وسيطرت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة) مع فصائل متحالفة معها مطلع الشهر الحالي على غالبية أحياء مدينة حلب، في إطار هجوم مباغت ضد القوات الحكومية مكّنها من الوصول الى دمشق، وإعلان إسقاط الرئيس بشار الأسد الأحد. في ثاني كبرى مدن سوريا، شاهد مراسلون لوكالة فرانس برس في المدينة بعد خروج القوات الحكومية منها، عمالا يزيلون أكوام النفايات وآخرين يصلحون شبكات كهرباء واتصالات، ومتطوعين في منظمات إنسانية يوزعون الخبز، ودوريات أمنية تجوب الشوارع ليلا، مع توقف المؤسسات والإدارات الرسمية عن العمل بعد صدمة دخول الفصائل المسلحة. وتقول ربّة المنزل ديسبينا بيدوري (61 عاما) المقيمة في حي السليمانية لوكالة فرانس برس إنه بعد انقطاع لأيام، "بدأت خدمات الكهرباء والمياه تصل الى المنازل". وتضيف "بات الحصول على الخبز سهلا للغاية، لأن الشباب يوزعونه في الحارات.. أخزّن الآن عددا من الأكياس في البراد". وأصدرت "حكومة الإنقاذ" التي تدير شؤون مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب توجيهات الى مؤسساتها "بالتوجه إلى مدينة حلب واستلام زمام الأمور لاستمرار الخدمات المقدمة للأهالي"، وفق ما يشرح مدير العلاقات في الحكومة عبد الرحمن محمّد لوكالة فرانس برس. منذ تأسيسها عام 2017، تدير هذه الحكومة التي تتبع لها وزارات ومديريات وأجهزة قضائية وأمنية مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى أقلّ نفوذا في محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة. وتتولى توفير الخدمات الرئيسية للسكان بغياب الإدارات الرسمية منذ قرابة عقد عن المنطقة. ويروي الصحافي وليد عثمان (27 عاما) الذي نزح من حلب قبل سنوات وعاد ليغطي دخول الفصائل المعارضة، أنه وجد صعوبة في توفير انترنت لارسال مواده الصحافية، لدى وصوله "بسبب انقطاع شبكات الانترنت المحلية". لكن "حكومة الإنقاذ" وفّرت الاتصالات وأعادت تفعيل أعمدة إرسال في أنحاء من المدينة، ما "ساعد على حلّ المشكلة جزئيا.. إلا أن الشبكة بحاجة لتوسعة واهتمام أكبر". "امتصاص الصدمة" على حساباتها على الانترنت، شاركت قيادة الفصائل المعارضة لائحة مخصصة لسكان مدينة حلب تضمّ أرقام مختلف المؤسسات الخدماتية للتواصل معها. ويشرح محمّد أن المؤسسة المعنية بالأفران وجمعيات إنسانية تقدّم يوميا "نحو 450 طنا من الطحين الى نحو 160 فرنا في المدينة" تنتج نحو 250 ألف كيس خبز. وشكّلت مؤسسة الكهرباء لجنة هندسية "لإدارة المحطة الحرارية والعمل على تفعيلها بكامل طاقتها في الأيام المقبلة، وبدأ ضخّ المياه لمعظم أحياء حلب". وبالتوازي، جرى تفعيل أبراج اتصالات شركة خاصة بعد قطع إرسال شركة سورية كانت تابعة للحكومة، وفق محمّد. ويضيف "عملت وزارة الداخلية على تفعيل بعض الأقسام في المدينة مثل حفظ الأمن وضبطه وتفعيل دوريات ليلية للحفاظ على ممتلكات الناس". وسادت في الأيام التي تلت سيطرة الفصائل على المدينة حالة من الصدمة. ويقول مدير منظمة بنفسج الناشطة في شمال غرب سوريا قتيبة عيسى إن عمل المؤسسات تركز في الأسبوع الأول على "امتصاص الصدمة"، وتقديم الخدمات الطبية والطوارئ وسيارات الإسعاف وخدمة المشافي، الى جانب الاهتمام بموضوع الأمن الغذائي. ويضيف "الحمدلله، الآن بدأت حلب تعود إلى شعبها وحيويتها". أكثر من ماء وكهرباء وعاد طبيب جراحة المسالك البولية ياسر درويش (45 عاما) الى مستشفى الرازي في حلب حيث كان يعمل سابقا، متطوعا مع حكومة الإنقاذ. وكان ساهم في إنشاء مرافق طبية عدة في الأحياء الشرقية التي كانت بين العامين 2012 و2016 تحت سيطرة الفصائل المعارضة. ويوضح أنه بعد وصوله، "لم يكن عدد الأطباء والممرضين يتجاوز 15 إلى 20 شخصا". لكن بعد أربعة أيام، "بات يعمل بشكل طبيعي" مع "فائض في بعض الاختصاصات"، مشيرا الى وضع خطة لسدّ الثغرات. وتبقى احتياجات المستشفيات كبيرة وسط نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية ومع شحّ في الوقود وتوقف الحافلات عن نقل الموظفين وانقطاع الكهرباء. ويقول طبيب من مدينة حلب يعمل في مستشفى رئيسي لفرانس برس، من دون كشف اسمه، إن "مسؤولين من هيئة الصحة (حكومة الإنقاذ) زاروا المستشفى للاطلاع على احتياجاته ووزعوا أرقام هواتفهم للتواصل معهم عند الحاجة". ويضيف "قالوا لنا أبلغونا إن كنتم تحتاجون الى الوقود للمولدات أو للأدوية ونحن سنوفرها لكم". وتعمل حكومة الإنقاذ على "تصدير" نموذج إدارتها لإدلب الى مدينة حلب من خلال نقل خبراتها. ويقول الباحث في معهد واشنطن أورن زلين "حتى الآن، يبدو أنهم تمكنوا من توسيع نطاق عمل هذه المؤسسات بسرعة، مع تسلّم مدنيين بالفعل زمام الأمور بعد أيام من السيطرة" على المدينة. ويرى أنها ستعمل على "نسخ النموذج الذي بنته في شمال غرب سوريا الى المناطق المحررة الجديدة". لكن توفير الخدمات والخبز ليس فقط ما يريده السكان بعد قرابة 14 عاما من نزاع مدمر عاشت المدينة التي كانت الرئة الاقتصادية للبلاد، فصولا طويلة منه. وتقول نور شهامي (52 عاما)، وهي أم لثلاثة أولاد، لفرانس برس، "الماء والكهرباء متوفران ولكننا نواجه أزمة مادية بالغة الصعوبة، بعدما أصبح جميع الشباب عاطلين عن العمل.. لا يوجد قرش في منزلنا".
مشاركة :