وصل عدد السكان المسنين في الصين الذين تبلغ أعمارهم 60 عاما فما فوق إلى 297 مليون نسمة حتى نهاية عام 2023، وهو ما يمثل 21.1 في المائة من إجمالي السكان في البلاد. ومع تغير الهيكل السكاني، أظهرت الشركات المحلية اهتماما متزايدا بخصائص وعادات الاستهلاك لدى المسنين، مما يعزز محركا جديدا للاستهلاك. تظهر إحصاءات من المركز الصيني لمعلومات شبكة الإنترنت، أن ما يقرب من 70 بالمائة من مستخدمي الإنترنت الذين تبلغ أعمارهم 60 عاما فما فوق، يستخدمون خدمات التسوق عبر الإنترنت، بينما أصبح متصفحو الإنترنت المسنون في الصين قوة كبيرة للاستهلاك عبر الإنترنت. تمتعت ليو شياو ون، البالغة من العمر خمسة وستين عاما، بمهرجان "11.11" للتسوق عبر الإنترنت في هذا العام، حيث اشترت حزمة سياحية شاملة من منصة للتجارة الإلكترونية، وتتطلع إلى الاستمتاع بتجربة سفر رائعة إلى مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين. وتتقن هذه المواطنة المسنة، المنحدرة من مدينة لويانغ في مقاطعة خنان بوسط الصين، التسوق عبر الإنترنت، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تحجز فيها رحلة سياحية من شبكة الإنترنت. ولا تعد ليو إلا واحدة من الصينيين المسنين الذين لم يتخلفوا عن الركب في العصر الرقمي. ولم يسهم تزايد عدد السكان المسنين في البلاد إلى إنعاش قطاع التجارة الإلكترونية فحسب، بل حفز أيضا "الاقتصاد الفضي" (اقتصاد كبار السن) المزدهر، والذي يرى الخبراء أنه محرك جديد للاستهلاك. وخلال معرض الصين الدولي السابع للاستيراد الذي اختتم مؤخرا، جذبت مجموعة متنوعة من المنتجات المخصصة لكبار السن، مثل الأبواب الخشبية المصممة لمرور الكراسي المتحركة والأجهزة الطبية المستخدمة في العمليات الجراحية غير الغازية، انتباه المستهلكين والمستثمرين المحليين والأجانب. والجدير بالذكر أن الحجم التراكمي للمعاملات المتعلقة بمنتجات برعاية المسنين وخدمات إعادة التأهيل في الدورات الست السابقة من معرض الصين الدولي للاستيراد بلغ 348 مليون دولار أمريكي. ومع ذلك، فإن هذا مجرد غيض من فيض، إذ يبلغ حجم "الاقتصاد الفضي" في الصين حوالي 7 تريليونات يوان (حوالي 972 مليار دولار أمريكي)، وهو ما يمثل 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يصل إلى 30 تريليون يوان بحلول عام 2035، وفقا لمركز أبحاث تابع للجنة الوطنية الصينية للشيخوخة. ويعتقد ليو يويه، وهو باحث في مقاطعة تشجيانغ في شرقي الصين، أن السكان المسنين في البلاد لديهم وسيظلون يتمتعون بإمكانات استهلاكية كبيرة. وقال ليو إن المواطنين الصينيين الذين ولدوا بعد عام 1950 شهدوا انفتاح الصين وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. وعندما أصبحوا بالغين، كانوا قادرين على العمل في فترة كان فيها الاقتصاد الصيني يحقق قفزات كبيرة. وأشار ليو إلى أن "هذا يعني أنهم راكموا المزيد من الثروة وأصبحوا أكثر انفتاحا على أشياء جديدة مقارنة بالأجيال السابقة، ولديهم طلب استهلاكي أكثر تنوعا". ومع احتضانها لأكبر عدد من السكان المسنين في العالم، عززت الصين دعمها للاقتصاد الفضي. وفي بداية عام 2024، أصدر المكتب العام لمجلس الدولة مجموعة من المبادئ التوجيهية بشأن تنمية الاقتصاد الفضي، في حين سلط اجتماع تنفيذي لمجلس الدولة عقد مؤخرا الضوء مرة أخرى على الجهود المبذولة في هذا الصدد. وقال مسؤول عن إدارة خدمات المعاشات التقاعدية بوزارة الشؤون المدنية الصينية: "سنعمل مع الإدارات ذات الصلة لزيادة دعم التطوير المتكامل بين خدمات التقاعد والخدمات العقارية والمنزلية والرعاية الطبية والثقافة والسياحة والرياضة والتعليم وغيرها من الصناعات، مما يشكل مجالات استهلاك جديدة متعددة الأوجه". وأشار ماركوس فير، نائب رئيس مجموعة الألمانية-الصينية للرعاية الصحية إلى "إن عدد سكان الصين الهائل والطلب المتزايد على رعاية المسنين يخلقان أيضا فرصا للشركات الألمانية"، معربا عن تطلعه إلى مزيد من التعاون بين ألمانيا والصين في الاقتصاد الفضي حيث يواجه البلدان شيخوخة السكان. ونظرا لأن المشهد الديموغرافي في الصين يمر بتحول محوري، فقد لاحظ بعض العلماء أن الاقتصاد الفضي هو جانب إيجابي لشيخوخة السكان. وقال هوانغ وي، الأستاذ المشارك في المعهد الوطني للتنمية بجامعة بكين، إن كبار السن يمكنهم الاستمرار في تقديم "مساهمات اجتماعية" من خلال المشاركة بنشاط في الأنشطة الاقتصادية. وأضاف هوانغ: "شيخوخة السكان تمثل سيفا ذا حدين. فرغم أن اتجاه الشيخوخة ينطوي على تحديات، ولكنه يجلب فرصا أيضا".
مشاركة :