1 - مصطلحات العقل والعقلانية تم التعامل معهما من خلال إطار جدلي بين الدينيين والعلمانيين.. حتى ظهر أمام الناس الادعاء بأن العلمانيين هم دعاة العقل والعقلانية وأن الدينيين هم المناوئون المناهضون لهما.. وهذا فتح باباً آخر للجدل المقصود به تبادل التهم.. فالعلمانيون يرفعون رايات الاستنارة، وهم بذلك يلصقون تهم الظلام بالدينيين وما يشملها من دوغمائية وتَمَسُّك بالخرافة.. فيرد الدينيون بأن العلمانيين ينكرون الله وينكرون الدين وينكرون الوحي والغيب.. ويقدمون العقل على النص.. وأن العلمانيين اختطفوا معنى مصطلحات العقل والعقلانية وحولوهما إلى تهم وأرجفوا في الأرض بخصوصهما، وأظهروا الدينيين كذباً على أنهم مناهضون للعقل ومُضْطَّهدون للعقلانيين. 2 - التاريخ يقول إن مصطلح العقلانية استخدم لوصف الاتجاه المعارض للكهنوت المسيحي في عصر النهضة.. وهذا الذي ربطه في ذهن كثير من المتلقين بالعلمانية والإلحاد.. أما دارسو العقلانية فيقولون إنها ليست مذهباً أو حزباً أو فريقاً له أنصاره والمنحازون إليه سياسياً أو دينياً أو عرقياً.. بل هي نزعة ونهج في التفكير والحياة.. وهي للمفكرين وسيلة تعتمد العقل محوراً أساسياً في رؤية الأمور والأشياء.. وأن هذا المنهج في التفكير يسلكه المفكرون والفلاسفة وفقهاء الدين أيضاً.. كلٌ داخل منظومته السياسية ومذهبه الفكري أو شريعته الدينية. 3 - العقلانيون يعتبرون العقل مُوَلِّداً للمعرفة الصحيحة وهي المعرفة اليقينية.. ورغم أن المعرفة اليقينية تنبع من التجربة إلا أن العقلانيين يرون أن العقل هو الذي استخلص المعرفة من التجربة، وبذلك فإن للمعرفة اليد العليا على التجربة.. هذا فيما يخص علاقة العقلانية بالمعرفة والحياة.. أما ما يخص علاقتها بالدين فالعقلانية كما ذُكر ليست حزباً محدد الأطر والأهداف بل فِكرٌ فيه متطرفون وفيه معتدلون. 4 - في العصور الوسطى الأوروبية ظهر من العقلانيين من يدعو إلى اختبار الدعاوى الدينية بمحك عقلي.. وأنه لا يجوز الإيمان بخوارق الطبيعة والمعجزات.. كما ظهر من العقلانيين من خدم اللاهوت المسيحي.. واعتبر العقل أداة للدين.. وعملوا على توظيف الفكر الفلسفي في تبرير العقائد المسيحية والدفاع عنها.. ولعل أشهر مثال على ذلك (سبينوزا) الذي استدل كما يدعي على وجود الله ودعا إليه بطريقة عقلية استنباطية عبر سلسلة من الاستدلالات. 5 - هذا لدى غير الإسلام في الديانات الأخرى، أما في الحالة الإسلامية فقد استفاد الفقهاء المسلمون من العقلانية في تحكيم الشرع والاجتهاد لفهم الوحي وتطبيق السنة.. وتأصيل بُعْدهما الإنساني والاجتماعي فيما وراء سياقهما التاريخي.. ولعل أشهر العقلانيين المسلمين هو (ابن رشد) الذي يقول: (إن الشرع أوجب النظر بالعقل إلى الموجودات واعتبارها.. أي استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه منه).. وقد دفع (ابن رشد) حياته ثمناً لآرائه العقلانية التي استغلها أعداؤه السياسيون لا الدينيون حينما صرح بأن: (العقل هو الأساس.. وأنه إذا اختلف العقل مع الوحي أو تعارض معه، فإنه يجب تأويل الوحي بما يجعله يتفق مع العقل).
مشاركة :