شعرية اللوحة في التجربة الفنية للعربي الحميدي

  • 12/12/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أحمد الشيخاوي لعل اللوحة في الأعمال التشكيلية للشاعر والفنان المغربي العربي الحميدي، تستمدّ قيمتها كما بُعدها الرّسالي والجمالي، من زخم ما تراكمه وتختزله نهلا عن التراث في المجمل. إن الفنان العربي الحميدي وإن نأت تجربته عن التيارات التجريدية، كي تنحاز وعلى نحو جلي، إلى خطاب الواقعية بكل مناحيه ونوافذ تمثلاته، سواء من خلال توظيف المعطى الطبيعي، أو من حيث منسوب الاشتغال على الوجوه والملامح والمرايا، ضمن فضاءات الكائن الحي، بحيث نلفيها تجربة تنبثق عن تقاطعات القصيدة واللوحة في آن، وكأننا إزاء ذات مبدعة واعية بأبجديات مثل هذا الالتزام الأدبي الرمزي، المتناغمة داخل حدود عوالمه أصداء الحرف وتأويلات الألوان. وهو طغيان في تجربة واعدة، تلتمس سبل الفرادة والاستثناء. فلا فصل هنا، تقريبا، ما بين العربي الحميدي الشاعر والفنان، حتى ليكاد المتلقي عبر عملية تواصلية جاذبة، يستهلك المضمون التشكيلي على أنه قصيدة زاخرة بدوالها وعرفانيتها وأبعادها الإستطيقية، كما يقرأ النص الشعري على أنه لوحة ملهمة بمتونها المنفتحة على تعاليم اللامحدود واللانهائي، في دورة وجودية كبرى، تترجم هوية هذا المبدع الرصين، وتعكس هشاشة شخصه. يستأثر المنجز الفني لدى الحميدي، وبحسب شهادات واعترافات بعض النقاد والدارسين لتجربته، بالتمذهب الواقعي، غير أنه لا يقبع على سكونيته وركوده ومنبت إنشائيته البارد، إذا شئنا، إذا سرعان ما يجر، إلى ما ورائيات مُجيّشة للأحاسيس، ومُجترحة لإمكانات التفاعل والانفعالات، بما يخلق الإثارة ويستفز الوعي، عند متلقف هذه الأعمال المغرقة بواقعيتها، تماما، مثلما أسلفنا. لذا، يمكننا القول، أن الحرف في لوحات الحميدي لون، مثلما أن اللون حرفا، ولهما في نظير هذه التشكيليات، تساوقا وتوأمة آسرة، مُسهلة لفهم آفاق ما تصمت عليه اللوحة من آمال وآلام تنم عن مكابدات الذات الشاعرة، وهي تحاول سكب العصارة في نخاع العمل الفني البديع الأخاذ. كما لو أننا بصدد فسيفساء لمجرد تأويل مبدئي لها، ننسى الإطارات، بل نتخطى ذلك ونجتازه، لنبحر في منطق القصيدة الملونة المفخخة ببياضات الشعري، والصامتة عن دوال تلاونه، بما هو أقدر على تذويب الحدود، ما بين الشعر والتشكيل، ومنح مثاليات التجلي، لهذا في ذاك، فلا أجناسية هنا، قد تفرض ذاتها، أو تحد من غبن الذائقة، أو جشع الوعي، في اقتناص تفاصيل الحيرة الآدمية، أمام اختبارات الحياة، أو حيازة فصول المكتوب والمستلهم من سير كائنات يوظفها الحميدي، بكل بساطة وبراءة في تجربته الفنية المغرية بحق. إنها لوحات تستدر الأزمة الإنسانية والكونية، مركّبة، وتطلقها أطوارا مُتفتِّقة عن الجزئي صوب ما هو كلي جامع، أي أنها تأخذ في طابعها التأويلي منحى تصاعديا محققا لاشتراطات عالمية اللغة ووجودية الخطاب. إن العنصر الطبيعي، وإن تبوأ سلم أولويات الحميدي، يظل الملمح الكائناتي، نسبة إلى الكائن الحي بشكل عام، يشمل عالم البشر والحيوانات والحشرات، قلت يظل هاجسا ملحا في هذه التجربة، وهو ديدن عاكس للتجذر في صفحات الموروث، بكل خلفيات ثقافة ضرورة معاودة ابتكار معانيها، أي تلك الصفحات المنسية والمعطلة، لأجل تدويرها بوعي تقدمي مغربل، غير مأخوذ بفزاعات الحداثة العجولة والمرتجلة. فالبحر ــ مثلاـــ في المعجم التشكيلي للعربي الحميدي، وإن ورد حاملا على الغموض والامتداد وحاجة الذات المقموعة إلى الثرثرة وترك الحبل على الغارب، أو حتى وإن أتى كإسقاط على واقع انشغالات الأنثوي، ليفتي ــ في الغالب ـــ بما قد يفتي به الملمح والقناع الآدمي، في النهاية، أو الحضور الحيواني، والحشري حتى، بحيث يزج بمتأوله، في مرحليات مفصلية، تستفسر وتشخّص، فوق ما تعطي حلولا، وتجيب عن أسئلة متكلّسة وراسبة. مثل هذا ما يُغدق الأهمية، على لوحات الفنان والشاعر المائز العربي الحميدي، بين مُجايليه، أو الرواد ممن سبقوه، أيضا، ولو أنه لم يحصد قدر ما تستحقه تجربته في شقّيها الشعري والتشكيلي، حتى الآن، فهو باختصار اسم يؤمن بأن اللوحة في تلون مضامينها بإطارها الشعري، كما القصيدة في ثراء وفنية متونها بتآلف وتناسق وتموسق ألوانها وأشكالها وأبعادها. فاللوحة قصيدة والقصيدة لوحة في كاتالوغاته، كاسم متعدد. The post شعرية اللوحة في التجربة الفنية للعربي الحميدي appeared first on جريدة الصباح الجديد .

مشاركة :