفهَّامةَ، صِدّيق حسن خان القِنَّوجيَّ، صاحبَ التّصانيفِ المتعدّدةِ، والتَّحقيقاتِ العِلميّةِ المتفرّدةِ، ومنها كتابُه الفَذُّ، الّذي لم يُؤلِّفْ مثلَه فَردٌ، الموسومُ بــ»أبجدِ العلومِ»، فَلازَمهُ ابنُ عِيسى، وأخذَ عنهُ زَمنًا، ونَهلَ واغترفَ منهُ مَعارِفَ وعِلمًا. ومنْ شُيوخِه أيضًا ابنُ عمِّه العلاّمةُ الكبيرُ، والفقيهُ النِّحريرُ، شارحُ «نونيّةِ الإِمامِ ابنِ القيِّمِ»، الشَّيخُ أحمدُ بنُ عيسَى، شيخُ الحنابِلةِ بمكّةَ شرَّفَها اللهُ، وشيخُ مُحدّثِها ومُسنِدِها ومؤرِّخِها أبي الفَيضِ عبدِ السّتّارِ الدَّهْلويِّ الحنَفيِّ المكيِّ. وكانَ أحمدُ بنُ عِيسى منْ حـكماءِ علماءِ وقـتِه، وعُـقلائِهمْ، تأثّرَ بهِ أميرُ مـكّةَ والحِجازِ، الـشَّريفُ عَونٌ الـرّفـيقُ بنُ محمّدِ بنِ عَونٍ، وكانَ يأخذُ برأْيِه ومَشورتِه، وكانَ سببًا في حثِّه على إِزالةِ كَثيرٍ منَ قِبابِ القُبورِ، وبَعضِ البِدَعِ، والمخالَفاتِ الشّرعيّةِ الّتي كانَ لها حُضورٌ. وكمَا سبقَ ذكرُه أنّ مما يدلُّ على نُبوغِ العالِمِ ومَرجعيّتِه العِلميّةِ التّميّزُ في تلاميذِه، فكانَ منْ تلاميذِ العلّامةِ إبراهيمَ بنِ عِيسَى عُلماءُ كِبارٌ، كانَ لهُم حضورُهمْ وتأثيرُهمْ في الحرَكةِ العِلميّةِ، والدَّعَويّةِ والمجتمَعيّةِ. فمنْ تَلاميذِه الّذينَ يُشارُ إليهمْ، ويَزدادُ جمالُ سيرتِه بِذكرهمْ، علّامةُ القَصيمِ الكبيرُ، ومُفكِّرُها الجليلُ الّذي سبقَ زمانَه بوَافِرِ عقلِه، ومَتانةِ طَرْحِه وآرائِه، الشّيخُ عبدُ الرّحمنِ بنُ سَعديٍّ، ورجلُ التّعليمِ والدّعوةِ المتنقّلُ في الدِّيارِ بكلِّ عَزيمةٍ وهمّةٍ، العلّامةُ الشّيخُ محمّدُ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ مانعٍ، والعلّامةُ الشّيخُ عبدُ اللهِ بنُ زاحِمٍ، رئيسُ القَضاءِ بمدينةِ خيرِ الأنبياءِ، وغيرُهمُ الكثيرُ الطيّبُ. وزيادةً على النُّبوغِ في تَلاميذِه ما عُرفَ بهِ منْ همّتِه في الدّعوةِ والتّدريسِ والإرشادِ، بما نفعَ اللهُ بهِ مَنْ حولَه منَ العِبادِ، فازدحمَ عليهِ طلّابُ العِلْمِ، وأقبلوا إِليهِ زُمَراً وفُرادَى، منْ كلِّ البِلادِ معَ مَا كانَ عليهِ منَ العَفافِ، وسلوكِه طريقَ الزُّهّادِ، فيه تقوًى ودِيانةٌ، وعزّةُ نَفْسٍ وصِيانةٌ، ومُروةٌ وكرَمٌ وشَهامَةٌ. والشّيخُ إبراهيمُ بنُ عِيسى لهُ مصنّفاتٌ عديدةٌ مفيدةٌ، ومؤلّفاتٌ حسنَةٌ جليلةٌ، منها المطوّلُ، وفيها المختصَرُ، معَ إيجازٍ بتَدقيقٍ، وتوسُّعٍ بتحقيقٍ، وهيَ بتنوُّعِها وتميُّزِ مَواضيعِها وأبوابِها ماتِعةٌ نافعةٌ، جُمِعتْ مؤخَّرًا في أعمالِه الكاملةِ، والّتي زُفّتِ البُشرى بِصُدورها ليلةَ البارِحةِ، والّتي منْ أهمِّها كتابُه: «عِقْدُ الدُّرَرِ فيما وقعَ في نَجدٍ منَ الحَوادثِ في أواخِرِ القرْنِ الثالثَ عشرَ وأولِّ القَرنِ الرابعَ عشرَ». وهذا الكِتابُ ذكرَ المؤرِّخُ عبدُ الرّحمنِ بنُ عبدِ اللّطيفِ آلِ الشَّيخِ في كِتابِه «مَشاهيرِ عُلماءِ نَجْدٍ وغيرِهم» أنّه ألّفه بإشارةٍ منَ الملِكِ عبدِ العزيزِ، فقالَ: - وقدْ تصدّى المترجَمُ الشَّيخُ إبراهيمُ بنُ صالحِ بنِ عِيسى لخدمةِ تَاريخِ نَجْدٍ وكتابتِه، فكانَ ممّا كتَبَه ذيلُه على كتابِ «عنوانِ المجْدِ في تاريخِ نَجدٍ» للشّيخِ عثمانَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ بِشْرٍ النّجديِّ، تلبيةً لأمرِ جَلالةِ الملِكِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الرّحمنِ آلِ سُعودٍ ‘، وقدْ سمّاهُ «عِقدَ الدُّررِ فيما وقعَ في نَجْدٍَ منَ الحوادِثِ في أواخِرِ القَرنِ الثالثَ عشرَ وأولِ القَرنِ الرَّابعَ عشرَ»، وبدأَهُ منَ السَّنَةِ الّتي وقفَ عَليها الشّيخُ عثمانُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بِشْرٍ، وهيَ سنَةُ ألفٍ ومِئَتَينِ وثمانٍ وسِتّينَ منَ الهجرة. وقدْ ذكرَ العلّامة البَسّامُ في كتابِه «علماءِ نَجدٍ خِلالِ ثَمانيةِ قُرونٍ» خبرَ ذلكَ وزادَه في مقدّمتِه لكتابِ «تاريخِ ابنِ عِيسَى» الّذي نَشرَه عندَ تَرجمتِه للشَّيخِ إبراهيمَ بنِ عِيسَى تَرجمةً ماتِعةً، وبأَوصافٍ يافعةٍ، فقالَ: «أدركَ في العُلومِ الشَّرعيةِ، والعلومُ العربيّةِ، والتّاريخيّةِ والأدبية، إدراكًا تامًّا، لا سيَّما في الأدَبِ والتّاريخِ القَديمِ والحديثِ، فقدْ عُدَّ منْ مَراجعِه، والمعتمَدِ عليهِ فيهِ، وكانَ معَ هذا كريمَ النّفْسِ، جَمَّ التّواضعِ، حسَنَ العِشْرةِ، لَطيف الرُّوحِ، أنيسَ الجليسِ، ولهذهِ الأخلاقِ العاليَةِ، ولِمَا يحفظُه، ويُحسِنُ إِيرادَه منَ النَّوادِرِ الأدبيّةِ، والتُّحَفِ التَّاريخيّةِ، صارَتْ لهُ محبّةٌ في القُلوبِ، وحُسْنُ ذكرٍ على الألسُنِ، وثقةٌ في النُّفوسِ، حتَّى أنّ جَلالةَ الملكِ عبدِ العزيزِ ‘ أمرَه أن يُؤرِّخَ لنَجْدٍ منْ حيثُ وقفَ قلَمُ عثمانَ بنِ بِشر، فلبّى رغبتَه بتاريخِه الّذي تختلِفُ نُسَخِه اختِصارًا وبَسْطًا، تبعًا لاختِلافِ نُسَخِ المؤلّفِ، فإنّهُ يزيدُ ويَنقصُ. واستمعْ إليهِ يحدّثُنا عنْ سبَبِ تأليفِه لتاريخِه الّذي جعلَه ذَيلًا على «تَاريخِ ابنِ بِشْرٍ»، وقدْ ذكرَ ذلكَ في أوّلِ رِسالةٍ لهُ إلى بَعضِ أصحابِه فقالَ: ويُمكِنُ أنّه بلغكمْ أنَّ الإِمامَ المكرَّمَ عبدَ العزيزِ -أعزّهُ اللهُ بطاعتِه- طلبَ منّا كتابةَ ذَيلٍ على «تاريخِ ابنِ بِشْرٍ»، والإِمامُ -أطالَ اللهُ عُمرَه- ليسَ لهُ معرفةٌ بحالِي، وصارَ طريقُه على أشيقرَ في العامِ الماضِي، وظهرَ لهُ كِبارُ الجماعةِ للسَّلامِ عليهِ، وأنا ما ظهرتُ معهمْ؛ لأنَّ الإمامَ لا يعرِفُني … فدخلَ الشَّيخُ محمّدُ بنُ عبدِ اللَّطيفِ آلِ الشَّيخِ البلَدَ، وقالَ: إنَّ الإمامَ سألَ عنكَ، حيثُ ذكرَ أنّكَ تُؤرِّخُ حَوادِثَ نَجْدٍ، ويَلزمُك مُواجهتُه لتَعرِضَ عليهِ الّذي عندكَ منَ التَّاريخِ، وظهرْتُ أنا والشَّيخُ محمّدٌ، وعَرضْتُ على الإِمامِ الوُرَيقاتِ الّتي كتبْتُها، وقال: بِوُدِّي أنّك تبسُطُ ذلكَ، وتَستقصي جميعَ الحوادِثِ … فشرْعتُ في تَبييضِ ذلكَ. وممّا يُذكرُ ممّا لهُ صلةٌ بنُبوغِ الشَّيخِ ابراهيمَ بنِ عِيسى بِعلومِ التَّاريخِ، وبِحُكمِ شغَفِي بعلمِ الأنسابِ، واهتمامِي وتولّعِي بهِ، فإنَّ ممّا عُرفَ بهِ الشّيخُ ابنُ عِيسى، ويَعرفُه كلُّ المعتنِينَ والمشتغلينَ بعلمِ النَّسَبِ أنَّه كان علّامةً في النَّسَبِ لا يُشقُّ لهُ غُبارٌ، ومَرجِعًا فيهِ للملوكِ والأُمراءِ، والعُلماءِ وأَعيانِ الدِّيارِ، صاحِبَ تحقيقٍ فيهِ وصِناعةٍ، وتفرُّدٍ في معرفةِ نَسَبِ كلِّ قَبيلةٍ وجماعةٍ، ويَعرِفُ فيه أصلَه وخفِيَّه، ويُحيطُ بدَقيقِه وجَليلِه، وقولُه فيهِ حُجّةٌ، وترجيحاتُه تَقطعُ كلَّ خِلاف ولُجّةٍ، اعتمدَهُ مُلوكُ وأعيانُ وعُلماءُ عصرِه، حتّى زمانِنا؛ لأمانتِه ومَوثوقيّةِ علمِه، فهوَ جَديلُه المحكّكُ، وعَذيقُه المرجّبُ، وقدْ وجدْتُ ذلكَ عِيانًا، وطالعتُه بَيانًا في أَنسابِ بعضِ الأُسَرِ والقَبائلِ، بتحرِّيهِ الصَّوابَ، والبعدِ عنْ كلِّ قولٍ مائلٍ، فوجدْتُ عندَه التَّحقيقَ الّذي لا يَعدِلُ عنهُ الباحِثُ عنِ القولِ السَّديدِ. وقد ذكرَ العلّامة البسّامُ في كتابه السّالِفِ «علماءِ نَجدٍ خلالَ ثَمانيةِ قُرونٍ» بعضَ خبرِه في ذلكَ، فممّا قالَه: لا أعرِفُ أحدًا منْ علماءِ نَجْدٍ خدمَ تَاريخَ نَجْدٍ مِثْلَه، وتَعِبَ في تَقْييدِ أخبارِه وتَسجيلِ حوادثِه وضَبطِ أنسابِه حتّى عُدَّ بِلا مِراءٍ مَرجِعًا فيهِ، وإنّي أنا كاتِبُ هذهِ الأسطرِ قدْ عوّلتُ عليهِ في كثيرٍ منْ أخبارِ وتَراجِمِ وأنسابِ هذا الكتابِ الّذي أَكتُبه الآنَ. وعلماءُ نجدٍ الكِبارُ يَكتبونَ إليهِ، ويَستفيدونَ منه في ذلكَ، وقدْ رأَيتُ كُتُبًا منَ الشَّيخِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ اللطيفِ، والشَّيخِ محمّدِ بنِ عبدِ اللَّطيفِ، والشَّيخِ سُليمانَ بنِ سُحمانَ، والشَّيخ محمّدِ بنِ عوجانَ، والشَّيخِ عبدِ اللهِ بنِ خلَفٍ، والشَّيخِ عبدِ اللهِ بنِ جاسرٍ، والشَّيخِ محمدِ بنِ عليِّ البيزِ، والشَّيخِ عبدِ الرَّحمنِ النّاصرِ آلِ سَعديٍّ، وغيرِهمْ؛ يَسألونَه عن الأنسابِ والتّراجمِ والأخبارِ، وأجدُ بعضَ أجوِبتِه لهمْ مسوّدةً على ما كتبوهُ إليه(. وكانَ الملِكُ عبدُ العَزيزِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ الفَيصل ِيسَتروِحُ في علمِ النَّسبِ لقَولهِ، ويحصلُ عندَه الوُثوقُ بما ترجّحَ لَديهِ منْ رأْيِه؛ لِمَا عُرفَ بِه منْ مرجعيّتِه وأمانَتِه، وعَدْلِه فيهِ، فذكرَ العلّامة البسّامُ بعضَ خبرِه في هذا، فقالَ: والمترجَمُ بحّاثةٌ لا يَملُّ ولا يَضجَرُ من طلَبِ العلمِ، وأخذِه عنْ أهلِه، وعُنيَ العِنايةَ التّامةَ بتاريخِ نَجْدٍ وأنسابِ أهلِها، وأخبارهمِ، وأخبارِ بُلدانِهمْ، ممّا جعلَه مَرجِعًا في ذلكَ لأكابرِ العُلماءِ، فصارُوا يُراسِلُونَه، ويَسألونه عمَّا أشكلَ عَليهمْ في ذلِكَ. فهذا الشَّيخُ العلَّامةُ إبراهيمُ بنُ عَبدِ اللَّطيفِ آلِ الشَّيخِ يَبعثُ إليهِ بهذهِ الرَّسالةِ، فيقولُ فيها: منْ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللّطيفِ إلى الشَّيخِ إبراهيمَ بنِ صالحِ بنِ عِيسىَ -بعدَ الدّيباجةِ- أخي منْ طرَفِ سُبُلِ آلِ مبددٍ جاءَنا خطٌّ منَ الإِمامِ عبدِ العَزيزِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، ذكرَ فيهِ أنَّنا نَستعرِضُ أوراقَهمْ، وإنْ كانَ آلُ يحيَى أقربُ مَنْ يَنتسِبُ له مُ اليَومَ، وعرَضَ علينا ابنُ يحيَى ورقتَينِ، فالمأمولُ منْ إحسانِكَ أخِي: إنْ كانَ عندكَ معرفةٌ في نسَبِهمْ فوضِّحْهُ لنا. ومنْ نافلةِ القَولِ استِطرادًا، وبما يَزيدُ الحروفَ ضِياءً، فإنَّ علمَ النّسَبِ علمٌ شريفٌ، وجليلُ القَدْرِ، ومحلُّ عِنايةِ أهلِ الفَضلِ، فهوَ منَ العلومِ الجليلةِ ذاتِ المعاني النّبيلةِ، ففيهِ تهذيبٌ للنُّفوسِ، وبهِ تتزيّنُ المحابِرُ والطُّروسُ، وما زالتِ الملوكُ والأمراءُ والسّلاطينُ على مرِّ الأزمانِ، والعلماءُ الحُذّاقُ النّابِهونَ في كلِّ أَوانٍ، تتزيَّنُ بهِ مجالسُهمْ، ويجِدُونَ منْ أخبارِه ما يدلُّ على كَرائِمِ أسلافهمْ. ولقدْ كانَ كبارُ الصَّحابةِ منْ أهلِ العِنايةِ بعلمِ النَّسبِ، وقد ذكرَ ابنُ حزْمٍ في «الجَمهرةِ» وابنُ عبدِ البرِّ في «الإِنباهِ»: أنَّ الخلفاءَ الرّاشدينَ أبا بَكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليًّا، وعَقيلَ بنَ أبي طالبٍ، وعبدَ اللهِ بنَ عبّاسٍ، وجُبيرَ بنَ مُطعِمٍ، وأبا الجَهْمِ بنَ حُذيفة، ودَغفلاً، وحَكيمَ بنَ حِزامٍ، وغيرَهمْ، كانوا علماءَ بالنَّسبِ. وممّا ذكروا: أنَّ عقيلَ بنَ أبي طالِبٍ كانتْ لهُ طِنْفِسَةٌ (سُجّادةٌ) تُطرحُ لهُ في المسجدِ النّبويِّ، ثمّ يجتمعُ إليهِ النّاسُ في علمِ النَّسَبِ وأيامِ العرَبِ. وكذلك اعتنى به جماعة من كبار الأئمة وعلماء الأمة فقال ابنُ حَزْمٍ: «وكانَ سعيدُ بن المسيِّبِ، وابنُه محمّدُ بنُ سعيدٍ، والزُّهْريُّ، منْ أعلمِ النّاسِ بالأَنسابِ، في جماعةٍ منْ أهلِ الفَضلِ والفقهِ والإِمامةِ، كمحمّدِ بنِ إدريسَ الشّافعيِّ، وأبي عُبيدٍ القَاسِمِ بنِ سَلاّمٍ، وغيرِهِما». ولعِنايةِ كبارِ الصَّحابةِ والأئمّةِ بِه ردَّ العلماءُ والحفّاظُ على مَنْ زعمَ أنّه منْ تَرفِ العُلومِ، وأنّه علمٌ لا ينفَعُ، وجَهلُه لا يَضرُّ، فيقولُ الإمامُ الحافِظُ ابنُ عبدِ البرِّ في كتابِه «الإنباهِ على قبائلِ الرُّوَاةِ»: -ولعَمْري ما أنصفَ القائِلُ: إنَّ عِلْمَ النَّسبَ عِلْم لا يَنفعُ، وجَهالةٌ لا تضرُّ؛ لأنّه بيِّنٌ نفعُه؛ لِمَا قدَّمنا ذكرَه … فلوْ كانَ لا منفعةَ لهُ، لمَا