أبين المحررة تنفض غبار ظلام «القاعدة»

  • 5/14/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عدن: شكري حسين خمس سنوات ومحافظة أبين الأرض والإنسان في مهب الأحزان، تتجاذبها المحن والآلام، وتحيط بحياة مواطنيها عديد المنغصات قتل وتشريد ودمار وضياع ممتلكات وأموال، وحلم أجيال واغتيال لبراءة أطفال، لكن ذلك كله لم يشفع لها، فها هي تقف اليوم على صفيح ساخن من الأحداث، وتوجس وقلق كبيرين، خشية تكرار سيناريو أحداث عامي 2011 و2012، التي كانت فيها أبين، جنوب اليمن، ساحة معارك شرسة بين الجيش اليمني وعناصر تنظيم القاعدة. انتهت تلك الحرب، قبل 5 سنوات من الآن، لكن مآسيها مازالت حاضرة، وآثارها باقية، فلا تعويضات تمت، ولا مباني شيدت، ولا مؤسسات حكومية حضرت، وبقي سكانها يصرخون، وبأعلى صوت: مسنا وأهلنا الضرر، ولا مجيب غير هذا قدركم، وفي أحسن الأحوال اصبروا على مصيبتكم. هذا قدركم، بقدر ما تحمله هذه الكلمة من معنى يلامس الإيمان بالقدر خيره وشره، إلّا أنها تتضمن نداء إنسانياً، إلى كل الضمائر الحية، للمسارعة من أجل تجنيب أبين ويلات حرب قادمة، ستأتي على الأخضر واليابس، وبالتالي عدم تكرار نزوح أكثر من 160 ألف نسمة، هم سكان مديريتي خنفر وزنجبار، من منازلهم، كما حصل قبل 5 سنوات من الآن. لربما يعتقد الكثير بأن أي عملية يشنها الجيش اليمني مجدداً، على أبين، بالتعاون مع دول التحالف العربي، ستكون خاطفة وسريعة على غرار ما حصل في محافظات عدن ولحج وحضرموت، لكن واقع الحال في أبين، قد يبدو مختلفاً، خاصة وتنظيم القاعدة قد استجمع كل قواه، ودعا كل أنصاره صوب تلك البقعة، للدفاع عن وجوده أولاً، وثانياً ليؤكد أن هزيمته في المكلا، لم تكن إلّا تكتيكاً منه للزحف باتجاه عدن، والاستقرار في منطقة قريبة جداً منها، وهو ما يعني المزيد من الدمار والخراب والقتل، وهي الصورة التي مازالت عالقة على جدران الحياة في أبين، ولم تستطع بعد الخلاص منها. أبين والقاعدة لم يكن وجود القاعدة في أبين وليد اللحظة، إذ كانت هناك خلفيات نشأ في ضوئها هذا التيار، تمثلت في بروز عدد من الجماعات الأصولية المتطرفة منها (جيش عدن/أبين) وتنظيم الجهاد أو ما كانت تسمى جماعة حطاط. كما أن عودة الأفغان اليمنيين مطلع التسعينات، بدعوة من المخلوع علي عبدالله صالح، قد أسهم في نشوء هذه الجماعات التي وجدت لها أرضية خصبة مع حلول الأزمة السياسية، وصراع الفرقاء بعيد تحقيق الوحدة في حرب صيف 1994، حيث اشترك هؤلاء إلى جانب قوات الشرعية آنذاك، ضمن اتفاق مع صالح، على أن يمنحهم 50% من المناصب القيادية في المحافظات الجنوبية، إلّا أن نكث السلطة بوعودها دعاهم إلى تأسيس معسكر حطاط 40 كيلو متراً إلى الجنوب الشرقي من زنجبار. وكانت أول عملية على الأرض اختطاف سياح أجانب في مودية في ديسمبر 1998 بقيادة (أبوالحسن) قائد تنظيم جيش عدن - أبين. وتلتها أعمال خطف للسيارات وتفجير المقار الحكومية خاصة في جعار التي انفرط فيها عقد النظام فيها، بمباركة من السلطات المحلية والمركزية حينها، وما أعقب ذلك من مواجهات مفتوحة، قبل أن يستثمر المخلوع تلك الجماعات بشكل واضح وفاضح مايو 2011، حين تم تسليمها محافظة أبين، بكل مقدراتها نكاية بمعارضيه، خصوصاً وقد هدد صالح علناً بسقوط أبين بيد القاعدة قبل أسبوعين فقط من خطابه الشهير الذي انتقد فيه وبشدة المطالبين بإسقاط نظامه. وساطات أتت أكلها تحسباً لاندلاع معركة بين الجيش والقاعدة، سارعت لجنة وساطة أهلية، تم تشكيلها مؤخراً في زنجبار عاصمة أبين، للالتقاء بقيادات التنظيم، للقيام بجهود وساطة أسفرت عن اتفاق يقضي بانسحاب تلك العناصر المسلحة من أبين، وبهذا الخصوص يقول الشيخ شائع الداحوري رئيس لجنة الوساطة الأهلية بزنجبار: توصلنا إلى اتفاق يقضي بخروج القاعدة من مدن أبين خلال فترة أقصاها أسبوع، بدأت الأربعاء 4 إبريل. ويتضمن الاتفاق أيضاً، سماحاً لقوات الجيش بدخول زنجبار وجعار، وبسط الأمن فيهما وتسلم السلطات المحلية مهامها. لماذا أبين ساحة صراع دائم؟ تشكل أبين عمقاً استراتيجياً وحيوياً مهماً لعدن، باعتبارها البوابة الشرقية لها، وترتبط ارتباطاً اقتصادياً واجتماعياً بعدن، كما أن لها ثقلاً سياسياً كبيراً، إذ ينحدر منها معظم الرؤساء والقادة العسكريون والسياسيون والزعامات. ظلت أبين طوال السنوات الماضية، ساحة صراع دائم، وميداناً تركض فيه المصائب، دون غيرها من المحافظات اليمنية الأخرى، والمتتبع لمجريات الأحداث، سيجد أن أبين أكثر من اكتوت بنيران الحروب التي شهدها اليمن، ودفعت في ذلك خيرة شبابها وقياداتها، ولعل أكثرها دموية حرب القاعدة مع الجيش اليمني في الفترة من 27 مايو 2011 - 2 يونيو 2012، والتي أراد من خلالها المخلوع صالح، خلط الأوراق على الأصوات المطالبة بإسقاط نظامه عقب ثورة 11 فبراير2011م في صنعاء. يقول محسن عبداليوسفي عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني: سعت مراكز القوى النافذة، خاصة في المحافظات الشمالية، إلى زعزعة الأوضاع في جنوب الوطن، وخاصة محافظة أبين لما تمثله من ثقلٍ سياسيٍ وعسكريٍ كبيرٍ، إضافة إلى موقعها الجغرافي، حيث تتوسط محافظات الجنوب. ويضيف: من أبين تخرج معظم القادة السياسيين والعسكريين، فهي مسقط رأس الرئيسين السابقين، سالم ربيع علي سالمين، وعلي ناصر محمد، والرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، إلى جانب عدد من المسؤولين الحكوميين، وكبار ضباط الجيش، خاصة ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية. ويرى محسن: أن تسليم الرئيس السابق، للقاعدة، دون مقاومة تذكر، رغم وجود 5 ألوية عسكرية فيها آنذاك، هو إرباك لنشاط الحراك الجنوبي، وتناغمه مع ثورة الشباب في صنعاء، كما أنه رد فعل أيضاً، وانتقام من الرئيس هادي وتياره الذي أظهر تململاً بمواجهة تطورات الأحداث شمالاً وجنوباً، باعتباره صاحب الفضل عليهم بإيصالهم للسلطة بدلاً عن خصومه الجنوبيين. ويستطرد: قرب أبين من عدن (45 كم فقط) جعلها أيضاً نقطة عمليات دائمة للأطراف المتصارعة، ولعل تسليم أبين مجدداً للقاعدة، بعد أن تم طردها منها في صيف 2012، يصب في الاتجاه ذاته، ولربما انتقام من شرعية هادي. استثمار الاتفاق وإلّا.. يقول الأكاديمي في جامعة عدن د. نصر هرهرة: من الأهمية بمكان استثمار اتفاق الشخصيات الاجتماعية مع القاعدة بشكل إيجابي، يجنب أبين واليمن عموماً ويلات صراع قادم، من خلال معالجة الأسباب، وإعادة تأهيل الشباب وإدماجهم في الحياة، ومعالجة البطالة التي قادت معظم هؤلاء للانخراط في التنظيم، وتوفير فرص عمل مختلفة لهم، واستيعابهم ضمن مؤسسات الدولة. ويضيف هرهرة: لابد من القيام بتوعية الشباب والأخذ بأيديهم والعمل على انغماسهم في المجتمع بعيداً عن أشكال التطرف والعنف، مع ضرورة أن يسود العدل كل مجالات العمل، وإشراكهم في أعمال التنمية واستقرار وأمن المحافظة، باعتبار أن أبين هي موطنهم ومسقط رأس الكثير منهم، ومهمة إحلال الأمن والسكينة العامة، هي مهمتهم أيضاً، والعمل على عدم نفيهم نهائياً من المجتمع، وغير ذلك، إنما هو تدوير للمشكلة وقبض للريح. مدير عام مكتب التربية والتعليم في مديرية خنفر، يحيى اليزيدي يعتقد أن للتركيبة الاجتماعية في أبين، ووجود عدد كبير من قيادات العمل السياسي، أثراً كبيراً على وضعها الأمني والحياتي، نتيجة للأزمات المستمرة التي عانتها سوى قبل الوحدة اليمنية أو بعدها. ويضيف اليزيدي: هناك أطراف لا تريد لأبين العيش في هدوء وأمن وأمان، دافعهم في ذلك تحييد سكانها عن الوضع العام في البلد، وانشغالهم بأنفسهم، وأيضاً نكاية بالقيادات منها، ومن بينها طبعاً الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، وإظهاره أمام العالم بالرجل الضعيف، غير القادر على وضع حل مشكلة المحافظة التي ينتمي إليها، وعدم قدرته على كبح جماح القاعدة فيها، فضلاً عما تشكله أبين من ثقل سياسي وعسكري على صنع القرار. ويردف اليزيدي: لا أعتقد أن حرب القاعدة مع