أكد بعض الخبراء ورجال دين ومحامين أن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى منبر للقذف والشتم، مؤكدين أن هذه التصرفات التي ترتكب عبرها تمثل جريمة يعاقب عليها القانون، فيما قالت الملازم أول حياة عبدالمجيد رئيس فرع بإدارة مكافحة الجرائم الالكترونية إن الإدارة باشرت 81 واقعة قذف وسب خلال الثلث الاول من العام الجاري تمت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق، قالت الدكتورة بنة بوزبون خبيرة في الإرشاد الأسري ان السب الإلكتروني هو نشر كلمات عدائية ومبتذلة ضد شخص أو أكثر على صفحات الأخبار الإلكترونية للمجموعات، والمنتديات، والبريد الإلكتروني، وغيرها، مشيرة إلى أن أبرز الأسباب وراء هذه التصرفات هي الغيرة والتنفيس ومشاعر الغضب والفهم الخاطئ لطبيعة الشبكة العنكبوتية، اذ يعتقد البعض أن له مطلق الحرية في التعبير والنقد من خلف جهازه الالكتروني من دون مراعاة وإغفال البعض الالتزامات القانونية تجاه الآخرين، واعتقادا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بغياب الرقابة القانونية عن الشبكة العنكبوتية وصعوبة إيجادهم ومحاكمتهم عند القيام بأي جريمة الكترونية. وأوضحت ان الشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي جريمة تتعلق بالتنشئة الاجتماعية، اذ ان هناك قاعدة مهمة لابد أن نبني عليها حياتنا ونربي عليها أولادنا، وحتى نحقق هذه القاعدة لابد أن تتكاتف كل المؤسسات الاجتماعية التي من شأنها إخراج جيل ملتزم بالعادات والتقاليد والأخلاق الحميدة، وأولى هذه المؤسسات هي الأسرة التي عليها أن تعلم الطفل معنى الفضيلة واحترام الآخر، وتحثه عليها، تليها المدرسة والمسجد والجامعة ووسائل الإعلام، كل هذه المؤسسات مجتمعة تمثل منظومة اجتماعية من شأنها تدعيم فكرة تقبل كافة الآراء وعدم التعصب لقبيلة أو فكرة أو اتجاه معين، هذه أولى القيم التي من شأنها القضاء على ثقافة السب والقذف المنتشرة الآن على كل مواقع الانترنت، أما القاعدة الثانية فهي تتعلق بالشبكات الاجتماعية نفسها التي عليها أن تحدد وتطرح الجانب القانوني لعقوبة أي خروج عن القيم والعادات والآداب العامة لمستخدمها، لأنه حتى الآن المعالم القانونية التي تحكم الفضاء الالكتروني غير واضحة أو معروفة بشكل كبير، ومن هنا واعتقادا من بعض مستخدمي هذه المواقع بعدم وجود ضوابط قانونية ملزمة يتصرف بحرية ومن دون قيود أخلاقية أو قانونية. زعزعة المجتمع من ناحيته، قال الدكتور باقر النجار أستاذ علم اجتماع بجامعة البحرين انه قد لا تكون هناك أسباب واضحة تدعو البعض للسب أو القذف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اذ أن وسائط الفضاء الافتراضي، مكنت الأفراد من القيام بأفعال قد يكون من الجرأة القيام بها في الواقع، من هنا نجد أن كثيرا من الأفعال التي يجرم عليها المجتمع قد ساعد على انتشارها الفضاء الافتراضي، وهو يساعد الأفراد على التخفي وراء أسماء أو شخصيات وهمية قد يكون بالإمكان الوصول إليها ولكن بعد حين، كما أن هذا الفضاء ونتيجة لجدته فإن الأعراف والقوانين المنظمة له لم تأسس بعد فهو عالم من الفوضى الذي لا يحده حدود، ينال من الأشخاص والقيم، وربما الأديان التي لا يمكن التطاول عليها في الواقع، فهو فضاء قد يساعد أحيانا على ارتكاب الخطأ. وأكد أن التصرفات التي ترتكب عبر مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير على المجتمع وأفراده، فهو قد يدفع نحو زعزعة الثقة في أشخاص أو في معتقدات أحيانا، وربما أهم أضراره على المجتمع هو في محاولة لكسر قانون العيب في المجتمع، أي أنه يحاول خلخلة مجموعة المعايير التي وفقها ينتظم سلوك الأفراد في المجتمع الأمر الذي قد يقود إلى حالة من حالات الفوضى إذا ما سمح لهذا الفعل الاستمرار، معربا عن اعتقاده ان تعدد الحالات قد أوصلها إلى شكل من الظواهر في حالته الجنينية، أي أننا أمام مشكلة هي في طور الاتساع وخصوصا إذا ما ترك للبعض أن يتمادى فيها دون عقاب. الدين يمنع الأذى من جانبه، أشار الدكتور الشيخ زياد السعدون باحث في الشؤون الأسرية إلى أن المسلم مأمور بأن يحفظ لسانه، قال تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد{ق:18}، ورب كلمة يتفوه بها المرء فترديه، قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب. متفق عليه، وقذف المسلم من كبائر الذنوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات. وفيه: وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. متفق عليه، وسب المسلم من المحرمات. وأكد بأنه بالمعنى الشرعي هو جريمة حدية من جرائم الحدود السبعة المقررة شرعا، لصيانة أعراض الناس، فأوجبت حد القذف على القاذف وهو ثمانين جلدة، وعدم قبول شهادته في أي أمر من الأمور- ما لم يتب- وهو فاسق بنص القرآن الكريم، يقول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) سورة النور. والقذف حق من حقوق الله عز وجل، لا يسقط عن القاذف ولو عفا عنه المقذوف على رأي الحنفية، في حين يرى الجمهور أن القذف حق للمقذوف، إن شاء عفا ولو بعد وصوله إلى ولي الأمر، فشرع الإسلام حد القذف لحماية سمعة الأفراد من التلويث والتدنيس من قبل مروجي الإشاعات الكاذبة الذين لم تتحرك دوافع الإيمان في صدورهم، ولم يردعهم الضمير الإنساني عن نزوات نفوسهم المريضة، ولو لم يثبت حد القذف المقرر شرعا، بأن تخلف أحد شروط ثبوته، فإن القاذف لا يسلم من العقاب، بل للقاضي أن يعزره على ذلك، فقد علمنا يقينا أن الشريعة الإسلامية جاءت لمنع الأذى الذي ينال الناس في أعراضهم وسمعتهم، وردعت كل من تسول له نفسه الإضرار بمكانة الغير وحقوقهم الاجتماعية بالعقوبات الرادعة التي تكفل تحقيق الأمن الاجتماعي وتعاقب الذين يحاولون النيل منه. وقال: لاشك ان للأسرة دورا كبيرا في سلامة المجتمع من ظاهرة السب والقذف، فالوالدان اللذان يحافظان على سلامة ألفاظهما ويتجنبان الفحش من القول وعدم لمز الناس وغمزهم، فإن الأبناء ينشأون على عفة اللسان، وكذا ما يحصل في وسائل التواصل الاجتماعي من مشاكل تتعلق بالتشهير والسب والقذف وقد يفهم بعض الناس إن هذا من باب حرية التعبير عن الرأي والصواب أن احترام الناس وعدم التشهير بهم والطعن في أعراضهم أصل من أصول الدين، فبالتالي لا يسوغ هذا الأمر انتهاك حرمات الناس، لانه منكر عظيم، ولذا ينبغي أن تشاع ثقافة احترام الآخرين وعدم التشهير بهم بالسب والقذف وان تكون ثقافة الاحترام ثقافة مجتمعية يتعود عليها الطفل في المدرسة والبيت ويأخذها الناس من أفواه المعلمين ومن أفواه أصحاب المنابر والأقلام فإذا تكاتفت الجهود بإذن الله سيقضى على هذا السلوك السيئ والله تعالى يقول (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). الجرائم الإلكترونية في الصدد ذاته، قالت الملازم أول حياة عبدالمجيد رئيس فرع بإدارة مكافحة الجرائم الالكترونية ان الإجراءات القانونية فيما يتعلق بجرائم القذف والسب تأخذ مجراها المعتاد من البحث والتحري وجمع الاستدلالات والضبط وأخذ محاضر الاستدلال وإحالة القضية بعد استكمال كافة المتطلبات إلى النيابة العامة، والتي بدورها تقوم بالتحقيق في القضية وإحالتها للمحكمة المختصة لتأخذ العدالة مجراها، مشيرة إلى ان جرائم القذف والسب التي تم مباشرتها بلغت 81 واقعة تمت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى شهر إبريل من عام 2016م. وأوضحت ان هناك العديد من القنوات التي تيسر من عملية الإبلاغ عن أي جريمة سواء متعلقة عملية السب والقذف أو أي جريمة أخرى تتعلق بالجرائم الالكترونية، كالاتصال على الخط الساخن (992) أو الحضور الشخصي لإدارة مكافحة الجرائم الالكترونية، أو الإبلاغ في أقرب مديرية أمنية، فضلا عن وجود صفحة إلكترونية للإبلاغ في الموقع الرسمي لوزارة الداخلية، لافتة الى ان الإدارة تراعي الخصوصية في عملية الإبلاغ وتكفل كافة السبل التي