عائشة عبد الرحمن، الشهيرة بلقب بنت الشاطئ، تُعدُّ واحدة من أبرز الشخصيات النسائية في الفكر العربي الإسلامي في القرن العشرين. وُلدت عام 1913 بمدينة دمياط في شمال مصر، في كنف أسرة محافظة، حيث كان والدها عالمًا أزهريًا. كانت عائشة منذ طفولتها شغوفة بالعلم والمعرفة، وعلى الرغم من القيود الاجتماعية التي واجهتها، استطاعت أن تشق طريقها إلى قمة المشهد الفكري العربي. النشأة والتعليم: انطلاقة مبكرة نحو التميُّز نشأت عائشة في بيئة دينية علمية، حيث حرصت والدتها على تعليمها القرآن الكريم منذ الصغر. التحقت بمدرسة دمياط الابتدائية، ثم بمدرسة العباسية الثانوية للبنات في القاهرة، رغم اعتراض بعض أفراد العائلة على تعليمها. واصلت مسيرتها العلمية بكل إصرار، حيث حصلت على ليسانس اللغة العربية من جامعة القاهرة عام 1939، ثم درجة الماجستير، وبعدها الدكتوراه في الأدب العربي. إسهامات فكرية وأدبية رائدة اختارت بنت الشاطئ الكتابة كمنبر لإيصال صوتها وأفكارها، فبدأت حياتها المهنية ككاتبة صحفية في جريدة الأهرام، مستخدمة اسم “بنت الشاطئ” حفاظًا على تقاليد أسرتها. تناولت في مقالاتها القضايا الاجتماعية والثقافية والدينية، وكانت من أوائل النساء اللاتي فتحن أبواب النقاش حول قضايا المرأة من منظور إسلامي. وفي مجال البحث العلمي، برزت كواحدة من أهم الباحثات في الدراسات القرآنية. ألفت أكثر من أربعين كتابًا، من بينها التفسير البياني للقرآن الكريم وأرض المعجزات ومع المصطفى. كما أظهرت اهتمامًا بالغًا بسيرة أمهات المؤمنين، حيث قدَّمت قراءات تحليلية عميقة ألقت الضوء على أدوارهن في المجتمع الإسلامي. الريادة في العمل الأكاديمي وكانت عائشة عبد الرحمن أول أستاذة جامعية مصرية تحاضر في جامعة الأزهر، وهو إنجاز غير مسبوق في وقتها. كما عملت أستاذة زائرة في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، وأسهمت بشكل كبير في تأصيل الدراسات الإسلامية بلغة عصرية تتماشى مع تطلعات الأجيال الجديدة. حصلت بنت الشاطئ على العديد من الجوائز والتكريمات، منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1978، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، وامتدت مسيرتها الفكرية على مدى عقود، تركت خلالها إرثًا علميًا لا يزال يثري المكتبة العربية والإسلامية. وفي الأول من ديسمبر 1998، رحلت عائشة عبد الرحمن عن عمر يناهز 85 عامًا، تاركة خلفها نموذجًا فريدًا للمرأة المسلمة المثقفة. وتمثل مسيرتها الفكرية مصدر إلهام للأجيال الحالية والمقبلة، إذ أثبتت أن العلم والإبداع لا حدود لهماأ مام الإصرار والشغف.
مشاركة :