تَفَاءَلُوا بِالخَيْرِ تَجِدُوه

  • 5/15/2016
  • 00:00
  • 78
  • 0
  • 0
news-picture

التشاؤم أوسع من التفاؤل في انطباعات المعلِّقين وفي الحوارات العامَّة والخاصَّة، فلماذا أخذ التشاؤمُ بالتَّوسُّع والتفاؤلُ بالتَّراجُع في نفوس المواطنين؟ انطلاقاً من أنَّ التَّفاؤل من مواصفاتِ السَّعادة كما طرحتْها مقالتي السابقة، فسيأتي الصندوقُ السياديُّ أو صندوق الاستثمارات الوطنيَّة العامَّة في الخارج كأكبر صندوق على سطح الأرض لينوِّع مصادرَ الدخل الوطنيِّ ممَّا سيخفِّف اعتماده على النفط كمصدر وحيد أو رئيس، فهل سينعكس هذا في ظلِّ الأزمة الماليَّة العالميِّة وانخفاض سعر برميل النفط تفاؤلاً في مقالاتنا وحواراتنا وتعليقاتنا؟!!، أملي بذلك، فقد كتبتُ مقالةً عن الانعكاسات الإيجابيَّة للاتِّفاقيَّة السعوديَّة الأمريكيَّة التي وقَّعها خادمُ الحرمين الشَّريفين أثناء زيارته لأمريكا في سبتمبر 2015م على الوطن والمواطن، اتِّفاقيَّة تسمح للشَّركات الأجنبيَّة بدخول السُّوق السعوديَّة بنسبة تملُّك %100، أي بإلغاء اشتراط وجود الشريكِ السُّعوديِّ وفق الأنظمة الراهنة، انعكاسات إيجابيَّة عدَّدها الخبراءُ الاقتصاديُّون السعوديُّون وغيرهم، فعلَّق المتشائمون على مقالتي مستبعدين تلك الانعكاسات الإيجابيَّة، ليس ذلك فحسب بل قد لاحظتُ تعليقاتٍ متشائمة على مقالاتٍ أخرى كتبتُها وكتبها غيري في موضوعاتٍ أخرى، فالتشاؤم أوسع من التفاؤل في انطباعات المعلِّقين وفي الحوارات العامَّة والخاصَّة، فلماذا أخذ التشاؤمُ بالتَّوسُّع والتفاؤلُ بالتَّراجُع في نفوس المواطنين؟. وحيثُ تتوالى متغيِّراتٌ ومواقفٌ وقراراتٌ وانتخاباتٌ وتغييراتٌ في الوزراء والمسؤولين في المجتمع وفي الوطن مستهدفةً المصلحةَ العامَّة في الوطن وعلى المواطنين، فإنَّ المواطنين ينقسمون تجاهها إلى متفائلين ومتشائمين، متفائلون ينظرون إليها من جوانبها وزواياها الإيجابيَّة فيظهر لهم الخيرُ فيها أو بعضه فتنشرح صدورُهم لها بحمدٍ لله وبشكرٍ وتقديرٍ للوطن ولقياداته، فيما متشائمون ينظرون إليها من زوايا سلبيَّة فتنعكس تخوُّفاتهم منها، أو عدم الثقة في أهدافها، أو أنَّهم يعكسون أهدافاً لهم غير معلنةٍ يسعون بها للنَّيل من المجتمع أو من الوطن، وبملاحظاتي للحراك الاجتماعيِّ والثقافيِّ والوطنيِّ في السنوات الأخيرة تبيَّنتُ أنَّ تنامي التشاؤم مساحةً في النفوس وفي المشاعر، فيما يتراجع التفاؤل شعوراً وإحساساً. لذلكَ سأنقل للجميع منبِّهاً مقولةً صحيحةً تنطوي على حكمةٍ وتجربِةٍ لقائلها تستحقُّ النظر فيها فالأخذ بها، «تفاءلوا بالخير تجدوه» مقولةٌ توضِّح قولَه تعالى في الحديث القدسيِّ الصحيح وتفسِّره: «أنا عند ظنِّ عبدي إن خيراً فخيرٌ، وإن شرّاً فشرٌّ»، وفي رواية: «أنا عند ظنِّ عبدي بي، إن ظنَّ خيراً فله، وإن ظنَّ شراً فله»، والظنُّ هنا يعني الاعتقاد، فمن تفاءل واعتقد الخيرَ يسَّره اللهُ بمشيئته له، حديث قدسيٌّ يقرِّرُ المقولة السابقة بأنَّ الإنسان عندما يتفاءل بالخير يوفِّقه اللهُ للخير وعندما يتشاءم بالشرِّ ييسِّر له الشرَّ بحسب نيته وقصده وسعيه تفاؤلاً وتشاؤماً. قال رسولُ الله عليه الصلاة والسلام: «يُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ»، رواه البخاري، «وكان عليه الصلاة والسلام يحبُّ الفألَ الحسن، ويكره الطِّيَرَةَ»، حديث صحيح رواه أحمد في مسنده، والطِّيَرَةُ تعني التشاؤم من يوم معين أو إنسان معين أو زمن معين أو جهة معينة أو التشاؤم من الحياة، وكان عليه الصلاة والسلام يكره هذا كلَّه، ويحبُّ التفاؤل بالحياة مع ما يمرُّ الإنسانُ فيها من ظروفٍ ومواقفَ قاسية. ينجح في الحياة المتفائلون فيما يفشل فيها المتشائمون، فالتفاؤل يَشْحَذُ الهِمَمَ والعزائمَ، ويولِّد الطُّموحاتِ، ويعزِّز القدراتِ، ويضاعف الجهودَ والطاقاتِ، فيما التشاؤم يُخْمِدُ الهِمَمَ والعزائمَ، وينحِّي الطموحاتِ، ويبعثر القدراتِ، ويضعف الجهودَ والطاقاتِ، فانظر أيُّها القارئ أين تكون منها؟، فالتفاؤلُ يزرع الأملَ فيربِّي الإنسانَ تربيةً ذاتيَّة ليرى النورَ والجمالَ أمامه في كلِّ شيءٍ، ويبعث الطمأنينةَ والراحةَ النفسيَّة؛ فللتَفاؤلِ نكهةُ السعادة في الحياة؛ فلِتَسْعَدَ ويمرُّ وقتُك ويومك وأنت ترى بأنَّ الأشياء ستكون أجملَ وضعاً وصورةً وأفضلَ حالاً ومسيرةً، تفاءلْ؛ لِيَكُونَ غدُكَ لوحةً مشرقةَ مضيئةً ولْتَكُنْ الثقة ملازمةً للأمل والتفاؤل، فهما نافذتان تفتحان آفاقاً واسعة في الحياة. يعدُّ الناس كالمعادن، فنفوسٌ تصدأ بمللها، وأخرى تهدأ بأملها، ومنها ما تنكمش بألمها، فلْتَكُنْ أخي القارئ كما قال الرافعيُّ: الثقةُ بالله أزكى أمل، والتوكُّل عليه أوفى عمل، فالمتفائلُ يرى كأسَه مملوءةً لنصفها والمتشائم يراها فارغةً بنصفها، فقد يتحوَّل كلُّ شيءٍ ضدَّك ويبقى اللهُ معك، فكن مع الله يكن كلُّ شيءٍ معك، فالمتشائمُ قد يكون ذكيّاً ولكنَّه يتعثَّرُ في الحياة، فيما الأقلُّ ذكاءً منه يتقدَّم بتفاؤل يشحذُ طموحه ويقوِّي عزيمته، فلماذا التشاؤم والشمسُ لا تغرب يوماً ما إلا لتشرق في اليوم الآخر؟، فمن فقد ماله فقد ضاع منه شيءٌ له قيمة، ومن فقد شرفه فقد ضاع منه شيءٌ لا يقدَّر بقيمة، ومن فقد الأمل فقد ضاع منه كلُّ شيء. أحياناً يغلق اللهُ سبحانه وتعالى أمام الإنسان باباً ليفتحَ له باباً آخر أفضل منه، ولكنَّ معظم الناس يضيعُ تركيزه ووقته وطاقته ناظراً إلى الباب المغلق، بدلا من باب الأمل المنفتح أمامه على مصراعيه، فمن نظر بعين التفاؤل إلى الوجود رأى الجمال شائعاً في كل ذرَّاته، إذْ ليس المهمُّ ما يحدث للإنسان، بل المهم ما الذي سيفعله بما حدث له، فيجب أن يكون إحساسُه إيجابيّاً مهما كانت الظروف والتحدِّيات والمؤثِّرات الخارجيَّة، وإلَّا سيشيخ مبكِّراً حين تحلُّ أعذارُه محلَّ آماله، فالتفاؤل يمنحُ هدوءَ الأعصاب في أحرج الأوقات؛ فالمتفائلُ ينظر للحياة كما ينبغي أن تكونَ، فيما المتشائم ينظر إليها كما هي؛ «والمتشائمُ يرى الصعوبةَ في كل فرصة، أمَّا المتفائل فيرى الفرصةَ في كل صعوبةٍ» مقولة لتشرشل، إلاَّ أنَّ التفاؤلَ ينبغي ألاَّ يغطِّي العقلَ عمَّا ينبغي النَّظر إليه ويحول دون إعماله في شؤون الحياة الخاصَّة والعامَّة، كما أنَّ التشاؤم ينبغي ألاَّ يصرف النفسَ عمَّا في الحياة من خيرٍ وجمال.

مشاركة :