«معرض الشارقة للكتاب».. ضرورة ثقافية وإبداعية

  • 11/3/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يجيء معرض الشارقة الدولي للكتاب كضرورةٍ ثقافيةٍ وإبداعيةٍ ومعرفية، ذلك أنّ هذا المعرض، ومن خلال استزادته السنوية للفعاليات والنشاطات والورشات، واستقطاب المؤثرين والعاملين في قطاع الثقافة وتنمية المجتمعات، إنما يعمل على موضوع ثقافي وفكري وإبداعي معرفي، وليس فقط لإشغال الفترة بعروض كتب تباع أو يمرّ عليها المهتمون والمتصفحون، والشواهد على غنى هذا المعرض ورؤيته طيلة ثلاثةٍ وأربعين عاماً، يدرك جيداً أنه لم يعد مقتصراً على دور النشر المشاركة، وإنما تدخل رؤية ثقافية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في التوجيه بتوسيع الفعاليات والأفكار، إذا ما عرفنا أنّ الأفكار ترتبط دائماً بما هو ناجح من الفعاليات، وبالتغذية الراجعة الإيجابية لهذه الفعاليات المقامة في إطار المعرض. وإذا كان المعرض يعلن أكثر من مرة، وفي كل دوراته، أنه ليس شغوفاً بمسألة «الأوليّة» أو الإبهار بالأرقام والاستضافات، بقدر ما هو معنيٌّ بالمحتوى وترك الأثر وجلب الفائدة المشتركة للمؤلف ودور النشر والجمهور والمؤسسة الثقافية بشكل عام.. إذا كان ذلك كله، فإنّ معرض الشارقة الدولي للكتاب يمثل بالفعل منصةً معرفيةً وثقافيةً وفكرية، بدليل الحراك الثقافي الذي يشغل هذا المعرض، وتحيُّن الفرص لكل الناشرين العرب والأجانب للمشاركة في كل دوراته، يدفعهم لذلك ميزة الإقبال والتسهيلات المصاحبة وإدارة الفعاليات التي لا تقتصر على ما هو معمول به في معارض الكتب الأخرى التي تنمّطت في أمسيات شعرية وسردية تقام إلى جانب أجنحة دور النشر، بالإضافة إلى تواقيع الكتب المعمول بها كتقليد في كل معارض الكتاب، فاجتراح الأفكار وتوسيعها، والإضافة عليها هو دالّة طردية أو ارتباط بين الفائدة المتوخاة كرؤية لإمارة الشارقة وتقديمها لكلّ من دخل مكان المعرض، وتوفير جوٍّ من التشويق والمفاضلات والتنويع لكل الاهتمامات والشرائح العمرية، لدرجة أنّ معرض الشارقة الدولي للكتاب اهتم بالمؤثرين على صفحات «فيسبوك» والمنصات الرقمية، وكذلك على قنوات «يوتيوب» والقنوات والفضائيات العالمية، إضافةً إلى اهتمام المعرض بالتقليد الراسخ في جذب الفائزين بجوائز عالمية والمشهورين في بلادهم لتقديرهم وفتح قنوات ثقافية ومعرفية بينهم وبين الجمهور. مزيج إبداعي وثقافي إذ يتوافد كلّ هذا المزيج الإبداعي والثقافي في المعرض، فإنّ المكسب الحقيقي هو للجمهور الذي يعود أفراده بكتب ما بين الثقافي والمعرفي والأكاديمي والإبداعي والفني. وغنيٌّ عن التذكير أن الشارقة في هذا المعرض تضخّ كامل الدعم ابتداءً من المكان ومناسبته، والمدينة الحرة للنشر الداعمة لدور النشر ومروراً بتسهيلات النسخ والطباعة والترويج والتسويق، وكذلك اهتماماً بما يشكّل حركةً ثقافيةً مستمرةً لا تنتهي بانتهاء مدة المعرض، وفيها على سبيل المثال مؤتمر الناشرين العرب، والقمة الوطنية للمكتبات، ومؤتمر الشارقة الدولي للمكتبات بالشراكة مع جمعية المكتبات الأميركية، وإقامة ورشات التدريب بالتعاون مع جامعة نيويورك، لإكساب الناشرين مهارات ومنافذ وتعريفهم بأفضل الممارسات العالمية المتبعة في قطاع النشر. هذه نبذة عامة عن اشتغالات هذا المعرض الذي يستقبل هذا العام دورته الثالثة والأربعين على ترقّبٍ للمشاركة والفعاليات والضيوف والشراكات المنعقدة في إطاره، ولعلّ المهتم يمكن أن يجد في إحصائيات المعرض وفي كل دوراته ما يؤكد هذه القيمة الثقافية للمعرض، والتي تعيد الألق للكتاب الورقي الذي يخشى عليه الكثيرون من أن يفقد بريقه، لهذا السبب فإنّ المعرض لا ينكر الكتاب الإلكتروني أو الصوتي أو أيّ تقدّم عالمي جديد وتكنولوجي رقمي في مجال النشر، ولذلك تغدو المعادلة مضبوطةً ورائعةً للاستفادة من كل الفرص المتاحة للنشر والاطلاع، في فائدة متبادلة وحراك مستمر يحرص عليه، وفي إطاره الناشر والقارئ والمؤلف والضيف المبدع والمؤتمر، وكل المستلزمات المصاحبة لهذا المعرض. ولقد بات مفهوم المنصة المعرفية والثقافية والفكرية مألوفاً لدى كلّ زوار المعرض، لدرجة الثقة بالمنتج في الإصدارات الهائلة والنوعية والمتنوعة أيضاً، أما استثمار المعرض في دعم نشر الإنتاج الثقافي المحلي للإماراتيين والعرب والكتاب العالميين فهو أمر في تزايد، وتكفي نظرة على معرض الشارقة الدولي للكتاب لهذا العام 2024 في الدورة الثالثة والأربعين، والتي تظهر الذكاء في التعامل مع الترجمة ومنصات الشعر والمسرح والندوات والجلسات المقامة والورشات المصاحبة، حيث يقدم المعرض لهذا العام 600 ورشة عمل للفئات العمرية المختلفة، وينظّم لأول مرة ورشات متخصصة مفتوحة يقوم على تنفيذها متخصصون في الكتابة الإبداعية في الوطن العربي والعالم، وهذا يشكّل دعماً للكاتب والهواة لأن يسيروا في هذا المجال، فيقطفوا ثمار المعرض الإيجابية في هذه المساحات الثقافية في إطاره، حيث يتم تنظيم 1357 فعالية متنوعة بمشاركة أكثر من 250 ضيفاً من 63 دولة، تستهدف كل الأعمار والاهتمامات. ثراء ثقافي إنّ استضافة المعرض في هذه الدورة لـ 2512 ناشراً وعارضاً من 112 دولة عربية وأجنبية، سيحقق ثراءً ثقافياً ومعرفياً على مستوى هذا السوق الإبداعي للكتاب، أمّا مبادرات الترجمة، فتمثلها جائزة «ترجمان» التي تسهم في خدمة اللغة والثقافة العربية، وتشكّل جسراً للتواصل مع العالم وثقافاته، كما تؤكّد نشر الشارقة للثقافة وفتحها أبواب المعرفة أمام هذا العالم. وتبهرنا مشاركة 835 دار نشر عربية و264 دار نشر أجنبية، إذ تتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة هذا المشهد في المشاركات. وكما للشارقة في نفوس المثقفين والفنانين وكل المشتغلين في الحقل الثقافي من اعتزاز واحترام للدور الثقافي الذي تلعبه، فإنّ المسألة هي توجهات ورؤية معرفية وفكرية ومبادرات أيضاً في فنون الإبداع والكتابة، إذ تستضيف الشارقة 49 ضيفاً من 14 دولة و45 ضيفاً عربياً من 17 دولة، إلى جانب 40 متحدثاً إماراتياً، وهذه أرقام تظهر مدى التخطيط المسبق في الإفادة الثقافية بمواضيع ورشات اللغة الإنجليزية وأسرار التحرير الأدبي وكتابة القصص، والاهتمام بالمثقف الإماراتي الشاعر والفنان والمفكر أيضاً، كما لا ينسى المعرض أهمية أن يستضيف كتاباً عرباً ويتيح لهم فرصة الحوار والتبادل الثقافي، ويمنح الحضور فرصة محاورة هذه الشخصيات الثقافية والأدبية المشهورة في بلادها ولدى العرب، كما في استضافة المعرض هذه الدورة للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، في فتح آفاق الكتابة والتعبير والإفادة من المخزون الثقافي والتجربة الإبداعية لهؤلاء الأدباء. فهذه عينة بسيطة من حضور وضيوف المعرض الذي يهتم دائماً بالمواكبة وقراءة واقع الحال في انتشار الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي الذي سيكون عنواناً لمؤتمر الشارقة الدولي للمكتبات، وأهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة في تطوير خدمات المكتبات. إنّ دولة الإمارات العربية مهتمّة أشدّ الاهتمام بالشأن الثقافي والفكري، من خلال مبادراتها الكثيرة في كلّ مجال، إذ يتعزز حضورها العربي والعالمي، خاصةً في خطابها الثقافي المتسامح والآفاق الإنسانيّة التي تعمل عليها، ولعلّها تستثمر دائماً وبنجاح في مثل هذه التظاهرات الثقافية الكبرى، وتخصص الدعم والمنح المشجعة على السير في هذا الجانب، باعتبار الثقافة هي أساس تقدّم الدول والمجتمعات والشعوب.

مشاركة :