بجسدٍ يختزلُ في كينونته الوجود، وروحٍ تتعالى في تفاصيلها عن كونها مجرد ضربات فرشات مغموسةٍ في اللون، تحضرُ المرأة بتفاصيلٍ غامضة، ووجه مشيح عن الناظر، كأنها منشغلةٍ بشيءٍ أهم من الذي في الأمام، شيءٌ يكاد لا يبدو للمتلقي سوى مساحة مفتوحة، متاحٌ لهُ أن يملأها بالذي يريد أن يتخيله، هكذا هي المرأة في معرضٍ يحمل ذات العنوان، هو المعرض الشخصي الأول، للفنان إبراهيم خليفة، والذي افتتح مساء الثلثاء (10 مايو) مستمراً حتى (26 مايو)، بـمساحة هند للفنون، تحت رعاية خالد بن محمد كانو. في هذا المعرض الذي تنوعت خاماته، لا وجود لشيء عدى المرأة، فجميع اللوحات المعروضة تحتكرها امرأة دون سواها؛ لأنها تجسيدٌ لكل شيء؛ هي الأم، والأخت، والزوجة، والبنت، والعطاء، والديمومة، والآلهة التي دأب القدماءٌ على تجسيدها بوصفها صورة من صور استمرارية الحياة كما يبين الفنان إبراهيم، متابعاً لهذا من الطبيعي أن أجنح نحو المرأة مائلاً إليها كل الميل. يستخدم إبراهيم في معرضه العديد من الخامات، فالعديد من اللوحات نفذت على صفائح بلاستيكية من الأكريليك، والتي تستدعي أصباغاً خاصة للثبات عليها، إلى جانب استخدام صفائح الألمنوم، والكانفس، الذي استخدمت واجهتهُ الخلفية، بدلاً من الواجهة الأمامية المستخدمة عادةً، إضافة إلى عملٍ تركيبي مفاهيمي، استخدمت فيه التروس المعاد تدويرها، لتسجيد المرأة، وكل ذلك أعطى للمعرض تمايزاً عصرياً، ليس سباقاً، ولكنهُ بالتأكيد يتجاوز التقليد. في مجمل الأعمال، تشيح المرأة بوجهها، بتاجاهٍ خفي، لكن هذا الاتجاه، لا يزودُ المتلقي بأية تنبيهات حسية، مما يفتحُ المجال واسعاً للتأويل، إلا أن إبراهيم في إجابته عن سبب هذه الإشاحة الملازمة لمجمل النساء في أعماله، يقول المرأة كائنٌ عاطفي في الأصل، يمتاز برهافة إحساسه، وفيض مشاعره وحنانه، وقد عمدتُ لتجسيد كل تلك العواطف بإشاحة المرأة باتجاه شيءٍ ما، شيءٌ يدور في فلك هذه العاطفة، دون تحديد، لكنهُ يجسد الرقة والتفكير الذي يشغل عقل هذا الكائن. كثيراً ما توظف المرأة في اشتغالات الفنان إبراهيم، حول هذا التوظيف، وسيطرة المرأة على اشتغاله، يبين هناك حرب دائمة بين الذكورة والأنوثة، وإن خبئت هذه الحرب، إلا أن هناك مضامين تفضحها، خاصة في مجتمعاتنا، وكذلك على صعيد المجتمعات المتقدمة، وإن كانت بشكلٍ أخف وطأة، ولهذا نجدُ بأن هناك العديد من الأصوات التي ترتفع في الدفاع عن المرأة في مقابل الممارسات التي تقمعها وتحد من حريتها الطبيعية ككائن إنساني، ويواصل موضحاً من هذا المنطلق تبرز أهمية التأليف بكل السبل، فأنا كرجل أحاول النظر للمرأة بوصفها كائن إنساني لا يقلُ أهمية عن الرجل، ورغم بداهة هذه النظرة، إلا أن هناك الكثير ممن لا يريد أن يعيها ويمارسها بشكلٍ عملاني، لهذا أعمدُ في مجمل أعمالي لتوظيف المرأة بجمالها وأنوثتها ووجودها القائم بذاته، والذي حرصتُ بأن لا يزاحمهُ شيء، حيثُ المرأة تحتكر اللوحة، وتقدم نفسها ببساطة أخاذة.
مشاركة :