من شأنها حل المشكلات التي قد يتعرض لها أي شخص للحفاظ على النسيج الأسري. وأكدت ان الإدارة دأبت بتعريف المواطنين والمقيمين بالآثار القانونية المترتبة على اساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعيفي ضوء قانون رقم (60) لسنة 2014م بشأن جرائم تقنية المعلومات وفي ضوء المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م، وذلك من منطلق أهمية دور الحملات التوعوية في التعرف على ماهية القانون وعدم العذر بالجهل والتعرف على الجرائم الالكترونية وأنواعها وخطورتها والعقوبات المترتبة عليها في سبيل الوقاية، مع إيلاء الاهتمام بفئة الشباب والنشء والتعاون مع المؤسسات التعليمية في سبيل نشر التوعية واستخدام وسائل التواصل بالشكل السليم والأمثل. العقوبات بدورها، أشارت المحامية فوزية محمد جناحي الى أنه في ظل التطور التكنولوجي السريع في وسائل الاتصال وانتشارها بين جميع الفئات، فقد ظهرت أنواع جديدة من الجرائم لم تكن معروفة قبل ذلك، وهي ما تسمى بالجرائم الإلكترونية، وتعرف الجرائم الإلكترونية بأنها أي جريمة تتضمن الحاسوب أو الشبكات الحاسوبية وتهدف إلى ارتكاب فعل معاقب عليه بدافع إجرامي، وذلك بنية الإساءة لسمعة الضحية أو لجسدها أو عقليتها، سواء كان ذلك بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة باستخدام وسائل الاتصالات الحديثة، ومن هنا تبرز نوعية جديدة من الجرائم هي جرائم السب والقذف عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. واضافت أن قانون العقوبات البحريني نظم المواد الخاصة بجريمتي القذف والسب في الفصل الرابع من القانون في المواد من 364 إلى 369، ونص على العقوبات المترتبة على ارتكاب هذه الجرائم. فعلى سبيل المثال نصت المادة (364) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار من أسند إلى غيره بإحدى طرق العلانية واقعة من شأنها أن تجعله محلا للعقاب والازدراء، وتكون العقوبة الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين إذا وقع القذف في حق موظف عام أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأديته وظيفته، أو كان ماسا بالعرض أو خادشا لسمعة العائلات، أو كان ملحوظا فيه تحقيق غرض غير مشروع، وأكدت أنه لا توجد صعوبة في إثبات نسبة هذه الجرائم للجاني إذا أقر بأنه هو من أرسل الرسائل المتضمنة للإساءة، أو كان البريد أو الرقم المرسل منه هو الرقم الشخصي المعتاد للجاني، ولكن تثور مشكلة الإثبات في غير هذه الحالات عندما يتم الإرسال من رقم مجهول الهوية أو من خلال بريد إلكتروني غير مستعمل من قبل المتهم، أو من خلال بريد إلكتروني يستخدمه أكثر من شخص، وهنا يمكن الالتجاء إلى التقنية الحديثة من خلال معرفة رقم التعريف للجهاز المرسل بواسطة خبير فني، أو ما يعرف باسم الآي بي، والذي يحدد الجهاز الذي تم الإرسال منه، ويفيد هذا في تحديد مدى نسبة الجريمة إلى المتهم بارتكابها، كما يمكن الاعتماد على كاميرات المراقبة المثبتة في مكان معين، إذا تم التأكد من أن هذا المكان هو الذي عاصر إرسال المواد المسيئة إلى المجني عليه. وأشارت الى ان إعادة وسائل التواصل إلى الطريق الصحيح تستلزم إعداد حملات توعية بكيفية استثمار وسائل التواصل الإجتماعي في تنمية الجوانب الإيجابية والبعد عن السلبيات، وأن يتم تنظيم عدد من المحاضرات حول طرق استخدام وسائل التواصل، على أن يتم ذلك في الجامعات وأماكن تجمعات الشباب باعتبارهم الشريحة الأكبر التي تستخدم هذه الوسائل، كما يجب تطوير الوسائل التقنية المساهمة في الكشف عن الجرائم الإلكترونية، والتي من ضمنها استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية في جرائم السب والقذف، وأخيرا فإنه يجب تشديد العقوبات الخاصة بالقذف والسب، وجعل الحبس وجوبيا في جرائم السب والقذف العلانية لتحقيق عنصر الردع في مثل هذه الجرائم الأخلاقية. المصدر: تحقيق: فاطمة زيد الزايد
مشاركة :