على مدى عشرات السنوات ظلت انتخابات الرئاسة الأميركية محل اهتمام أغلب دول العالم لأن الولايات المتحدة تمتلك أكبر اقتصاد وأقوى قوة عسكرية في العالم. ولكن أهمية الانتخابات المقررة يوم 5 نوفمبر الحالي، تكتسب أهمية مضاعفة نظرا للتباين الحاد في مواقف وآراء المرشحين المتنافسين الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترمب تجاه كل القضايا العالمية بدءا من الصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وحتى الحرب الروسية في أوكرانيا مرورا بالتغير المناخي وحرية التجارة العالمية وحقوق الإنسان. والحقيقة هي أن التداعيات الدولية الحتمية لاختيار الرئيس الأميركي المقبل قد تجعل من غير العدل أن ينفرد المواطنون الأميركيون بالتصويت في هذه الانتخابات، في حين لا يدلي باقي العالم برأيه فيها. فالولايات المتحدة تلعب دورا رئيسا عندما يتعلق الأمر بحرب أوكرانيا وصراع الشرق الأوسط وقضية الصين وتايوان ومستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو) والتحالف الأميركي الأوروبي. والسبب واحد وهو أن ميزانية واشنطن العسكرية في العام الماضي كانت 916 مليار دولار وهو ما يفوق بشدة ميزانيات الدول الأخرى سواء الأصدقاء أو الأعداء. لذلك فالسؤال المطروح يتعلق بالتأثير المحتمل على العالم لفوز دونالد ترمب أو كامالا هاريس بالنسبة لأوكرانيا تعتبر اختلاف وجهات النظر بين ترمب وهاريس كبيرة للغاية. فرؤية هاريس نائب الرئيس الأميركي حاليا لأوكرانيا تتفق بشكل عام مع رؤية رئيسها جو بايدن. وقد تعهدت باستمرار دعم أوكرانيا، والتقت بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عدة مرات واتهمت روسيا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وأثناء المناظرة مع منافسها الجمهوري ترمب قالت إنه إذا أصبح رئيسا للولايات المتحدة "سيدخل بوتين كييف (عاصمة أوكرانيا) فورا". أما ترمب الذي ينتقد باستمرار تقديم الولايات المتحدة للمساعدات الاقتصادية والعسكرية لأوكرانيا، فإن تصريحاته تشير إلى أنه سيوقف دعم الأوكرانيين. وخلال تجمع انتخابي في سبتمبر الماضي وصف زيلينسكي بأنه "أعظم مندوب مبيعات على الأرض"، قائلا إنه في كل مرة يتحدث فيها زيلينسكي مع بايدن، يحصل على مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات. كما يدعي ترمب دون تقديم أدلة أنه لو كان رئيسا لما نشبت الحرب في أوكرانيا، لكن إذا أعيد انتخابه فإنه سينهيها "في يوم واحد". ويحمل أوكرانيا مسؤولية نشوب هذا الصراع. أما رفيقه في السباق الانتخابي المرشح على منصب نائب الرئيس جيه.دي فانس فيتبنى موقفا أكثر تشددا مع كييف. وتعتمد خطة ترمب لإنهاء الحرب على السماح لروسيا بالاحتفاظ بالأراضي الأوكرانية التي تحتلها، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما لا يختلف كثيرا عن مطالب بوتين لإنهاء الحرب. وبالنسبة للصراع في الشرق الأوسط، فإن كلا من هاريس وترمب يدعم إسرائيل، لكن ماذا عن الموقف بشأن الفلسطينيين. غالبا ما يبدو أن كلا من هاريس وترمب يحاولان المزايدة على بعضهما البعض في إعلان دعم إسرائيل. فهاريس التي حاول ترمب تشويه سمعتها بالقول إنها "تكره إسرائيل"، تحاول الظهور بمظهر المؤيد القوي للدولة اليهودية. كما أن زوجها يهودي وهي معتادة على ثقافة وعادات اليهود. وعندما قتلت إسرائيل زعيم حركة حماس الفلسطينية يحيى السنوار قالت هاريس إن "العدالة تحققت" لكنها