صدى شعر نزار لا يزال يتردد في الآفاق، فهو من غنّى للحياة والياسمين، مشكّلاً ظاهرة فنية وإنسانية ملأت العصر وشغلت الناس، ولذلك فإن حضوره احتفظ دائماً بوهج أقوى من غيابه، هذا ما أكدته أمسية أقيمت في ذكرى رحيله، حيث اجتمع حشد من محبي الشاعر العربي الكبير في ندوة الثقافة والفنون بدبي أول من أمس، وهناك وتحت عنوان أبجدية العشق امتزج جمال الإحساس وبريق التعبير الشعري، فرسمت الشاعرة الدكتورة بروين حبيب مع المطرب العراقي أنور أبو دراغ معالم هذه الأبجدية، وحضر الأمسية، التي نظمتها الندوة بالتعاون مع أثر للفنون والآداب، لفيف من رموز وقيادات الحركة الثقافية في دبي، ونخبة من الشعراء ومحبي الشاعر الراحل. رائحة الياسمين في الذكرى الـ18 لرحيل نزار، قالت بروين حبيب: أدخلنا في رائحة الياسمين، في رائحة النعناع، وتجمع المياه تحت الأرض.. في حرائق العقيق و توجع الليمون، زرع الشعر قمحاً لوزاً.. وغابات زعتر، وحوّل كل شيء في حياتنا إلى شعر.. كما قال يوماً، ذلك هو الشاعر الكبير نزار قباني، واستطردت قائلة: لم يكن نزار شاعراً يمتلك صوته الخاص وشخصيته المتفردة، وخصائصه الإبداعية اللافتة وحسب، ولكن حضوره ملأ الدنيا بشهرة واسعة وشعبية عريضة بين مستويات مختلفة وأجيال متعاقبة، فلم يعرف العصر الحديث شاعراً نال شهرة مثل ما نال، فقد وضعنا أمام قصيدة تميزت بحركة اللغة وإيقاع الموسيقى وسحر الصورة ومتعة الألوان، وقد أرتأينا أن نحتفل مع جمهور الشاعر الكبير في ذكرى رحيله بإحياء بعض قصائده غناءً وإلقاءً. أحبك والبقية تأتي شاعر المرأة لقب من بين الألقاب التي عُرف بها نزار، فالمرأة في شعره تحتل الصدارة، وربما لذلك افتتحت بروين الأمسية بقصيدة أحبك والبقية تأتي التي يقول فيها: حديثُكِ سُجَّادةٌ فارسيَّهْ، وعيناكِ عُصفورتانِ دمشقيّتانِ.. تطيرانِ بين الجدار وبين الجدارْ.. وقلبي يسافرُ مثل الحمامة فوقَ مياه يديكِ، ويأخُذُ قَيْلُولةً تحت ظلِّ السِّوارْ.. وإنِّي أُحبُّكِ.. لكنْ أخافُ التورُّطَ فيكِ..، وهكذا يغوص نزار في بحور الكلام، ويمسك بشغاف عشاق شعره يوجهها حيثما أراد، وعبر قصيدته الوصية أخذت بروين الجمهور إلى عوالم من السحر والحب والجمال، كما ترنمت بكلمات وجمال قصيدته إلى تلميذة التي نشرت في أجواء المكان الأحاسيس المرهفة، لا سيما حينما يقول: قُلْ لي ولو كذباً كلاماً ناعماً، قد كاد يقتُلُني بك التمثالُ، ما زلتِ في فن المحبة طفلةً، بيني وبينك أبحر وجبالُ، لم تستطيعي، بَعْدُ، أن تَتَفهَّمي، أن الرجال جميعهم أطفالُ. سحر الأوتار قصيدة نزار هي قصيدة صوت، حيث زينت الموسيقى الأمسية، فكان للأوتار سحر خاص، فسجل الفنان العراقي أنور أبو دراغ بصوته، وبمصاحبة الفرقة الموسيقية، مجموعة من قصائد الشاعر الكبير منها: زيديني عشقاً، وعيناك ليالٍ صيفية، وموال بغدادي، ورسالة من تحت الماء. عاشق دمشق في ذكرى نزار، برزت دمشق بنوافيرها والياسمين ولاقت قصيدة من مفكرة عاشق دمشقي التي ألقتها بروين تصفيقاً كأنما كتبت اليوم: فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهُدُبَـا، فيا دمشـقُ لماذا نبـدأ العتبـا؟ حبيبتي أنـتِ فاستلقي كأغنيـةٍ، على ذراعي، ولا تستوضحي السببا، أنتِ النساءُ جميعاً، ما من امـرأةٍ أحببتُ بعدك إلا خلتُها كذباً، يا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لها، فمَسِّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا.
مشاركة :