يُثير شح الأمطار في المغرب للشهر الثاني على التوالي قلقاً كبيراً للاقتصاديين والمزارعين، الذين يتخوفون من تراجع محاصيل حصاد الصيف المقبل، عن الفترة نفسها عن العام الماضي، والتي أتاحت إنتاج عشرة ملايين طن من الحبوب، وساهمت في رفع النمو الاقتصادي إلى خمسة في المئة من الناتج الإجمالي. وخفضت مراكز الدارسات توقعات النمو في المغرب هذه السنة بنحو نقطة على الأقل، بعد أن سجل الموسم الحالي ضعفاً في الموارد المائية العذبة قُدر بنحو نصف حجمها مقارنة بالموسم الماضي. وأفاد المصرف المركزي المغربي بأن «محاصيل الحبوب قد تتراجع بنحو 20 في المئة على الأقل ما سيؤدي إلى موسم زراعي ضعيف، قد تتقلص فيه كمية الإنتاج وقيمة العائدات المالية والاستهلاك العائلي القروي». وتوقع «أن يسجل الاقتصاد المغربي نمواً يبلغ 2،7 في المئة من أصل 4،2 في المئة التي وضعتها الحكومة في موازنة عام 2014، بتوقع انخفاض القيمة المضافة في القطاع الزراعي بنحو 4،5 في المئة. وتساهم الزراعة بـ17 في المئة من الناتج الإجمالي ويعيش منها ثلث السكان وجلهم في الأرياف». وكان المغرب شهد وضعاً مماثلاً في عام 2012 تراجع فيه النمو الاقتصادي الى 2،7 في المئة بسبب انخفاض الناتج الزراعي وارتفاع واردات الفاتورة الغذائية، ما زاد في معاناة الخزينة التي تواجه نقصاً في الإيرادات. ويعتقد محللون إن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الموسم الزراعي، وسيتوقف معدل النمو على حجم الأمطار. وأشارت المندوبية السامية في التخطيط الى أن الربع الأول من هذه السنة سيشهد نمواً ضعيفاً في حدود 2،3 في المئة عوضاً عن 3،8 في المئة التي كان سجلها الاقتصاد المحلي في مثل هذه الفترة قبل سنة. واعتبرت أن شح الأمطار والظروف المناخية غير المساعدة أدت الى تعثر الموسم الزراعي وانخفاض المساحات المزروعة نحو 4 في المئة «ما ينذر بمحصول اقل من توقعات الحكومة». ووفق المندوبية فإن الاقتصاد سيراهن على قطاعات الصناعة والخدمات التي قد تنمو أكثر من أربعة في المئة، مستندة إلى تحسن تدريجي في الإنتاج وفي المبادلات الخارجية التي زادت 4،5 في المئة بزيادة الطلب في أسواق الاتحاد الأوروبي، كما ينتظر أن تعوض الاستثمارات العامة البالغة 186 بليون درهم (22.6 مليون دولار) بعض الخسائر المسجلة في القطاع الزراعي، بتوفير فرص عمل بديلة للمزارعين وسكان الأرياف. ورأى محللون أن فرضيات الحكومة كانت متفائلة أكثر من الواقع لأنها راهنت على نمو نسبته 4،2 في المئة وعجز يبلغ 4،8 في المئة على أساس إنتاج زراعي في مستوى 7 ملايين طن، وسعر برميل النفط عند 105 دولارات. وتبدو هذه المؤشرات صعبة التحقيق، ما قد يضر بعجز الموازنة ويقلص الاستهلاك الغذائي لدى الفئات الفقيرة. ويجمع خبراء على أن منطقة شمال إفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط تأثرت سلباً في العقدين الأخيرين بالتغيرات المناخية العالمية، حيث انخفضت كمية الأمطار بين 30 و50 في المئة وفق المناطق وقد تصل الى 60 في المئة في الجنوب الصحراوي. وتشير دراسات مناخية الى أن الفرد المغربي كان يحصل على 3 ألاف متر مكعب من الماء في مطلع ستينات القرن الماضي، وانخفض الاحتياط المائي تدريجاً ليصل الى اقل من ألف متر في بداية الألفية الثالثة، وهناك مخاوف من أن تتراجع الحصة إلى ما دون 500 متر ليصبح المغرب بذلك في مستوى بعض دول الشرق الأوسط وينتقل من بلد الفائض المائي إلى شح الموارد العذبة. وُيقدر المتوافر في السدود بنحو 15 بليون متر مكعب، وتحتاج الزراعة في المتوسط إلى نحو 20 بليوناً.
مشاركة :