دعت إلى إنهاء الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وإطلاق المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، وحصول الشعب الفلسطيني على حقه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير. في المقابل فإن ترمب يبدو بشكل عام كداعم قوي للدولة اليهودية. وخلال فترة رئاسته السابقة، نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو ما أثار غضب الفلسطينيين. لكنه انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصراحة وقال إن إسرائيل عليها "إنهاء مهمة" الحرب بسرعة. ورغم أن ترمب في كل أحاديثه يحاول إظهار قدر حبه الكبير لإسرائيل، فإنه أيضا يدلي بتصريحات تنتقد اليهود إلى درجة أن البعض اتهمه بمعاداة السامية. أما في ملف الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والمنافس التجاري والجيوسياسي الكبير للولايات المتحدة، يتجه تركيز كلا المرشحين الجمهوري والديمقراطية على التجارة والاقتصاد. وقد طرح ترمب اقتراحًا مثيرًا للجدل لفرض رسوم جمركية "كبيرة" ليس فقط على الصين ولكن على شركاء اقتصاديين آخرين - قائلاً إنه سيفرض رسومًا جمركية تتراوح بين 10 و20 % على جميع الواردات ونحو 60 % على السلع الصينية. ولكن منتقدين من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية للأبحاث يشككون في حق الرئيس في فرض مثل هذه الرسوم، حيث يرون أن هناك "عوائق عملية وقانونية" تمنع ترمب من فرضها. في المقابل تدين هاريس خطط ترمب وتقول إنها ستؤدي إلى ارتفاع بالنسبة للأميركيين وتكلف المواطن الأميركي 3900 دولارا سنويا. من ناحيتها تتهم هاريس التي كانت عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا معقل صناعة التكنولوجيا الأميركية الصين بسرقة حقوق الملكية الفكرية للشركات الأميركية. وأخيرا فإن العلاقات الأميركية مع كل من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة تبدو على المحك انتظارا لنتيجة الانتخابات. ففوز هاريس يعني استمرار سياسات بايدن نحو تعزيز التحالف الأميركي الأوروبي وحلف الناتو. أما ترمب فهو الذي قلص بشدة هذه التحالفات خلال ولايته السابقة، وكان ينتقد حلف الناتو ويهدد بالتخلي عن الدول الأعضاء التي لا تساهم بصورة كافية في نفقات الحلف. وفي تجمع انتخابي في فبراير الماضي قال إنه سيشجع روسيا على "فعل كل ما تريده" مع دول الناتو التي ترصد ما يكفي من أموال لتمويل الأغراض الدفاعية. وحتى الدور الأميركي في الأمم المتحدة يمكن أن يشهد تراجعا كبيرا في حال وصول ترمب إلى البيت الأبيض. ففي ولايته الأولى قرر انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونسكو) ومن المجلس الدولي لحقوق الإنسان، واتفاق باريس للمناخ، وهي القرارات التي ألغاها الرئيس بايدن بعد ذلك. الأيام الأخيرة تخوض كامالا هاريس ودونالد ترمب بالنشاط نفسه عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة في الحملة الانتخابية الأميركية التي شهدت تطورات غير مسبوقة وتبقى نتيجتها غير محسومة وسط ترقب عالمي. وستزور نائب الرئيس الديموقراطية التي ستصبح في حال فوزها أول امرأة تتولى رئاسة البلاد، الولايات الرئيسية التي قد تحسم نتيجة الاقتراع الثلاثاء، مع لقاءات انتخابية في جورجيا (جنوب) وكارولاينا الشمالية (جنوب شرق) وميشيغن (شمال). وستحاول هاريس إقناع آخر الناخبين المترددين بأنها "الترياق" في مواجهة الرئيس