الحريري استنهض جمهوره رغم الصعوبات و«المجتمع المدني» أثبت حضوره وأمامه تحدي الاستمرار

  • 5/11/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في انتظار إعلان النتائج النهائية لانتخابات المجلس البلدي لمدينة بيروت والمجالس الاختيارية، فإن مصادر متعددة تابعت فرز صناديق الاقتراع في العاصمة، سجلت جملة انطباعات عن عملية الاقتراع تعتبر أن القراءة الأولية لتوزع الأصوات بين مختلف الأحياء تفضي إلى جملة من الدلالات التي تحتاج إلى التعمق في قراءتها بعد اكتمال النتائج والتدقيق في الأقلام وفق الانتماءات الطائفية والسياسية. وأبرز هذه الانطباعات والدلالات وفق هذه المصادر يمكن تعدادها كالآتي: 1 - أن زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تمكن من استنهاض جمهوره للمشاركة في عملية الاقتراع عبر الجولات التي قام بها في مناطق نفوذه، بحيث ارتفعت نسبتها قياساً إلى السنوات الماضية ولو بحجم طفيف، من دون أن يلغي ذلك أن نسبة الاقتراع كانت تاريخياً متدنية وما زالت. وفي هذا الصدد يعتبر أصحاب القراءة الأولية أن الحريري برهن على رغم الاستنتاجات التي سادت قبل الاستحقاق البلدي، بأن شعبيته تراجعت نتيجة غيابه عن البلد منذ عام 2011، وبسبب أزمته المالية، أن جمهوره ما زال على درجة عالية من الولاء له. وتضيف هذه المصادر أن المشاركة السنية العالية، نسبياً وفي مناطق نفوذ الحريري التقليدية في العاصمة، شكلت الرافعة الأساسية والأولى للائحة «اليبارتة» الائتلافية مع أحزاب إسلامية أخرى، والأحزاب المسيحية، والتي رعى تأليفها وحازت على الأكثرية الساحقة من الأصوات في مواجهة منافسيها.   ولاء ونقمة وفي اعتقاد هذه المصادر، أن مجريات المعركة أثبتت أن عودة الحريري للاحتكاك المباشر مع جمهور تيار «المستقبل» كفيلة باستنهاض هذا الجمهور الذي ما زال يتعاطف مع آل الحريري كقيادة تمثل الاعتدال السنّي والانفتاح على القوى الأخرى، على رغم أن هذا الجمهور معبأ ضد الخصوم الذين عقد الحريري ائتلافاً معهم في لائحة «البيارتة». ولفتت المصادر عينها الى أن الجولات على أحياء بيروت التي قام بها الحريري منذ عودته إلى لبنان في 14 شباط (فبراير) الماضي، بيّنت خلافاً للاعتقاد السائد، أن الجمهور المؤيد للخط الذي يمثله ليس مرتبطاً بقدراته المالية، كما يروج خصومه، ولا بالتعبئة المذهبية في الوسط السنّي، على رغم عدم استبعاد هذا العامل بالكامل، بل بالتوجهات السياسية التي يمثلها، وإلا لما كان استطاع إعادة تجييش ناخبيه في أسابيع وجيزة لمصلحة ائتلاف واسع. فهو مع تشدده في مواقفه حيال بعض الخصوم، ولا سيما حملته على اشتراك «حزب الله» في الحرب السورية وتسببه بالشغور الرئاسي، ركز في تعبئته أيضاً على خياراته بوجوب إبعاد لبنان من حرائق المنطقة، حفظاً للسلم الأهلي، مبرراً بذلك خياره بدعم أحد مرشحي 8 آذار لرئاسة الجمهورية، النائب سليمان فرنجية. وتوقعت المصادر هذه أن ينعكس نجاح الحريري في استنفار جمهوره في بيروت على سائر المناطق التي له وجود قوي وتقليدي فيها. 2 - أن حصول لائحة «بيروت مدينتي»، المؤلفة من رموز من المجتمع المدني على نسبة عالية من الأصوات مقابل «لائحة البيارتة»، بصرف النظر عن هوية الأصوات التي حازتها، دليل على النقمة الشعبية لدى المواطنين على تردي الخدمات والأوضاع الاقتصادية والحياتية وعلى انفكاك شرائح في المجتمع البيروتي (كما في سائر لبنان) عن الأحزاب والزعامات، لمصلحة بروز شخصيات من المجتمع المدني تتمتع باحترام الناس لابتعادها من رموز السياسة الذين ينقم الجمهور على أدائهم، بفعل أزمة النفايات واستشراء الفساد واهتراء مؤسسات الدولة وتمادي