في لحظة الدخول من أبواب "بنان" تشاهد الحِرفيون يستعرضون إبداعاتهم الحِرفية تحت سقف واحد يجمع بين المئات من أصحاب الحِرف، ومن بين هذا التجمع تبرز الأبواب النجدية كرمز من رموز التراث العمراني في منطقة نجد بالمملكة العربية السعودية، وتعكس الهوية السعودية وجماليات العمارة التقليدية التي استُمدت من البيئة الصحراوية المحلية، فهذه الأبواب التي زينت بيوت نجد القديمة ليست مجرد مداخل للمنازل، بل قطعاً فنية تحمل في تفاصيلها تاريخاً طويلاً من الإبداع اليدوي والذوق الفني.تصميم بطابع التراثيتميز الباب النجدي بتصميمه الذي مزج بين الفائدة العملية منه كباب للمنزل وبين الجمال البصري، وذلك من خلال الفنون التي تشاهدها عليه من النقوش واستخدام الألوان المختلفة، وغالباً ما يستخدم خشب الأثل أو السدر في صناعته، وهما نوعان يتميزان بالصلابة والمقاومة لعوامل الطقس القاسية، ويتم تعزيز قوة الأبواب باستخدام المسامير الحديدية المصنعة يدوياً، مما يمنحها ثباتاً وشكلاً زخرفياً في الوقت ذاته.وبالنسبة للزخارف الهندسية والنقوش اليدوية فهي أبرز سمات الأبواب النجدية، وتأخذ هذه الزخارف أشكالاً مثل المثلثات، والدوائر، والخطوط المتقاطعة، مما يعكس تأثر الحرفيين بثقافة المنطقة وتقاليدها، كما تحتوي بعض الأبواب على رموز مثل النجوم والأهلة. الحِرف هي إرث الأجياليُعدّ صنع الأبواب النجدية عملاً فنياً يتطلب مهارة ودقة كبيرتين، حيث يتم الاعتماد على الحرفيين المحليين الذين توارثوا هذه المهنة عبر الأجيال، ومن هؤلاء الحرفيين أتى "عبد الله الفوزان" ليعرض منتجاته الحرفية المتخصصة بالأبواب النجدية في معرض الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية (بنان)، ليوضح من خلال مساحته أن للأبواب امتيازها الفريد في كل منطقة من مناطق نجد، فتجد الأبواب في منطقة القصيم تميزت بكثرة النقوش والتفاصيل، فيما امتازت الدرعية بفن التنقيط، وهو عبارة عن تشكيل الأشكال بالنقاط، كما وضّح أن مشاركته تأتي سعياً منه للمساهمة في إبراز تراث المملكة وإيصاله للأجيال القادمة.رمز للهوية الثقافيةلم تكن الأبواب مجرد وسيلة لدخول المنازل، بل كانت تعبيراً عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لأصحابها، فكلما زادت زخارف الباب وتعقيد تصميمه، دلّ ذلك على مكانة الأسرة المالكة له، إلى جانب ذلك، كانت الأبواب رمزاً للأمان والخصوصية، حيث حرص السكان على تصميمها لتكون متينة وقوية.جهود الحفاظ على التراثفي ظل التحولات العمرانية السريعة، بدأت الأبواب النجدية تواجه خطر الاندثار، كغيرها من المكونات التراثية، إلا أن جهوداً حثيثة ومتواصلة من قبل هيئة التراث تعمل على حماية هذا الموروث الثقافي، ويتمثل ذلك في دعم الحرفيين المحليين، وتنظيم ورش العمل، وإدراج الأبواب النجدية وغيرها من الحرف ضمن مشاريع الترميم للمباني التراثية.الأبواب النجدية في الفنون الحديثةلا تزال الأبواب النجدية تلهم الفنانين والمعماريين المعاصرين، حيث تُستخدم تصاميمها في الديكورات الداخلية والخارجية، إضافة إلى تحويل بعضها إلى قطع فنية تُعرض في المتاحف والمعارض المحلية والدولية، وهذه الجهود تُبرز أهمية هذا العنصر التراثي وتُعيد إحياء مكانته في المجتمع الحديث.
مشاركة :