جودت فخر الدين: الاستسهال أزمة الشعر

  • 5/13/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أن تبحر في أعماق الشعر مع الشاعر اللبناني جودت فخر الدين، فكأنك تعيش قصة حب مع قصيدة، تعانق تفاصيلها، وتستوحي من بين سطورها حكايات جديدة، تلهمك مرة لتبدع مقطوعة شعرية، وتفتح عينيك مرة أخرى على تفاصيل لم تضعها في الحسبان، لتجد نفسك أمام شاعر عزف دواوينه على وتر قصيدة التفعيلة، بعد عدد من القصائد العمودية كتبها واحتفظ بها لنفسه، صافح الطفل، فقدم له ثلاثون قصيدة للأطفال، الكتاب الفائز بجائزة الشيخ زايد لأدب الطفل والناشئة 2014، ليثبت بأن المبدع يكون حيث يكون شغفه. البيان التقت الشاعر جودت فخر الدين، في حوار لامس فيه القصائد على أنواعها، مفتتحاً حكايته بالقصائد العمودية، التي انطلق منها إلى شعر التفعيلة، فخط إبداعاته في أكثر من 10 دواوين انتظمت كحبات لؤلؤ في عقد شعر التفعيلة، تحدث عن أزمة الشعر فقال: الاستسهال أزمة الأدب عموماً والشعر على وجه التحديد، فهناك شعر جيد يكتب اليوم باللغة العربية ولكنه قليل جداً، وبالنسبة لي، فلستُ متعصباً للشعر عمودياً كان أو شعر تفعيلة أو قصيدة نثر، ولا أتخذ موقفاً مسبقاً ضد أي مقطوعة شعرية إلا بعد قراءتها، ولكن في كل الاتجاهات الشعرية يبقى الجيد قليلاً، ويجب أن ننبش عنه لنجده بصعوبة، كما أن الرديء يطغى عليه . استسهال وعن الانتشار الكبير الذي حظيت به قصيدة النثر رغم تحررها من قيود الوزن، قال: طغى الاستسهال على كتابة الشعر، ومعظم من كتبوا قصيدة النثر لم يمروا بتجربة الوزن، ولم يعرفوا آلياته، وهنا تكون الكتابة النثرية ليست خياراً، ولكن في المقابل، كان بعض الشعراء يكتبون الشعر الموزون، واتجهوا بعد ذلك إلى قصيدة النثر، وفي هذه الحالة يصبح الأمر خياراً. وأشار فخر الدين إلى أنه لا يفرض أحكاماً مسبقة لا على الشعر ولا على كتابه، وقال: هناك عناصر كثيرة لتأليف الشعر، منها اللغوية والبنائية والبلاغية والموسيقية، وإذا كان الوزن غائباً، فمن الممكن أن تعوض غيابه تلك العناصر الأخرى، وبالنسبة لي، أعتبر الوزن من المكتسبات التراثية التي تساعدنا في كتابة الشعر، ولم أتخلَّ عنه أو أعتبره حاجزاً أو عائقاً أو معرقلاً لي في الكتابة، وهو مفيد لو أحسن الكاتب استخدامه، لكنه يعرقل الذين لا يتقنونه. قصائد مغناة وعما إذا كان تحويل الشعر لقصيدة مغناة، يضيف لها أم ينتقص منها، ذكر أن الغناء كثيراً ما يضر بالقصيدة إذا كانت جيدة، ولكنه يفيد النصوص التي تبحث عن الانتشار السريع، وقال: الغناء عادةً لا يحتاج إلى نصوص شعرية قوية، وفي العصر العباسي، كان الشعراء يكتبون نصوصاً خاصة بالغناء، فالأشعار العظيمة لا تغنى، وفي المقابل الأغنية الناجحة قد تنجح بكلام مبتذل وضعيف، وأم كلثوم التي أعتبرها ظاهرة ثقافية وغنائية وصوتية جمعت حولها الكُتاب والملحنين لديها أغنيات رائعة، ولكن كثير من كلمات أغنياتها لا تحمل قيمة كبيرة بدون قوة صوتها وتميز اللحن، ولذا فالأغنية ليست بحاجة إلى كلام شعري رفيع المستوى لتكون ناجحة، تماماً كالقصيدة القوية، فهي ليست بحاجة إلى لحن يعكس تألقها. عين الناقد وبالانتقال إلى النقد، ذكر فخر الدين أن المشكلة في النقد قد تكون أكبر من المشكلة في الأدب، وقال: بدأت الحداثة الأدبية منذ ما يقارب الـ 60 أو 70 سنة الماضية، وفي هذه المرحلة، كان النقد إما تابعاً للأدب يحاول أن يردد صوته، وإما مقتبساً من النظريات الغربية الحديثة، ليشوهها في عدة مناطق، في محاولة منه لفهمها، ونادراً ما استطاع أن يستفيد منها. وأشار إلى أن النقد يجب أن يكون موجِّهاً للأدب وأن يحكم عليه، وقال: على الناقد أن يتمتع بكفاءات لا تقل عن كفاءات الأديب بل تفوقها، كونه هو الذي يحكم على الأدب، وفي المرحلة الحديثة، لم يكن النقد فعالاً، ولم يقِم حواراً حقيقياً مع الأدب ومع الشعر خصوصاً، وكان النقاد يهربون من الشعر إلى الرواية، معتقدين أن ذلك أسهل، وللأسف، ساد الاستسهال في الأدب بطريقة كبيرة في يومنا هذا. ولفت إلى أن النقد يدخل في تفاصيل الأدب، كاشفاً عن جمالياته وأسراره، مشيراً إلى أن عين الناقد ترى ما لا يراه الكاتب، وهذا كثيراً ما يسعده، ويفتح عينيه على أمور وتفاصيل لم ينتبه لها في كتابة قصيدته. تراث ذكر الكاتب والشاعر جودت فخر الدين أنه إذا أراد أن يقرأ بهدف الاستمتاع والاستفادة وصقل تجربته في الكتابة، يعود إلى التراث، وينتقي من إبداعات المتنبي وأبي العلاء المعري وأبي تمام والبحتري، مشيراً إلى أن معلقات الشعر الجاهلي بالنسبة له تحفة الشعر الأدبي، كما يقرأ المؤلفات النثرية في الأدب العربي وهي غنية جداً بمضامينها.

مشاركة :