الجزائر - توقف صحافيون وإعلاميون خلال معرض الجزائر الدولي للكتاب عند مجموعة إصدارات موجهة لمعالجة “واقع اللغة العربية في الصحافة الجزائرية”، وفي مقدمتها الإعلام المكتوب، وهي نتاج دراسات ميدانية وعلمية ومؤتمرات متخصصة، أشرف عليها المجلس الأعلى للغة العربية طيلة السنوات الأخيرة. ومنذ الاستقلال وإلى سنوات قليلة مضت، كانت الإشكالية اللغوية في الجزائر ثنائية في شكل صراع بين العربية والفرنسية. ومع بداية العقد الماضي، وبحكم انتشار الإنترنت تسللت الإنجليزية شيئا فشيئا إلى حياة الجزائريين لتضيف ضلعا آخر إلى إشكالية اللغة فتصبح ثلاثية الأبعاد، لكن الجدل بقي حول مسألة الخلط بين العربية والفرنسية في وسائل الإعلام. وينتقد صحافيون تخبط الفضائيات العربية بين استخدام تسميتين لمنطقة واحدة في الجزائر، وكثيرا ما كانت الغلبة للاسم المنقول حرفيا عن الفرنسية، بسبب نقلها عن القنوات الجزائرية نفسها. ويضيفون أن الألفاظ الفرنسية تطغى في الكتابات الخبرية وتعليقات مقدمي البرامج والمذيعين، وتصل إلى الصفحات الأولى! وأبدى المجلس الأعلى للغة العربية اهتمامه بهذه القضية من زاويتين: تنفيذ التزاماته الدستورية والقانونية تجاه ترقية استعمال اللغة العربية من جهة، والواقع غير السويّ لوضعها عند الممارسين الصحافيين لأسباب كثيرة، من جهة أخرى. مطالبات لوزارة الاتصال بالوقوف على وضع اللغة العربية في المنابر الإعلامية، باعتباره من جوهر واجباتها وتوقع رئيس المجلس صالح بلعيد في تصريحات سابقة أن تكتمل خطوات “التعريب” في البلاد بحلول عام 2024 في سياق “سباق” أزلي وجدلية لم تنقطع حول مكانة اللغة الفرنسية في المعاملات الرسمية. لكن مشروع “التعريب” في البلاد وإن حظي بنقاشات وتصادم مستمر بين تيارات سياسية كثيرة، إلا أنه على أرض الواقع يبدو بعيد المنال وينعكس بطبيعة الحال على وسائل الإعلام المحلية. ويدافع البعض عن استعمال لغة عجينة في الإعلام من منطلق مواكبة التطور الرقمي والانصياع لـ”لغة منصات التواصل الاجتماعي”. ولا يتعلق الأمر فقط بكثرة الأخطاء النحويّة واللغوية والإملائية والتركيبيّة الناجمة عن ضعف التأهيل والتدريب لدى الأجيال الجديدة من خريجي الإعلام في الجامعات الجزائرية، بل يراه البعض تشويها للغة التحرير والخطاب والتواصل بألفاظ غريبة عن العربيّة من دون أي ضبط ولا توجيه من مسؤولي الصحف والبرامج التلفزيّة، بل من المؤسف أن يكرّس هؤلاء واقعا مقلوبا حتى يصبح قاعدة غالبة في قاعات الإعلام. وذكر الأستاذ الجامعي العيد زغلامي في ندوة إعلامية حول واقع اللغة العربية بين مستوى طلاب كلية الإعلام في جامعة الجزائر، بأن “وضعية اللغة العربية مرتبطة بوضعيتها في المجتمع عموما، إذ تعرّضت إلى تغييرات وتجاذبات منذ الاستقلال. ألحظ أن الطالب لا يتحكم بوصوله إلى الجامعة بأي لغة بما فيها اللغة العربية، ويؤثر ذلك سلبا في طريقة معالجته مساره الدراسي.” وأضاف أن “عددا كبيرا من طلاب الجامعات في مستوى الماستر مثلا لا يجيدون أبجديات العربية الفصحى، وهذا مرتبط بالمحيط والمجتمع الجزائري وحتى الطبقة السياسية التي تفضّل اللغة الفرنسية، بما في ذلك من إساءة إلى اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية للدولة بحسب الدستور”. وأبدى زغلامي استغرابه من “وجود دعوات من بعض الاختصاصيين