الأزمة السياسية. ومع أن «بيروت مدينتي» لم تفز أو تتمكن من إحداث اختراق، فإن النسبة العالية من الأصوات التي حصدتها تنبئ بأن جزءاً كبيراً من الجمهور أخذ يبتعد عن تأييد خيارات الزعامات التقليدية، الإسلامية والمسيحية. والنتائج وفق الحصيلة الأولية تطرح على رموز المجتمع المدني مهمة تنظيم أطرهم وأوضاعهم ليلعبوا دوراً أكثر تأثيراً في الحياة العامة لا يقتصر على الانتخابات، ويشمل الرقابة المتواصلة على أداء المؤسسات والطبقة السياسية ومتابعة قضايا الفساد والإنماء، لاستقطاب المزيد من الجمهور المتعطش للتغيير. وبالقدر نفسه تطرح ظاهرة «بيروت مدينتي» على القيادات السياسية تحدي تغيير نهجها وتعديل سلوكها وتوجهاتها، ومدى استعداده للتصالح مع المجتمع المدني، وهذا التحدي يشمل الحريري نفسه. 3 - أن قراءة نتائج التصويت في أقلام المناطق المسيحية من العاصمة أظهرت أن تحالف «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» الممثل في «لائحة البيارتة»، أخفق في استنفار الجمهور المسيحي قياساً إلى الاستنهاض الذي حصل في المناطق السنّية بفعل تحرك الحريري، ما أدى إلى نسبة اقتراع منخفضة بالمقارنة معها. ولولا التزام حزبي الطاشناق والهانشاق الأرمنيين، وحزب الكتائب وأنصار النائب نديم الجميل والوزير ميشال فرعون (حلفاء الحريري في 14 آذار) بالتصويت للائتلاف، لكانت نسبة التصويت تدنت أكثر في المناطق المسيحية. ومع أن العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع أطلقا سلسلة نداءات لمناصريهما أن ينزلا الى أقلام الاقتراع، فإن الخلافات بين ركني التيار في بيروت الوزير السابق نقولا صحناوي وزياد عبس على تأييد اللائحة ساهم في خفض التأييد المسيحي للائحة البيارتة، كما أن «بيروت مدينتي» حازت في معظم الأقلام المسيحية التي للحزبين شعبية في مناطقها، على أكثرية الأصوات قياساً بما حصدته الائتلافية، بما جعل أوساط تشكك بمقولة أن تحالف عون- جعجع يستطيع حصد الأكثرية المسيحية. وهذا انطبق أكثر على أقلام الأرثوذكس في الأشرفية ورأس بيروت، التي صوت أكثر ناخبيها لـ «بيروت مدينتي»، وفي أحيان للمرشحين المسيحيين في «لائحة البيارتة» واللائحة المنافسة، بما يتناقض مع عرف المناصفة الذي أثبت الحريري أنه استطاع إلزام جمهوره به أكثر من القوى الأخرى.   «امل» و«التقدمي» 4 - أن جزءاً من الأصوات الشيعية والدرزية (القليلة) في العاصمة، لم يلتزم «لائحة البيارتة»، على رغم ضم مرشح «أمل» فادي شحرور، والمرشح المدعوم من الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الغاوي إليها، بل إن مناصري «أمل» وشحرور أنزلوا ما يقارب الـ1700 صوت لمصلحته ومصلحة «بيروت مدينتي»، في تبادل للأصوات، فضلاً عن تشطيب بعض مناصري الحركة ومرشحِها، المرشحَ الشيعي المستقل في الائتلاف خليل شقير. أما الاشتراكي فصب أكثر من نصف ناخبيه أصواتهم لمصلحة «بيروت مدينتي»، بدلاً من الائتلاف الذي يضمهم. وعلى قلة عدد الأصوات الشيعية والدرزية مقارنة مع السنّية والمسيحية، اكتسب الأمر دلالة سياسية مزدوجة، الأولى محاولة خفض تفوق «المستقبل» ورجحان كفته في العاصمة، والثانية (بالنسبة للاشتراكي) محاولة التصالح مع رموز «المجتمع المدني» بالانحياز للائحة الثانية التي امتدحها رئيس الحزب وليد جنبلاط، لتمييز الحزب عن سائر الأحزاب. كما أن بعض حلفاء الحريري في اللائحة مثل حزب «الحوار» عمد الى التشطيب في «لائحة البيارتة» لرفع نسبة أصوات أحد مرشحيه، للدلالة على أن له شعبية توازي شعبية الحريري، الذي ظهر على رغم كل ذلك أنه يتمتع بالنفوذ الكاسح على رغم النقمة الشعبية على الطبقة السياسية.

مشاركة :