اشتغَلَ العلماءُ بِه، فهذا أبو بكرٍ الصّديقُ كانَ أعلمَ النَّاسِ بِالنَّسَبِ، نسبِ قُريشٍ وسائرِ العَربِ، وكذلِكَ جُبيرُ بنُ مُطعِمٍ، وابنُ عبَّاسٍ، وعقيلُ بنُ أبي طالبٍ، كانوا مِن أعلمَ بذلكَ، وهو عِلم العَربِ الّذي كانوا بهِ يتفاضَلونُ، وإليهِ يَنتسبونَ … وقد رُويَ عنِ النّبي صلى الله عليه وسلم منَ الوجوهِ الصِّحاحِ ما يَدلُّ على عِلْمهِ بأنسابِ العرَبِ، منها الحديثُ الّذي قدّمناهُ في هذا البابِ، وغَيرُه. قلتُ: ويؤيّدُ ما ذكرَه ابنُ عبدِ البرِّ منْ فضلِ علمِ النَّسَبِ عندَ نُبلاءِ العربِ ما نَقلَه العُلماءُ، وبَسطَ ذِكرَه الأُدباءُ، فقالَ الشِّهابُ الخفَاجِيُّ في «سرِّ الفَصاحةِ»: وأمَّا مُراعاةُ الأَنسابِ وحِفظُها، وذِكرُ الأصولِ والبَحثِ عَنها، فبابٌ تفرّدتْ بهِ العربُ، فلمْ يُشارِكْها فِيها مُشارِكٌ، ولا مَاثلَها فيهِ مُماثِلٌ، وقالَ ابنُ فارسٍ في كتابِه «الصّاحبِي»: وللعربِ حفظُ الأنسابِ، وما يُعلمُ أحدٌ منَ الأُممِ عُنِيَ بِحفظِ النَّسَبِ عِنايةَ العَربِ، قالَ تعالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا فهيَ آيةٌ ما عَمِلَ بمَضمونِها غيرُهم، وممّا خصَّ اللهُ جلَّ ثناؤُه بِه العربَ طَهارتُهمْ ونَزاهتُهمْ منَ الأدناسِ الّتي استَباحَها غَيرُهمْ منْ مُخالطةِ ذَواتِ المحَارِمِ، وهيَ مَنقَبةٌ تَعلو بجَمالِها كلَّ مَأْثَرةٍ، والحمدُ للهِ. وغيرُ ذلكَ مما ذكرَه العلماءُ عنْ علمِ النَّسَبِ، والّذي خُلاصَتُه كما قالَ ياقوتٌ الحمَوِيّ في «مُعجَمِ الأُدباءِ»: أنّه علمٌ تَسمو إليهِ النُّفوسُ الشَّريفةُ، وما أجملَ ما قالَه مؤرِّخُ الإِسلامِ، وعَالِمُ الدَّواوينِ ودُوَلِها عبرَ الأيّامِ، القَلْقَشَنْدِي: كانَ أبو بكرٍ الصِّديقُ في علمِ الأنسابِ بِالمَقامِ الأرفعِ، والجانِبِ الأعلَى، وذلكَ دليلٌ وأعظمُ شَاهِدٍ على شرَفِ هذا العِلْمِ، وجَلالةِ قَدْرِه. ومَعرفةُ أنسابِ الأُسَرِ والقَبائلِ منَ البَوادِي والحَواضِرِ لها عندَ خادِمِ الحرمَينِ الشَّريفَينِ الملِكِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ -وفّقهُ اللهُ- عِنايةٌ واهتِمامٌ، يَعرِفُ ذلكَ عنهُ العُلماءُ والأَعلامُ، والحالُ نفسُه في اهتمامِه بالتَّاريخِ وأيّامِ العرَبِ وحضارَتِهمْ، وتاريخِ الجزيرةِ العربيّةِ، والدَّولةِ السُّعوديّةِ، في جَميعِ مَراحِلِها وأيّامِها، والحقُّ أنّه صاحِبُ صِناعةٍ وبَراعةٍ فيهِ، بَحرٌ لا يُجارَى، ومحقِّقٌ مَوسوعيٌّ لا يُبارَى، وهوَ للمُؤرِّخِينَ والمثقَّفينَ وأهلِ العنايةِ بالنَّسَبِ مَرجِعٌ بلا مناقشةٍ، ورائِدٌ بِلا مُدافَعةٍ. وها هِيَ قُرّةِ عَينِه دَارةُ الملِكِ عبدِ العَزي زِ ما زالَتْ بنِتاجِها العِلميِّ، ومُبادراتِها التّاريخيّةِ، تأتي كلَّ يَومٍ بالجَميلِ الفَريدِ العَزيزِ، وبرُؤيةٍ تجديديّةٍ وتَطويريّةٍ منْ مَحلِّ ثِقةِ خادِمِ الحرمَينِ الشَّريفَينِ فِيها، رَئيسِ مجلِسِ إِدارتِها وعَرّابِ دَفّةِ قِيادَتِها صاحِبِ السموِّ الملَكيِّ المثقّفِ منْ مَدرسةِ أَبيهِ اللَّوذَعيِّ الأميرِ فَيصلِ بنِ سَلمانَ بنِ عبدِ العَزيزِ. ومنْ ذلكَ تَدشينُه لِمَا أبهجَ علماءَ التَّاريخِ والمختصّينَ بِه بِصدورِ الأعمالِ الكاملةِ الّتي تاقَتِ النّفوسُ لجَمعِها، وتلهّفتْ بانتظارِها، لشَيخِ التَّاريخِ والفِقهِ والأدَبِ والنَّسَبِ العلّامةِ إبراهيمَ بنِ عِيسى؛ فكانَتْ وللهِ الحمدُ واقعًا، وبينَ الباحِثينَ سَفرًا حاضرًا، فللّهِ الحمدُ منْ قبلُ ومنْ بعدُ. وزادَ جمالَ هذا التّدشينِ صلةُ الأَحفادِ بِالأجدادِ بِحضورِ جَمعٍ منْ ذرِّيتِه وأسرتِه وذَويهِ -جعلهمُ اللهُ بإحياءِ ذكرِه ونَشرِ تراثِه ومآثرِه مُستبشرينَ فرحينَ، فذلكَ منْ عاجِلِ بُشرَى بِرِّ الوالدَينِ الّذي يستحِقُّ معَه عظيمُ الثَّوابِ منْ رَبِّ العالمينَ. وكذلك حَضَرَه نُخبةٌ منْ كبارِ عُلماءِ ومُؤرِّخِي الوَطنِ، والمهتمّينَ بالتّاريخِ والتّراثِ والأدبِ؛ فكانَتْ ليلةَ وفاءٍ، لمَنْ يَستحقُّ الوفاءَ في دارةِ مَنْ كانَتِ الجزيرةُ بتَوحيدِه في إخاءٍ وألفةٍ وصَفَاءٍ. وهذهِ الأسرةُ الكَريمةُ منْ آلِ عِيسَى منْ بَني زَيدٍ القُضاعيّةِ أسرةٌ كريمةٌ كشَجرةٍ طيّبةٍ، أصلُها ثابِتٌ وفَرعُها في السَّماءِ، خرجَ مِنها وما زالَ يَخرجُ الكثيرُ الطيّبُ عِلْمًا وفَضلًا ومكانةً، ومنهمْ حَفيدُ مَنْ عُقِدتْ هذهِ الحُروفُ والتّرجمةُ لأجلِه، وتعاقبَ هذا الكَلِمُ في ذِكرِ جَميلِ سِيرتِه، معالِي وَزيرِ الدَّولةِ، عضوُ مجلِسِ الوُزراءِ، رَجلُ الدّولةِ المحنّكُِ، المتَحلّي بِجَميلِ الصّفاتِ، ومَجمَعُ المواهِبِ ومَكنَزةُ الخِبراتِ، الأُستاذُ خالدُ بنُ عبدِ الرّحمنِ بنِ إبراهيمَ العِيسَى، الّذي هوَ بِعقلِه وحِكمتِه وسموِّ أخلاقِه ونَفعِه للنّاسِ كأَسلافِه، للمُلوكِ والأُمَراءِ خيرُ مُشيرٍ، فهوَ معَ لُطْفِ مَعشَرِه وسِـــيرتِه، وجَمالِ شَــمائِله ومحَاسنِه لَديهِ اهتِمامٌ وعِنايةٌ بالتّاريخِ ومَرويّاتِه؛ فمَنْ شابَهَ أباهُ فمَا ظلمَ، وكمَا قالوا: الابنُ سرُّ أَبيهِ. ومنْ هذهِ الأُسرةِ مَعالي الشَّيخِ العلّامةِ المفكّرِ المتوقّدِ باهتمامٍ في جمعِ كلِمةِ مذاهِبِ أهلِ الإسلامِ، ونَشرِ ثَقافةِ الأُلفةِ والتَّسامُحِ والاحتِرامِ، الدّكتور محمّدِ بنِ عبدِ الكريمِ العِيسَى، الأمينِ العامِّ لرابطةِ العالمِ الإِسلاميِّ، رَئيسِ هَيئةِ علماءِ المسلِمينَ، والّذي عرفْتُه منذُ عَقْدَينِ، وما زالَ الوصلُ بهِ يتجدّدُ، والتّلاقُحُ الفِكريُّ يتوقّدُ. ومنْ هذهِ الأُسرةِ عَلَمٌ طيِّبُ الأثَرِ، ممَّنْ مضَوا إلى رَحمةِ اللهِ بِجميلِ الذّكرِ، الّذي أحبَّ أهلَ يَنبعَ، وأَحبُّوهُ، وما زِلتُ منْ صِغَري يُشنّف ذِكرُه بينَ أشرافِ يَنبعَ قَومِي وبَني أبِي سَمعي -الشَّيخُ حمَدُ بنُ عبدِ العزيزِ العِيسى، أميرُ يَنبعَ في الفَترةِ ما بَينَ عامِ 1353، حتّى عامِ 1377 منْ هجرةِ الحبيبِ المصطفَى صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. وغيرُهمُ الكثيرُ الطيّبُ، جعلهمُ اللهُ مبارَكينَ كأَسلافِهمْ، وقُدوةً لمَنْ يأتِي بَعدَهمْ منْ ذرِّيتِهمْ وأنجالِهمْ. هذهِ لمَحةٌ كُتبتْ على عُجالةٍ، وتعطرَّت بِها الحروفُ والمقَالةُ، في سِيرةِ علَمٍ فذٍّ، وعالمٍ فَرْدٍ، مَناقبُه لا تُعدُّ، ومآثرُه لا تُحدُّ، ولا يَسعُها مَقالاتٌ، ولا تَحويها كتبٌ ومجلّداتٌ، ولعلّها تُعطي إضاءةً، لحياةِ عالمٍ موسوعيِّ وضّاءَةٍ، ويَصدقُ علَيها ما أوردَهُ الميدانيُّ في «مَجمعِ الأَمثالِ» بما قالته العرب قديمًا: حَسبُكَ منَ القِلادةِ ما أحاطَ بالعُنق. وقيلَ للفَرَزْدَقِ: ما صيَّركَ إلى القَصائدِ القِصارِ بعدَ الطِّوالِ؟ فقالَ: لأنّي رأيتُها في الصُّدورِ أوقعَ، وفي المحافِلِ أجْوَلَ. ** ** د. عصام بن ناهض الهجاري الشريف - عضوُ هيئةِ التّدريسِ بجامعةِ طَيبةَ بالمدينةِ المنوّرةِ - عضوُ مَجلِسِ نَظارةِ مَركزِ بُحوثِ ودِراسَاتِ المدينةِ
مشاركة :