الجمهوري السابق كما قال الجمعة تيم والز الذي اختارته ليكون نائبا لها في حال فوزها. ومساء الجمعة خلال ثلاثة لقاءات انتخابية في ولاية ويسكنسن الحاسمة أيضا، دعت إلى "طي صفحة عقد من دونالد ترمب" هز الديموقراطية الأميركية و"أنهكنا". ويأمل ترمب الذي يعتمد خطابا شعبويا يزداد تسلطا والمدان والمتهم في قضايا جنائية ومدنية، في تحقيق حلمه بالعودة إلى البيت الأبيض للترويج لسياسته القائمة على شعار "أميركا أولا". الولايات المتحدة "المحتلة" خلال اللقاءات الانتخابية السبت في فيرجينيا وكارولاينا الشمالية، يرسم ترمب مجددا صورة قاتمة عن الوضع في الولايات المتحدة التي يقول إنها "محتلة" من جانب ملايين المهاجرين بطريقة غير نظامية الذين يعتبرهم "مجرمين" ويعد بطردهم. والجمعة في ميشيغن، اتّهم ترمب قطب العقارات، إدارة جو بايدن وكامالا هارس بأنها فشلت اقتصاديا، فيما كل مؤشرات أكبر اقتصاد عالمي إيجابية. وتوقع "مرحلة كساد كالتي سجّلت في 1929" في حال انتخاب منافسته الديموقراطية. وتواصل هاريس البالغة 60 عاما وترمب البالغ 78 عاما دونما هوادة حملتهما حتى اليوم الأخير. فمساء الاثنين ستزور فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا الحاسمة فيما سيكون الرئيس السابق في غراند رابيدز في ميشيغن. وتقام الانتخابات الثلاثاء وهو يوم عمل عادي فيما أدلى 70 مليون أميركي من الآن بأصواتهم عبر البريد أو في صناديق اقتراع بشكل مبكر. إلا ان الأجواء تبقى متوترة مع بروز جدل سياسي-إعلامي شبه يومي ومخاوف من وقوع أعمال عنف بعد الخامس من نوفمبر خصوصا إذا كانت النتيجة متقاربة جدا كما تظهر استطلاعات الرأي المختلفة. وفي بلد يشهد شرخا سياسيا، لا يبدو أن أيا من المرشحين قادر على التميز عن الآخر. وتعتمد هاريس وترمب تصعيدا كلاميا يزداد حدة فيما يسعيان إلى انتزاع عشرات آلاف الأصوات في بنسلفانيا وميشيغن وأريزونا التي يتوقع أن كفة أحدهم على الآخر. "كره" الأميركيين ويؤكد الرئيس السابق الذي حكم البلاد بين عامَي 2017 و2021 "كره" منافسته للأميركيين فيما تقول نائبة الرئيس الحالية إن خصمها "غير سوي ومهووس بالانتقام" من انتخابات العام 2020 التي خسرها أمام جو بايدن. وشهدت حملة انتخابات العام 2024 التي يتابعها عن كثب العالم بأسره ولا سيما في أوروبا والشرق الأوسط، تطورات غير مسبوقة، ففي غضون أسابيع قليلة انسحب الرئيس جو بايدن البالغ 81 عاما من السباق وحلت مكانه هاريس فيما تعرض ترمب لمحاولتي اغتيال. ومنذ ذلك الحين، يجهد المرشحان لاستقطاب النساء والشباب والأميركيين السود والعرب والمسلمين وأصحاب الأصول الأميركية اللاتينية. وحصلت هاريس على تأييد الكثير من الفاعلين في الأوساط الاقتصادية والسياسية وبينهم مسؤولون جمهوريون سابقون، فضلا عن نجوم كبار في مجالات السينما والموسيقى والرياضة مثل بيونسيه وكاردي بي وبروس سبرينغستين وجينيفر لوبيز ولوبرون جيمس. وتشارك في الحملة الديموقراطية السيدة الأميركية الأولى سابقا ميشيل أوباما التي تتمتع بشعبية واسعة، في فيلادلفيا مع المغنية أليشا كيز. وينتظر أن تكون المنافسة محمومة جدا في انتخابات الثلاثاء إلى حد قد لا تعرف فيه النتيجة النهائية قبل أيام عدة. وبدأت أوساط دونالد ترمب من الآن تغذية الشائعات بوجود مشكلات لا بل "غش" خلال عمليات التصويت. ترمب وعد بإنهاء حرب أوكرانيا (أ ف ب) كامالا هاريس في حملتها الانتخابية (أ ف ب)
مشاركة :