قد تتعجّب من تلك العلاقة الارتباطية بين الفارس والحصان، التي يعود جانب من نجاحها إلى فوائد الفروسية للصحة النفسية، فقد تبيّن أنّ ركوب الخيل يُساعِد على السيطرة على المشاعر؛ فالخيول بطبيعتها عاطفية، تشعر بالإنسان، وتتوتّر عندما تكون غاضبًا أمامها، وتهدأ عندما تكون هادئًا أيضًا، كما أنّ العناية بالخيول تُربِّي الإحساس بالمسؤولية، وربّما تزيح عن كاهلك كثيرًا من ضغوطات الحياة وتعزز صحتك النفسية. يُساعِد ركوب الخيل على تخفيف التوتر وتحسين المزاج، والسيطرة على المشاعر بصورةٍ أفضل، من خلال تدريبك على ما يلي: قد يساعدك قضاء الوقت مع الخيول على الحفاظ على هدوئك، وبثّ الثقة بمن حولك، فالخيول مخلوقات عاطفية تعتمد على الإشارات المرئية والصوتية لفهم مشاعر البشر والحيوانات من حولهم. وتُظهِر الأبحاث والتجارب الشخصية للفروسية، أنّ الخيول التي تتعرّض لأصواتٍ عالية وغاضبة تُظهِر توترًا في شكل ارتفاع معدل ضربات القلب، أو تصلّب وثبات وضعية الخيول، فإذا زال التوتر عادت إلى الاسترخاء. لذلك فإنّ الفروسية وركوب الخيل من أفضل الأنشطة التي تساعدك على السيطرة على مشاعرك، خاصةً أنّك تعلم أنّك قد تزعج حصانك، وهذا قد لا يساعد على أن تكون تجربتك مع ركوب الخيل سارّة. قد يُؤثِّر التوتر في بعض الأشخاص أكثر من غيرهم، لكن الجميع تقريبًا يُعانُون ضغوطًا يومية باستمرار، ويُعد ركوب الخيل استراحة من تلك الضغوطات اليومية، ومزيلًا للتوتر الذي يلقي بثقله عليك. وهناك دليل مادي على ذلك، ففي إحدى الدراسات التي أُجريت على أطفالٍ مُصابِين بالتوحد، كان لدى المشاركين مستويات أقل من هرمون التوتر "الكورتيزول" في لُعابهم بعد أن ركبوا حصانًا. ورغم عدم معرفة سبب حدوث ذلك، لكن الباحثين ربطوا انخفاض التوتر بالعديد من العوامل المصاحبة لركوب الخيل، مثل الوجود في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس، والعلاقة مع الحصان. ليست الفروسية مجرد امتطاء ظهر جوادك المُفضّل، لكنّك تقضي بعض الوقت أولًا في تهيئة حصانك، والتأكّد من نظافة المكان الذي يسكن فيه حصانك، وفي خضمّ ذلك فإنّ انتباهك يتحوّل بعيدًا عن نفسك، وتُركِّز على الاهتمام بحصانك. وقد يساعد تجنّب التفكير في الضغوطات اليومية والمشتات، مع رعايتك للحصان في تخفيف الاكتئاب والقلق، كما يمكن ممارسة أساليب التأمل لزيادة هذه الفوائد، مثل التركيز على: يساعد ركوب الخيل في تحسين المزاج عندما تكون مكتئبًا، بل قد يكون مفيدًا لمن يُعانُون مشكلات نفسية خطيرة، فالحصان قد يكون رفيقًا آمنًا للمساعدة على التغلب على الصدمة العاطفية مثلًا. فقد يجد المحاربون القدماء أو الأشخاص الذين تعرّضوا لصدمات مثلاً، صعوبة في الوثوق بأشخاص آخرين، أو يتجنبّون المواقف التي قد تؤدي إلى ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل: ورغم صعوبة علاج اضطراب ما بعد الصدمة، فقد ثبت أنّ المحاربين القدامى الذين شاركوا في العلاج بالفروسية لديهم احتمال بنسبة 87.5% في تخفيف الأعراض بعد 6 أسابيع. يعود تاريخ العلاج بركوب الخيل أو الفروسية إلى زمن اليونانيين القدماء، وربما يعود لعام 500 قبل الميلاد، فقد كرّس "أبقراط"، الطبيب اليوناني، أجزاء كاملة من كتاباته حول الإمكانات العلاجية لركوب