د. عبد الكريم المصطفاوي يا علي هي رواية قصيرة (120 صفحة) تنتمي إلى أدب الهجرة والاغتراب، تسلط الضوء على رحلة قاسية مليئة بالمخاطر يخوضها البطل عبد الرحمن بحثًا عن حياة أفضل بعيدًا عن أهوال الحروب والمآسي التي عانى منها وطنه العراق. الرواية تجمع بين السرد الواقعي والبعد الروحي، مازجة بين معاناة المهاجرين والتأملات الفلسفية. العنوان ودلالاته: العنوان “يا علي” يعكس حضورًا رمزيًا للإمام علي بن أبي طالب كرفيق روحي للبطل. هذا العنوان يتجاوز كونه مجرد استدعاء لشخصية تاريخية، ليصبح رمزًا للصداقة والقوة والعدل التي يبحث عنها عبد الرحمن في رحلته المليئة بالعقبات. البناء السردي: الرواية تبدأ بمشهد استهلالي حيث يخاطب عبد الرحمن الإمام علي كصديق، مما يعكس وحدة البطل واعتماده على بُعد روحي لمواجهة مشقاته. الأحداث تنتقل عبر محطات متعددة، تتخللها لقاءات مع شخصيات أخرى (علياء والشاب البصراوي)، لتصل إلى نهاية مفتوحة تُبرز حالة اللا انتماء التي يعيشها البطل رغم وصوله إلى فنلندا. البداية والنهاية المتوازيتان: الجليد الذي يغلف البداية والنهاية يعبر عن دائرة الوحدة التي يعيشها البطل، مهما اختلفت الأمكنة. السرد يعتمد على التدرج الواقعي للأحداث، من المواقف الصغيرة إلى الأزمات الكبرى، مما يُبرز عشوائية الرحلة وصعوبة الهجرة غير الشرعية. الشخصيات الرئيسة: عبد الرحمن: بطل الرواية، يمثل الإنسان الممزق بين واقع الوطن القاسي وأحلام المنفى التي تتلاشى أمام برودته. تظهر في رفضه التقرب من علياء رغم ظروفهما المشتركة. علياء: الفتاة السورية التي تمثل معاناة النساء في ظروف الهجرة، لكنها تضيف بعدًا إنسانيًا للحب والارتباط، وتكشف هشاشة العلاقات في المنفى. الإمام علي: شخصية رمزية أكثر من كونها حقيقية، تظهر كمصدر قوة روحية وفكرية للبطل. الشخصيات الثانوية أيوب صديق البطل الذي يقاسمه المعاناة نفسها، لكنه لا يفكر بالهجرة حاله حال الكثيرين ممن يملكون صبرا كبيرا ينحني للصعوبات لكنه لا ينكسر، وايوب اسم له دلالته الواضحة، وطالما اقترن الصبر به. الشاب البصراوي: شخصية ثانوية تكشف عن التحولات التي تحدث للعلاقات الإنسانية في ظروف الغربة. وكذلك للفوارق في أهداف وأسباب الهجرة. الأسلوب: السرد يعتمد على التدرج الواقعي للأحداث، من المواقف الصغيرة إلى الأزمات الكبرى، مما يُبرز عشوائية الرحلة وصعوبة الهجرة غير الشرعية. الرواية تتميز بأسلوب بسيط ومباشر، لكنّه يحمل عمقًا رمزيًا يظهر في الوصف والتأملات. اللغة الرمزية: البياض والجليد يُستخدمان كرمز للبرود النفسي والوحدة التي تطغى على حياة البطل. الخطاب الفلسفي: خطاب البطل للإمام علي يمنح النص بعدًا فلسفيًا، ويُبرز قلق البطل الوجودي. التكرار البنائي: تكرار نداء “يا علي” يعكس حالة استمرارية اليأس والأمل لدى البطل. الموضوعات الرئيسة: الهجرة والاغتراب: الرواية تصور معاناة المهاجرين، بدءًا من المخاطر الجسدية إلى الوحدة النفسية. البحث عن الخلاص: استحضار الإمام علي يعكس سعي البطل للخروج من أزماته من خلال قوة روحية وعقلانية. الأخلاق والمروءة: يظهر هذا الجانب في موقف عبد الرحمن من علياء، حيث يرفض التقرب منها رغم الظروف المشتركة، مما يبرز التزامه بالمبادئ. النقد الاجتماعي والسياسي: الرواية تنتقد الأنظمة التي تدفع الشعوب إلى الهجرة، وتبرز فشل الحلم الأوروبي في تحقيق الأمان والسكينة. الدلالات النفسية الاغتراب المركب: عبد الرحمن يعاني من اغتراب مزدوج؛ اغتراب عن وطنه الذي لم يعد يحتمله، واغتراب عن منفى لم يمنحه الانتماء. الصداقة كخلاص: يرى البطل في الإمام علي نموذجًا للصديق المثالي الذي يطمئن روحه في مواجهة قسوة الحياة. التأملات الوجودية: الرواية تطرح اسئلة: معنى الحياة، الانتماء، والعدالة، من خلال استحضار مقولات الإمام علي. القيم والدروس: القيم الإنسانية: رواية “يا علي” تُعد شهادة على معاناة المهاجرين العرب في العقود الأخيرة، وتجربة إنسانية تمزج بين الواقع الاجتماعي والتأملات الروحية. القيم الادبية: من الناحية الأدبية، تقدم الرواية نصًا واقعيًا بأسلوب بسيط، لكنه غني بالدلالات الرمزية. القيم الفكرية: من الناحية الفكرية، تطرح الرواية أسئلة وجودية حول معنى الهجرة، الهوية، والصداقة، مما يجعلها نصًا ذا قيمة فلسفية واجتماعية. خاتمة الرواية: النهاية المفتوحة التي يصور فيها الكاتب لحظة انهيار عبد الرحمن وسط الثلج دون أن يقدم له أحد المساعدة، تترك القارئ مع إحساس بالحيرة والفراغ. هذه النهاية تُبرز عبثية الاغتراب، حيث لا يجد البطل خلاصًا في الوطن أو في المنفى. نجح يوسف هداي ميس في تقديم نص يحمل في طياته مزيجًا من الألم والأمل، تاركًا القارئ أمام تساؤلات عميقة عن معنى الوطن، الاغتراب، والانتماء. The post رحلة روحية وفكرية تُبرز صراع الإنسان مع واقعه ومع ذاته appeared first on جريدة الصباح الجديد .
مشاركة :