في اللسانيات لترسيم اللغة الدارجة (العامية) ضمن مناهج التدريس، ما يزيد الأمور تعقيدا”، موضحا أن “على العموم حتى المدافعين عن اللغة العربية لا يقومون بدور ومجهود كبيرين، فهذه اللغة ظلت خاضعة للوبيات سياسية، فلو تكوّن الطالب بشكل جيد وأتقن اللغة العربية فإنه لن يجد هذه اللغة خارج أسوار الجامعة، لذلك فإن الجدلية بخصوص هذا الموضوع تنتهي إلى قناعة راسخة بأن هناك سياسة غير معلنة لعدم ترقية اللغة العربية.” ويرى البعض أن وسائل الإعلام ملزمة باحترام استعمال اللغة المختارة، عربية أو فرنسية أو غيرهما، ومن واجب سلطات الضبط المختلفة والمخوَّلة، التدخل لوضع الأمور في نصابها الصحيح. وأكدت وزارة الاتصال قبل أيام جاهزية النصوص التطبيقية لسلطتي الصحافة المكتوبة والسمعي البصري، ويطالبها صحافيون بالوقوف على وضع لغة الضاد عبر كافة المنابر الإعلامية، باعتباره من جوهر واجباتها القانونية والمهنية ومقتضيات تحقيق الأمن اللغوي والثقافي والفكري في البلاد مستقبلا، بينما سيؤدي تدريجيا التساهل في تلويث اللغة إلى المساس تلقائيا بمقومات الهوية الوطنية. صحافيون ينتقدون تخبط الفضائيات العربية بين استخدام تسميتين لمنطقة واحدة في الجزائر، وكثيرا ما كانت الغلبة للاسم المنقول حرفيا عن الفرنسية وفي نفس الوقت يقع على عاتق المهنيّين المحترفين، مهمة فرض اللغة السليمة، من خلال تفعيل الآليات القانونية ومرافقة السلطات الضبطية والتوجه أكثر نحو فتح نقاشات بينية مع الخبراء والمختصين لتقصّي الظاهرة والخروج بتصورات عملية متكاملة لعلاجها جذريا. وبحسب الدكتور محيي الدين عميمور، مستشار سابق لرئيس الجمهورية الجزائرية – الوزير الأسبق للثقافة، فإن اللهجات المحلية في مختلف الدول العربية، سببت لهم مشكلة كبيرة في مسألة استقطاب البرامج التلفزيونية، لأن معادلة فهم اللهجات نسبية، والنتيجة توجهنا لاستقطاب البرامج التلفزيونية الفرنسية. ومن جهة أخرى، فإن محاولة إنعاش اللهجات المحلية الجزائرية بأشكالها الضعيفة صنعت تنافسية كبيرة بين العربية والفرنسية من جهة، والعربية والعامية المبتذلة من جهة أخرى. ولكن يجب النظر إلى التجربة الجزائرية في التلفزيون الرسمي الذي يستخدم اللغة العربية الفصحى في جميع ما يعرض سواء كان أخبارا رسمية أو برامج ثقافية أو اجتماعية أو رياضية. وفي موضوع الجهد التعليمي في داخل الجزائر، أكد عميمور أنه لا يمكن تحويل بعض الكليات العلمية إلى العربية دونما تعريب مراجعها الرئيسية، مبينا أنه جهد تختص به جامعة الدول العربية التي غرقت في السياسة. ويستنكر صحافيون أنّ بعض الصحافة المعرّبة تتنافس على تدجين اللغة العربيّة، وخلطها بالفرنسية، إذ تستدعي الكلمات اللاتينية من دون أي مبرّر، وتلوي أعناقها، ثم ترسمها بالحرف العربي، من باب مجاراة مواقع التواصل، مثلما يستعمل آخرون أسماء مؤسسات خدماتية وإدارية بالأحرف الفرنسية ضمن تقاريرهم لجمهور معرّب. وكانت تصريحات أدلى بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال لقاء تلفزيوني أثارت ردود أفعال واسعة في البلاد، إذ وصف اللغة الفرنسية بأنها “غنيمة حرب”. كما تطرق الرئيس الجزائري إلى اللغة الإنجليزية ومشروع تعميمها في المناهج الدراسية، مما فتح نقاشا بين جزائريين حول اللغة الفرنسية ومكانتها في بلادهم.
مشاركة :