كشفت دراسة تاريخية عن سياسة سلاطين المماليك تجاه الأراضي المستردة في بلاد الشام. وقد نوقشت الدراسة التي حصلت فيها عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الملك سعود شهلاء بنت سعد الخالدي على درجة دكتوراه الفلسفة في التاريخ عن رسالتها المعنونة بـ "سياسة سلاطين المماليك تجاه الأراضي المستردة في بلاد الشام 648 - 693هـــ/ 1250 - 1293م" في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، والتي تقوم فيها الأطروحة الأساسية والمقدمة في الرسالة على فكرة الاسترداد وذلك باسترداد سلاطين المماليك لأراضي الشام بعد وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب. وهدفت الدراسة إلى تتبع سياسة سلاطين المماليك اتجاه استرداد هذه الأراضي من القوى المختلفة موضحة جهود السلاطين والأساليب التي اتبعوها لتحقيق أهدافهم، ثم سياسة المحافظة على هذه الأراضي لضمان تثبيت الاسترداد واستمراريتها. وخلصت الدراسة إلى العديد من النتائج، من أهمها أن أسلوب المراسيم السلطانية هو الأسلوب الأكثر استخداماً في الأساليب التي اتبعها المماليك معهم؛ ثم يأتي في المرتبة الثانية أسلوب المعاهدات ثم الأسلوب العسكري، كما أوضحت أن كثيرًا من الإجراءات التي اتبعها المماليك في سبيل الحفاظ على الأراضي المستردة من الأيوبيين ركزت على طبيعة علاقة المماليك بالأيوبيين، فمرة يتبعون أسلوب العفو والكرم معهم، ومرة أخرى يتبعون أسلوب العنف والشدة. أما فيما يخص استرداد أراضي الشام من المغول فقد توصلت الدراسة إلى أن تمركز استرداد هذه الأراضي كان تقريباً في عهدي المظفر قطز والظاهر بيبرس، كما يتضح -بحسب الدراسة- عدم التنوع في أساليب استرداد أراضي بلاد الشام من المغول بخلاف القوى الأخرى؛ حيث اعتمد أغلبها على المواجهة العسكرية. أما في استرداد الأراضي من الصليبيين فقد توصلت الدراسة إلى أن عملية الاسترداد تأخرت إلى عهد السلطان الظاهر بيبرس عام (663هـ/ 1265م)، أي بعد قرابة 15 عاماً من قيام حكم المماليك في مصر، وهذه فترة متأخرة نسبياً، كما توصلت الدراسة إلى أن الأسلوب العسكري هو الأكثر استخداماً مع الصليبيين، أما أسلوب المناصفات فيأتي في المرتبة الثانية، ثم أسلوب اتفاقيات التسليم. وحول أكثر السياسات التي اتبعها المماليك للمحافظة على الأراضي المستردة من الصليبيين بينت الدراسة فكان هدم القلاع والحصون وتخريب المعاقل الصليبية، والتي كانت متبعة في المراحل الأولى، في حين أن سياسة إجلاء الصليبيين من معاقلهم -سواء كانت من إلى معاقل صليبية أخرى أو إخراجهم نهائيا ًمن بلاد الشام- تأتي في المرتبة الثانية، وكانت تتبع أكثر في الفترات المتأخرة. كما توصلت الدراسة فيما يخص استرداد المماليك لأراضي بلاد الشام من الخارجين على السلطة، إلى أن السلاطين المماليك كانوا ينتهجون في استرداد هذه الأراضي طرقًا مختلفة عن غيرهم من القوى الموجودة في بلاد الشام؛ لأن هذه الفئة كانت جزءًا من الدولة، لذلك نجد أن أسلوبهم يكاد يتكرر في كل الأحداث التي واجهتهم في بلاد الشام؛ حيث يبدأ -أولاً- بانتهاج الأسلوب السلمي والتودد والتصالح، ثم ينتقل -في حال فشل هذا الأسلوب- إلى أسلوب التضييق، سواء السياسي أو الاقتصادي، فإن لم يجد لهذا الأسلوب نفعاً، يبدأ باستخدام الأسلوب العسكري. وعن النتائج العامة للدراسة فأشارت إلى أن الأراضي التي استردت من الصليبيين كانت أكثر عدداً من الأراضي التي استردت من القوى الأخرى، ثم تليها المناطق التي استردت من الخارجين على السلطة، ثم المغول، فبقايا الأيوبيين، كما عاصرت عملية الاسترداد فترات مختلفة تذبذبت فيها جهود المماليك في استرداد أراضي بلاد الشام، فهناك سنوات تكون الجهود مكثفة وتُسترد فيها أراضٍ متعددة وشاسعة، وهناك سنوات تقل فيها تلك الجهود، كما يتضح أيضاً أن الظاهر بيبرس هو أكثر السلاطين المماليك الذين كان لهم دور كبير في استرداد الأراضي؛ حيث استعاد ما يزيد على 50 منطقة من أراضي بلاد الشام، ويتضح كذلك أن جهود السلاطين المماليك اختلفت حسب كل مرحلة، فهناك من تصدى لقوة واحدة، وهناك من كان له الفضل في التصدي لقوة أكثر من غيرها، وهناك من واجه الجميع، أو أكثر من قوة. كما يتضح فيما يخص أسلوب الاسترداد، أن أسلوب المواجهات العسكرية يعد الأسلوب الأكثر اتباعاً، وقد اتبع مع جميع القوى في بلاد الشام، ثم يأتي في المرتبة الثانية أسلوب المعاهدات والاتفاقيات، أما ما يخص السياسات المتبعة للمحافظة على أراضي بلاد الشام، وجدت الدراسة أن السياسات الخاصة بالإجراءات الإدارية ثم العسكرية هي الأكثر استخداماً من قبل المماليك؛ وذلك لترسيخ سلطتهم على الأراضي المستردة.
مشاركة :