إن الفن ليس واقعة مادية صرفه، فطبيعة تأثيره تتجاوز ذلك كونه سعي لتجسيد الوجداني وفق صور مدركة، هذا الطرح أكده بول فاليري معتبرا أن عملية الخلق عند الفنان تهدف إلى إثارة عملية خلق أخرى عند المتذوق الذي يعتبر فنانا إلى حد ما، إن الرهان الفني لإدراك وإيصال القيم الجمالـية يصل إلى حد يتوخى عبره هيجل تلطيف الهمجية ومخاطـبة النفس. بهذا المعنى يمكن تقصي هذه الأبعاد في السينما باعتبارها كائنا جماليا له القدرة على دمج فنون أخرى وإرضاء رغبتنا في أن نرى العالم وقد أعيد خلقه جماليا. في هذا السياق يعتقد شاعر وفيلسوف السينما تاركوفسكي أن وصول القطار إلى المحطة للأخوين لوميير لا يعكس مجرد تقنية جديدة بل ولادة مبدأ جمالي جديد، يمكننا تعقب ذلك في خصوصيات الصورة السينمائية التي يمكن إدراكها منذ البداية عبر السيناريو الإخراجي الذي وصفه المخرج بيلابالاش أنه ليس مجرد تخطيط لعمل فني بل هو عمل فني في حد ذاته. إن السيناريست يحدد بدقة مرامي وأهداف الفيلم منذ البداية حتى تتحقق خطته النظرية نحو ممكناتها التطبيقية. تبرز كذلك هذه الجماليات من خلال الكادارج السينمائي وتعدد زوايا تصوير الأفلام، إن الكادر يحدد فضاء المنظور معيدا تشكيل مقاطعه في سعي لشد انتباه المتفرج نحو فرجة تتميز جماليا عن الرسم الفوتوغرافي المعروف بثبات المنظور داخل الإطار، بينما يتخذ الكادارج السينمائي قيمة خاصة مردها إلى استدعاء خارجه حتى لو غاب داخل الإطار، معبرا عن مساهمة الكاميرا المبدعة في تحويل الصور إلى مادة فنية، هذا ما يتحدد في اللقطة الدالة على الحد الأدنى الفيلمي إنها حسب ايزنشتاين قطعة قابلة للتلاعب. يمكن أن تكون اللقطة قريبة تعبر عن مشاعر الشخصية وتحدد نظرتها إلى الأشياء والأشخاص أو متوسطة تتخذ الجسم البشري مرجعا أساسيا كما تبدو مفضلة عند الكثير من السينمائيين الايطاليين، قد يضاف لِلّقطة المتوسطة ميزة مفتوحة، ينطبق الأمر على ما يسمى باللقطة الأمريكية أو لقطة ثلاث أرباع الجسم البشري وهي لقطة وصفية درامية صاحبت أولى الأفلام الناطقة، يفسر مارسيل مارتان في كتاب اللغة السينمائية مبرر لجوء المخرج لتنوع وتعدد القطات الفيلمية التي لا تكون على نفس الوتيرة والحجم بأن مرد ذلك مرتبط بسهولة الإدراك ووضوح الطرح، إنها تتأرجح بين الدلالة السيكولوجية والدلالة الوصفية، حيث ترتبط الأولى باللقطة القريبة التي قد تتسع أكثر فتسمى باللقطة الماكرو، إنها تكون أفضل وسيلة سيكولوجية ودرامية تستنطق بها السينما تمظهرات النفس البشرية. تتحرك كاميرا المخرج كذلك في مسعى وصفي جمالي وسيلته في تلك اللقطة البعيدة التي قد تعبر عن مكان واسع أو منظر طبيعي ممتد يمكن أن يضاف إليه البعد الدرامي التشاؤمي، من ذلك لقطة روبنسون كروزو في فيلم لويس بونويل صارخا بيأس وألم وجها لوجه أمام المحيط. تتعدد وتتنوع الأبعاد الجمالية في العرض السينمائي سواء ارتبطت بالصورة أو الصوت من إضاءة ومونتاج ومثيرات خاصة وغيرها مما يوقفنا عند اعتقاد مفاده أن الفيلم الناجح بشهادة التحليل النقدي المتخصص مرده في الأساس إلى جماليات العرض وقوة التعبير السردي التي تتميز بها اللغة السينمائية، هذه اللغة المرتبطة بالخطاب الفيلمي بإمكانها حسب تلميذ بازان وهو اريك رومر أن تقول شيئا على المستوى الانطولوجي لا تقوله الفنون الأخرى، فهي تسمح بمعرفة العالم في شكل مختلف جوهريا وتكتبه بطريقتها الخاصة. باحثة وأكاديمية من الجزائر ألفريد هتشكوك د. زهية عتوتي*
مشاركة :