لا أحد يقرأ أعمال الروائية الإنجليزية جين أوستن إلا ويفهم لماذا يقال عنها إنها من أفضل من كتب في اللغة الانجليزية. فرغم أنها لم تترعرع في عائلة ذات مكانة اجتماعية مرموقة، ولم تتزوج لكنها استلهمت حكاياتها من الكتب التي قرأتها ومن قصص صديقاتها الواقعية التي تعايشها. ولم تكتب جين أعمالاً صادمة أو مثيرة للجدل لاستقطاب ضجيج النقد، بل نجحت بهدوئها وتحليلها الواعي في كسب القلوب والقراء مسخرة قلمها لمشكلات إنسانية بحتة، قد تعترض حياة أي شخص في أي زمن ووقت، فقربتها الكتابة عن الناس منهم لتصبح أهم روائية في مجتمعها ولا تزال كذلك في باقي المجتمعات حتى هذا اليوم. إن من يقرأ روايات عظيمة مثل كبرياء وتحامل والعقل والعاطفة اللتين تسابقت السينما على تصويرهما، يدرك أن أهميتهما جاءت من كونهما حكايات تصور مشكلات المجتمع ومسرودة ببساطة متناهية تجعل من قضاياه أهم فكرة يمكن حكايتها ومناقشتها في الروايات. وكان النجاح الذي حققته جين منذ بدأت في الكتابة في سن الرابعة عشرة، أساسه كما تقول تشجيع والدها القس الفقير لها لاستكشاف عالمها من بين الكتب، فنقلت حياتها البسيطة التي عاشتها والأخرى التي سمعت عنها وقرأتها على الورق وقدمت للناس تجاربها التي منحتها الشهرة. وتمكنت جين بعدم زواجها من الاختلاف عن بقية الفتيات في مجتمعها، اللواتي كن يسعين طوال حياتهن للزواج بهدف تحسين مكانتهن الاجتماعية لأنها كما قالت لم تكن قادرة على تحمله إن كان زواجا بغير حب. ولم تقف وفاتها المبكرة وهي في الحادية والأربعين من عمرها أمام نجاحها بل ظل الناشرون يبحثون عن أعمالها بعد وفاتها، ونشرت آخر روايتين كتبتهما وهما دير نورث آنجر وإقناع اللتان سطرت آخر فصولهما وتوفيت قبل نشرهما. إن قراءة متفحصة في سيرة جين، تلهمنا الكثير عما يمكن أن تفعله امرأة بسيطة، أمسكت بخيوط السعادة التي تقول إن والدها الفقير وضعها في يدها عندما عرفها إلى قراءة الكتب فعوضها بذلك عن قلة المال وساعدها في اكتساب الشخصية القوية بالمعرفة التي نمت لديها بمطالعاتها، لتصبح معلماً أدبياً بدلاً من العيش كامرأة عادية. كانت قراءة الكتب هي المصباح الذي أنار لجين أوستن أغوار المجتمع لتسلط بدورها الضوء على قضاياه اليومية وتنجح في تخليد اسمها للأبد. باسمة يونس basema.younes@gmail.com
مشاركة :