الجيش قبل 5 سنوات ستتكرر، أولاً لإدراك عناصر القاعدة أن الوضع قد اختلف الآن، فالجيش الذي ظل يحاربها لمدة عام كامل قد تغير، والنوايا الصادقة لقتالها وطردها من المدن والمؤسسات متوفرة عن ذي قبل، خصوصاً أن من يقف في مقدمة صفوف المواجهة اليوم، هي قوات التحالف العربي، التي لن ترضى بحال من الأحوال أن يتم تسليم أي محافظة من المحافظة المحررة لتنظيم القاعدة، وثانياً: لأن التنظيم لم يعد بتلك الشراسة والقوة التي كان عليها، بعد أن ألحقت به طائرات التحالف الكثير من الضربات الموجعة، ولعلمه أيضاً أنه سيخوض حرباً خاسرة، بعد أن تغيرت موازين القوى، فضلاً عن الرفض الشعبي، وعدم وجود الحاضنة له في أبين، كما تبين في المظاهرات التي شهدتها عاصمة المحافظة زنجبار الجمعة الماضي، والتي طالبت بخروج عناصر القاعدة من أبين، وتأكيدهم على عدم الخروج والنزوح من منازلهم، كما حصل في المرة السابقة. ويستطرد، أعتقد أن تنظيم القاعدة استوعب الدرس جيداً، وما يؤكد ذلك الأنباء المتداولة حالياً حول قبول التنظيم بالخروج من أبين وتسليمها لأبنائها، وهي خطوة إن صحت، ستصب في صالح المواطنين الذين لا يزالون يعانون التشرد والضياع في أرضهم جراء الحرب السابقة. إلى أين؟ في ظل نجاح الوساطة التي قام بها عدد من الشخصيات الاجتماعية في أبين، وقبول عناصر تنظيم القاعدة، بالانسحاب، وهو الأمر الذي بدأ فعلاً، وترجم واقعاً، من خلال تسليم عناصر القاعدة، لعدد من المرافق الحكومية، بينها ديوان السلطة المحلية في العاصمة زنجبار، ومكاتب التربية والتعليم في مديرية خنفر، للجان المشكلة لهذا الغرض، وانسحاب مجاميع منه، كانت قد اتخذت المساجد مأوى لها، وفي ظل التوقعات باستمرار عملية الخروج، وتسليم المدن لاحقاً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، إلى أين سيتجه عناصر التنظيم؟ وماذا عن قياداته بالذات المطلوبين أمنياً منهم؟ يرى عقيد سابق في الجيش اليمني، طلب عدم ذكر اسمه: أن انسحاب تلك العناصر دون تسليم أسلحتها، وإعلانها التوبة مضيعة للوقت، وخطر قد يهدد الحياة في أبين وغيرها من المحافظات المجاورة بالذات عدن، بالمزيد من الصراعات، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأفكار الشيطانية، التي يضمرها أفراده لكل ما هو جميل في الحياة. ويستطرد: أتصور أن انسحاب عناصر القاعدة من أبين، مع الإبقاء على قوتها العسكرية والبشرية، يجعل المستقبل قاتماً، ونذير شؤم على الأمن والاستقرار المرجو تنفيذه في عدد من المحافظات المحررة من قبضة ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح، ويخدم هذا الانسحاب في المقام الأول مراكز القوى في شمال اليمن، للاستفادة منها مستقبلاً في زعزعة الأوضاع مجدداً في الجنوب، على غرار ما فعل صالح منتصف عام 2011، حين تم تسليم أبين للقاعدة، أو كما فعلت الألوية العسكرية المرابطة في حضرموت بتسليم المكلا، لعناصر التنظيم مطلع شهر إبريل، من العام المنصرم، دون إطلاق رصاصة واحدة. ويقول: سيناريو مواجهات قادمة بين الجيش والقاعدة ستظل قائمة، ما لم يتم اجتثاث شجرتها نهائياً، وهو الأمر الذي يبدو في غير المتناول على الأقل في الفترة الحالية التي تمر بها البلاد، في ظروف هي الأسوأ لها على مدار تاريخها القديم والحديث. حتماً ستفرض الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش اليمني بدعم من قوات التحالف العربي في أبين واقعاً جديداً على كل الأصعدة الداخلية والخارجية، فهي من ناحية ستبرق برسائل وتطمينات مختلفة للداخل، حيث تعزيز حضور الدولة ومقدرتها على فرض السيطرة على الأوضاع أمنياً، وبالتالي تحدي كل الظروف الطارئة، وهي كذلك للخارج الذي يساوره القلق من تنامي فكر القاعدة واتساع عملياته في البلد المثقل بالكثير من الهموم والمشاكل وإظهار اليمن كدولة قادرة على تجاوز محنها المتعددة وتطمين الغرب بأن التعاون المشترك والحرب على الإرهاب قد أتيا أكلهما، وأن القادم سيكون أجمل.

مشاركة :