الخيل. وبحلول القرن التاسع عشر، وصف الأطباء الألمان ركوب الخيل لتقليل نوبات الهستيريا والوساوس المرضية، وبمرور الوقت أصبح ذلك أساسًا لاستخدام ركوب الخيل لتحسين الصحة النفسية. ولمّا أتى القرن العشرين، خاصةً في الخمسينيات والستينيات، أصبح ركوب الخيل وسيلة علاجية راسخة، وبحلول التسعينيات، بدأت العديد من برامج إعادة التأهيل والصحة النفسية في تنفيذ برامج العلاج بركوب الخيل ضمن خططها العلاجية. وقد أظهرت الدراسات الحديثة قدرة العلاج بركوب الخيل على علاج الاكتئاب والقلق، والأعراض المتعلقة بالصدمة، والاضطرابات الانشقاقية وغيرها. ثمّة العديد من الأسباب التي تجعل الخيول مفيدة جدًا في العلاج النفسي، أهمها: يساعد ركوب الخيل على زيادة الثقة بالنفس، فقد أظهرت إحدى الدراسات أنّ المراهقين الذين شاركوا في ركوب الخيل ورعايتها، زادت ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذواتهم، كما تحسّن تنظيمهم لعواطفهم، وحسن تدبيرهم للأمور. لمَ كل ذلك؟ لأنّ ركوب الخيل يتطلّب تفاعلاً مستمرًا مع حصانك، ويمكن أن تزداد الثقة بالنفس من خلال توجيه وقيادة مثل هذا الحيوان الكبير، وقد ينعكس ذلك في المجالات الحياتية الأخرى، وكُلّما وثق الحصان بك، بدأت ترى قيمتك الخاصة. لا تقتصر فوائد الفروسية على الكبار فحسب، بل إنّ الأطفال ربّما يكونون أكثر حاجةٍ إليها؛ إذ يُعدّ تجربة فريدة لهم، تحمل العديد من الفوائد، ومنها: يساعد ركوب الخيل الأطفال على بناء ثقتهم بأنفسهم، فقد أظهرت دراسة نُشِرت في مجلة "علم نفس الأطفال Pediatric Psychology" أنّ برامج ركوب الخيل تُحسِّن احترام الذات لدى الأطفال، فبعد جلسة واحدة، أفاد أولئك الذين شاركوا في دروس ركوب الخيل بأنّهم شعروا بمزيدٍ من الثقة، وأنّهم أقل خوفًا. كذلك يُعلِّم ركوب الخيل والعناية به والتواصل معه الأطفال تحمّل المسؤولية، وتنمية ذلك الشعور، وأيضًا احترام الآخرين، كما يساعدهم ركوب الخيل أيضًا على تعزيز مهاراتهم في حل المشكلات. ركوب الخيل مُخفِّف للقلق لدى الصغار، فقد أظهرت الدراسات أنّ قضاء الوقت مع الخيل يمكن أن يكون علاجًا للقلق، وذلك لأنّ التفاعل مع الخيول يساعد على خفض مستويات هرمون "الكورتيزول" المرتبط بالتوتر. كذلك فإنّ الشكل الاجتماعي لرحلات الخيول، خاصةً في جلسات ركوب الخيول والمخيمات والبيئة المخصصة لذلك، من العوامل التي تساعد في تقليل الخوف والقلق لدى الصغار؛ إذ يتفاعل الأطفال مع أقرانهم والبالغين، ما يُحسِّن التنشئة الاجتماعية وثقتهم بأنفسهم. عندما يركب الأطفال حصانًا فإنّهم يشعرون بالإنجاز وقدرتهم على التحكّم، وهذا يبني قِيمتهم الذاتية، ويُعزِّز مهاراتهم الاجتماعية؛ إذ يُعزِّز ركوب الخيل تواصل الأطفال وتعاطفهم، ما يساعدهم على إقامة علاقات إيجابية مع الآخرين. وقد كشفت دراسةٌ نُشِرت في "مجلة علم نفس الأطفال"، أنّ الأطفال الذين شاركوا في جلسات ركوب الخيل، كانوا أكثر اجتماعية، ومِنْ ثَمّ فإنّ ركوب الخيل أداة قيّمة للأطفال لتعلّم المهارات الاجتماعية بطريقة ممتعة وجذّابة. كيف تعزز رياضة الفروسية صحتك النفسية؟ تاريخ العلاج بركوب الخيل ما الذي يجعل الخيول مفيدة في العلاج النفسي؟ ركوب الخيل وتعزيز الثقة بالنفس أهمية ركوب الخيل للأطفال
مشاركة :