«الحظ» بين الدقيق المنثور وقيثارة الفارس !

  • 5/13/2016
  • 00:00
  • 169
  • 0
  • 0
news-picture

إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه هذا البيت الشعري المفعم بالكآبة والحزن والمسكون بالتشاؤم والخيبة هو للشاعر السوداني ذائع الصيت إدريس جماع، ولنا أن نتخيل كيف وصف الشاعر حظه الرديء بهذا الوصف العبقري الذي أضحى شاهدا من شواهد الشعر العربي الحديث، وعندما تتأمل وصف الشاعر لحظه الرديء المتمثل في دقيق ينثر فوق الأشواك ثم يطلب من حفاة يوم ريح أن يجمعوه فلنا أن نتصور كيف لحافي القدمين أن يسير فوق الشوك وليس هذا فحسب بل أيضا يقال له أمر هو بالتأكيد في حكم المستحيل وهو أن يجمع بين السير حافيا على الأشواك التي ستنغرز في قدميه وتنفذ فيهما ومع شدة هذا الألم وهذه المعاناة الممضة عليه أن يجمع كذلك ذرات الدقيق المتناثرة فوق هذه الأشواك، حسنا.. وفي خضم هذا النسق الافتراضي الجدلي لهذه المأساة فلندع شريط أفكارنا وتصوراتنا ينساب إلى قبول أحدهم بهذه المهمة المستحيلة والكارثة المكتملة المقادير حين يحمل كيسا ثم يقدم ببلاهة فيطأ بقدميه الحافيتين على تلك الأشواك المدببة فيشعر بآلام لا تحتمل فكيف له حينئذ أن يجمع دقيقا في حجم الذرات المتناهية الصغر، المخيلة هنا ربما تتقبل هذا الأمر غير المألوف ولكن ما يلبث الشاعر إلا أن يصدمنا بجدار صلب يفضي إلى استحالة المهمة فيتوقف الخيال ويعود العقل إلى أيقونة الواقع وذلك حين يتأمل القارئ أن ذلك الجمع لذرات الدقيق المتناثرة فوق الأشواك المدببة من ذلك الحافي التعيس سيكون في يوم ريح، فانظر إلى هذه النهاية المستحيلة وقارنها بوصف الشاعر لحظه السوداوي الحالك بالغ السوء الذي يحيلنا إلى نتيجة تنعدم فيها المسامات وهي أن ليس ثمة ضوء في نهاية النفق إذ كيف للمستحيل أن يتحول إلى ضوء ! وبعيدا عن حظ إدريس جماع هذا الشاعر الذي لقبه بعض النقاد بـ(قيثارة الحزن الأبدي)، فيبدو أن الحظ السيئ هو لعنة العشاق فهذا الشاعر محمود درويش يصف حاله وهو العاشق المتيم فيقول: (أنا العاشق سيئ الحظ لا أستطيع الذهاب إليك ولا أستطيع الرجوع إلي.. تمرد قلبي علي) وبالفعل فأي تمرد أسوأ من تمرد القلب؟! على أن الحظ ليس مقصورا على المحبين والعشاق ففي حياتنا الاجتماعية صور ومواقف لمحظوظين، فمنهم من يضرب الحظ معه في مشروع صغير يكبر ويكبر فيصبح الرجل ومشروعه ممن يشار إليهم بالبنان وهذا ينطبق عليه المثل الشعبي الدارج والمتداول: (لا قام حظك باع لك واشترى لك، ولا طاح حظك لا شرى لك ولا باع)، وآخر لا يشترك في مسابقة إلا ويفوز فيها ومنهم من لا يدخل في منافسة إلا ويحقق فيها مركز الصدارة. الأكيد كما تعضده الوقائع أن الحظ وحده لا يكفي بل لابد من السعي إليه ولو أن ضوءه لا يرى بسهولة وصوته كان خافتا لا يسمع وهذا ما يشير إليه الأديب أنيس منصور الذي يرى أنه لكي تكون محظوظا فعليك (أن تصغي فإن دقات الحظ على الأبواب خافتة) وكأنى به يقول إن من يصغي جيدا سيسمع دقات الحظ الخافتة على الباب فيسارع بفتح الباب واقتناص اللحظة في وقت لا مكان فيه لمحظوظ آخر. على أن أسوأ الحظ لدى البنات والنساء هو ما يتعلق بحظوظهن في فارس الأحلام فكثير من البنات يرين أن من يحظين بالزواج دائماُ هن الأقل جمالا ومواصفات وقد يصل الأمر أن يحظى دميم الخلقة بفاتنة تصنف على أنها من ملكات الجمال والعكس صحيح ويبقى الأمر متعلقا بالحظ ثم الصبر على الابتلاء كما لا يخفى. ونبقى أخيرا مع عبدالكريم الجباري الشاعر النبطي الذي يختصر فلسفة الحظ في هذا البيت الجميل: هذي هي الدنيا حظوظ وتوافيق إما وطاك الحظ والا وطيته

مشاركة :