قاربت نكبة فلسطين في هذا الشهر السبعين من عمرها، ومع ذلك فإن الشعار الذي رفعه في هذه المناسبة قبل أيام، من بقوا صامدين على أرض فلسطين التاريخية، وحملوا رغماً عنهم جواز السفر الإسرائيلي، كان شعاراً بالغ الصراحة والعمق: يوم استقلالكم، هو يوم نكبتنا. إن رفع هذا الشعار بعد مرور 68 عاماً على ضياع الجزء الأكبر من فلسطين في العام 1948، له معنى بالغ الدلالات وسط هذه الظروف العربية المتوترة والمتعثرة، هو أن الجريمة التي ارتكبت في العام 1948، ما زالت هي الأصل المطلوب معالجته، وليس فقط الجريمة الفرعية المكملة التي ارتكبت بعد ذلك في العام 1967، واستكملت احتلال كل فلسطين التاريخية، بما في ذلك بقية أجزاء عاصمتها: القدس. ولو استعرضنا تفاصيل إدارة القضية في فصليها الأول (1948) والثاني (1967)، فسنرى أن القائمين على مشروع اغتصاب فلسطين، أي حلف الاستعمار الغربي مع الحركة الصهيونية، كانوا في كل اتجاههم نحو مستقبل القضية، يراهنون على أمر رئيسي، هو مسح ذاكرة شعب فلسطين، مع مرور السنين، ومع استفحال يأسهم من استعادة أرض جدودهم، كلما مرت على الاحتلال سنة جديدة. لكن شعب فلسطين، بكل أجزائه، تلك التي بقيت صامدة في الأراضي المحتلة 1948، أو تلك المستقرة في قطاع غزة والضفة الغربية، أو تلك الموزعة في الشتات العربي أو العالمي، تثبت في هذه الأيام بعد اقتراب عمر النكبة من ثلاثة أرباع القرن، أنها مع تتابع ثلاثة أجيال على عمر النكبة، ورغم قرب انقراض الجيل الذي عايش النكبة عند وقوعها، فإنها ما زالت متمسكة بانتمائها إلى أرض فلسطين، بالحرارة نفسها التي كانت عليها في شهر مايو/أيار 1948، شهر اكتمال المرحلة الأولى من النكبة. فلو أنك بادرت بسؤال أي طفل فلسطيني عمره عشر سنوات، ولد في أحد مخيمات الأردن أو لبنان أو سوريا في القرن الحادي والعشرين، لو بادرته بالسؤال البسيط: من أين أنت؟ فان الجواب سيأتيك أينما كنت توجه سؤالك: أنا من يافا، أو من حيفا، أو من عكا، أو من صفد. إنها صلة الرحم التي لم تنقطع بأرض الوطن التاريخي، رغم مرور الزمن، ورغم تتابع النكبة الأصلية بنكبات فرعية تفصيلية، ما زالت متواصلة حتى يومنا هذا. ولو رجعنا إلى عرب فلسطين الذين اضطروا إلى أن يحملوا جواز سفر دولة الاغتصاب الإسرائيلي، فإننا سنجد أنفسنا أمام العمق الأشد تجذراً للقضية في وجدان شعب القضية. أي واحد من هؤلاء سيقولك: أنا من فلسطين، لو سألته من أين أنت، رغم حمله لجواز السفر الإسرائيلي. هذا هو بالضبط المعادل التاريخي لنكبة 1948، وابنتها نكسة 1967، ولعل هذا المعادل هو الذي يرسب عميقاً في النفس الصهيونية، رغم إحساسها بأنها أصبحت أكثر قبولاً في بعض الأوساط العربية الرسمية. إنها النكبة، أي الجريمة الأصلية، التي أثبتت أنها ما زالت وستظل تلاحق مرتكبي الجريمة الأصلية في مايو/أيار 1948، حتى تصحيح تلك الجريمة الأصلية بالحل الذي يعادلها، أي بإنجاز عودة جميع الذين هجروا من أرض فلسطين، إلى أرض أجداهم، يقررون مصيرهم فيها، ومصيرها، بحرية كاملة.
مشاركة :