ويقول سليقا (58 عاما) لوكالة فرانس برس "علقت سيارتي بين الحفرتين. لا نتمكن من الوصول الى لبنان أو العودة الى سوريا. ونحن مهددون في أي لحظة بالتعرض للقصف". ويضيف "أعمل وأنام هنا بين الحفرتين". وتعدّ سيارته من بين قلّة تقطعت بها الأوصال بين حفرتين قرب معبر المصنع الحدودي في شرق لبنان، نجمتا عن قصف إسرائيلي الشهر الماضي على مرحلتين طال المنطقة، في إطار حملة جوية تشنها اسرائيل منذ شهرين وتستهدف خصوصا معاقل حزب الله في جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية. وطال القصف الإسرائيلي مرارا مناطق حدودية بين البلدين، بينها نقطة المصنع. وباتت المنطقة الفاصلة بين الحفرتين قرب معبر المصنع مورد رزق لعربات توك توك تنقل المسافرين بين جانبي الحدود لقدرتها على اجتياز الحفرتين بسهولة. حتى أن أحدهم أقام كشكا موقتا سماه "استراحة الجورة". بعيدا من منزله وعائلته، أصبحت السيارة منزل سليقا ليلا ومورد رزقه نهارا. على مقاعدها الخلفية، وضع غطاء شتويا يخفّف من برد المنطقة الحدودية الجرداء، وعلى مقعدها الأمامي ترك كيسا من الخبز. وبعدما اضطر للتوقف عن العمل لمدة 12 يوما جراء تعطل محرّكها، تمكّن من أن يحضر ميكانيكيا الى المكان استبدل القديم بآخر جديد، ما مكّنه من استئناف عمله. وبعدما كانت كلفة الرحلة مئة دولار بين لبنان وسوريا، يقول سليقا إنه يتقاضى حاليا بدلا يراوح بين 10 و15 دولارا لنقل المسافرين بين الحفرتين والذين غالبا ما يصلون مع أمتعتهم التي تعوق تنقلهم. "سائق بين الحفرتين" منذ تكثيف اسرائيل غاراتها على معاقل حزب الله في لبنان بدءا من 23 أيلول/سبتمبر، شكّلت المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا وجهة لعشرات الآلاف من اللبنانيين واللاجئين السوريين الذين فروا من المناطق المستهدفة بالقصف الإسرائيلي. واستهدفت اسرائيل مرارا نقاطا قريبة من المعابر الحدودية بين البلدين، ما أسفر عن قطع معابر عدة، أحدها المصنع الذي يعد المعبر الرئيسي بين البلدين للمسافرين والبضائع. وكرر الجيش الإسرائيلي الإشارة الى أن هدف غاراته على المناطق الحدودية هو منع حزب الله من "نقل وسائل قتالية" من سوريا الى لبنان، على وقع المواجهة المفتوحة بينهما. وخلال شهرين، أحصت السلطات اللبنانية عبور أكثر من 610 آلاف شخص من لبنان، غالبيتهم من اللاجئين السوريين الذين كانوا تدفقوا الى لبنان إثر اندلاع الحرب في بلادهم عام 2011. ورغم أن الحركة باتت عسيرة، لكن كثرا ما زالوا يتوافدون إلى المعبر مع حقائبهم ويعبرون الحفرتين الموحلتين اللتين يصل عمقهما الى نحو عشرة أمتار ويقارب عرضهما ثلاثين مترا. على جانب الطريق، انهمك سائق سيارة الأجرة اللبناني خالد الخطيب (46 عاما) بنزع الطين عن إطارات عربته. ويقول لفرانس برس وهو يمسح العرق عن جبينه أثناء فحصه المحرك "حين حصلت الضربة الأولى، كنّت في سوريا فقررت إخراج السيارة من الأراضي السورية وركنتها قبل الحفرة، ولاحقا حين حدثت الضربة الثانية علقت بين الحفرتين". ويضيف "في السابق، كنت أعمل على سيارة الأجرة بين دمشق وبيروت، واليوم أصبحت أقودها بين الحفرتين". ويروي أنه لا يتقاضى أجرا من الركاب الذين يعيشون ظروفا صعبة، خصوصا انه اختبر بذاته تجربة النزوح من ضاحية بيروت الجنوبية حيث كان يقيم الى مسقط رأسه في بلدة قريبة من الحدود. -كشك موقت - في كشك صغير، يمضي السائقون أوقات الفراغ، ويتناولون وجبات الفطور والقهوة الساخنة. ويروي محمّد ياسين كيف نقل كشكه بعد الغارة الإسرائيلية من معبر المصنع الحدودي الى جوار الحفرة، حيث وضع الكراسي البلاستيكية والطاولات، وبات يوفر المناقيش صباحا وساندويشات الفلافل ظهرا عدا عن القهوة والشاي وعبوات المياه. وإضافة الى خدمات يقدمها للزبائن بشكل متواصل، يقول ياسين إنه يحاول "مساعدة المسافرين قدر المستطاع". واختار بعض المسافرين اجتياز حفرة موحلة سيرا بعدما غطوا أحذيتهم بأكياس بلاستيكية لتجنب التصاق الطين بها بعد تساقط الأمطار في اليومين الأخيرين. على تلة صغيرة، يصرخ أحد السائقين "تاكسي إلى دمشق" بينما تصل تباعا عربات توك توك تقل مسافرين وحافلة محملة بالركاب والأمتعة. على بعد أمتار، وقفت عايدة عوض مبارك، وهي أم سورية لستة أولاد، تتفاوض سائق توك توك على أجرة قدرها دولار واحد. وتقول المرأة (52 عاما) العاطلة من العمل بينما كانت في طريقها الى شرق لبنان للاطمئنان إلى أحد أبنائها بعد تعرض البلدة حيث يقيم لغارات إسرائيلية: "أحيانا لا أتمكن من دفع أجرة التوك توك أو السيارة بسبب وضعنا السيء". وتتدارك "لكن رؤية ابني غالية".
مشاركة :