يزيد تحفظ حركة فتح على المقترح المصري لحكم غزة بعد الحرب، الذي سارعت حماس للقبول به كونه طوق نجاة سياسي، من تضييق الخيارات القليلة المتاحة أمام الحركة الساعية للعب دور في القطاع المحاصر عقب وقف إطلاق النار. وفي مطلع الشهر الجاري، أعلنت حماس الموافقة على مقترح مصري لتشكيل “لجنة إسناد مجتمعي” لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، لكن تحفظ حركة فتح على المقترح المصري يزيد من أزمتها ويعمق عزلتها الدبلوماسية بعد خسائرها العسكرية. وحسب مصدر في منظمة التحرير الفلسطينية، في تصريح للأناضول، فإن “اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بحثت في اجتماعها الأخير برئاسة الرئيس محمود عباس، الطرح المصري المتمثل بتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة قطاع غزة.” وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن “اللجنة التنفيذية أبدت تحفظها على مقترح لجنة الإسناد المجتمعي، وترى فيها تكريسا للانقسام الفلسطيني.” واعتبر أن “الأولى هو أن تتولى منظمة التحرير المسؤولية كاملة عن إدارة القطاع.” هاجس السلطة يرى الخبير بالشأن السياسي الفلسطيني أحمد أبوالهيجاء أن “الهاجس الأكبر للسلطة الفلسطينية يتمثل بأن تشكيل لجنة إسناد مجتمعي يعني أنها لن تعود إلى حكم قطاع غزة.” وأضاف أبوالهيجاء “نجاح اللجنة، إذا تم تشكيلها، يجعلها أقوى من الحكومة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، ويجعلها صاحبة السلطة الأقوى والأكبر في إدارة المال والإعمار إذا ما لقيت قبولا وتوافقا.” وأضاف “تتزايد المخاوف من جهة السلطة أيضا من أن تصبح اللجنة ذات قبول لتحل أيضا مكانها في الضفة الغربية لاحقا.” وقال إن “السلطة ترى أن حماس مهزومة وفي وضع صعب وقد تحصل على إدارة القطاع بحكم الأمر الواقع.” وركزت مصر، بدعم ضمني من الولايات المتحدة، على الشكل الذي قد تبدو عليه الترتيبات السياسية الفلسطينية المستقبلية في غزة. وفي محاولة لمعالجة هذا الفراغ الأمني وفي الحكم، عقدت مصر اجتماعاً بين زعماء حركة فتح وحماس في أوائل ديسمبر الجاري على أمل إنشاء لجنة حاكمة لتولي حكم غزة بمجرد انتهاء الحرب. وفي القاهرة، اقترح الوسطاء المصريون إنشاء لجنة دعم مجتمعية تتألف من محترفين وتكنوقراط فلسطينيين غير تابعين لفتح أو حماس. الديناميكيات الإقليمية المتغيرة يشير قبول حماس السريع للصيغة المصرية إلى أن المجموعة تواجه بيئة أمنية وتنظيمية مختلفة تماماً عن تلك التي واجهتها قبل تصعيد الصراع مع إسرائيل. وعندما شنت حماس هجماتها في السابع من أكتوبر 2023، فعلت ذلك وهي تعلم أنها تستطيع الاعتماد على الدعم العسكري النشط من حلفائها في حزب الله في لبنان المجاور والغطاء المالي والدبلوماسي المستمر من إيران. وبعد مرور أربعة عشر شهراً، بدا موقف ما يسمى “محور المقاومة” التابع لطهران أكثر هشاشة. فقد تصاعدت أشهر من العنف المتبادل بين حزب الله وإسرائيل على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية إلى حرب شاملة شهدت توسيع إسرائيل لحملتها العسكرية الوحشية في جنوب لبنان. وخرج حزب الله من تلك المعركة مصاباً بجروح بالغة، بعد أن فقد العديد من أعضاء قيادته بسبب القنابل الإسرائيلية. وأدى وقف إطلاق النار اللاحق في 26 نوفمبر إلى إخراج حزب الله فعلياً من الصراع في غزة. وفي غضون ذلك، كانت إيران، التي تبادلت جولات من رشقات الصواريخ مع إسرائيل، حريصة حتى الآن على الاستعانة بوكلائها من حماس وحزب الله لمواجهة إسرائيل بشكل مباشر، سعياً لتجنب اشتباك عسكري طويل الأمد مع إسرائيل. ومع تقليص هذا الدعم العسكري الإقليمي، تجد حماس نفسها أيضاً في مواجهة مشهد دبلوماسي متغير. ومنذ عام 2012، استضافت قطر القيادة السياسية لحماس بموجب اتفاق مع الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، عملت الدولة الخليجية الصغيرة كوسيط بين حماس وإسرائيل والولايات المتحدة، التي ترفض التفاوض مع المجموعة بشكل مباشر. ولكن في أوائل نوفمبر، أعلنت قطر أنها علقت دورها في التوسط في محادثات السلام في غزة، مشيرة إلى عدم الرضا عن العملية، على الرغم من أنها اقترحت منذ ذلك الحين أن المحادثات ربما تستعيد زخمها وأنها عادت مرة أخرى للتوسط. وإلى جانب العزلة المتزايدة، تكبدت حماس أيضا أضرارا عملياتية عميقة في سياق حرب غزة. وتسبب اغتيال إسرائيل مؤخرا لزعيم حماس يحيى السنوار في إحداث فراغ في القمة. وجاء ذلك بعد أن قتلت إسرائيل بالفعل الكثير من كبار القادة العسكريين والسياسيين لحماس في غزة، ناهيك عن القادة السياسيين البارزين خارج غزة مثل الزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية، الذي اغتيل في يوليو في إيران، حتى أنه ليس من الواضح من الذي يشكل قيادة حماس في غزة ، باستثناء شقيق السنوار، محمد، وهو عضو في الجناح العسكري لحماس. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان أعضاء حماس خارج غزة قادرين على التواصل مع القادة في الداخل. وفي حين تم إضعاف حماس عسكرياً وسياسياً، هناك أيضاً فرصة ضئيلة لبقائها قوة أيديولوجية قوية، قادرة على استقطاب الدعم من العديد من الفلسطينيين في غزة، فضلاً عن الضفة الغربية والشتات الفلسطيني الأوسع. ولكن ككيان حاكم، يبدو أن حماس قوة مستنفدة في المستقبل المنظور، وهو الأمر الذي يعترف به أعضاء المجموعة نفسها. وأدى الدمار في غزة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وصعوبة رسم حل طويل الأجل. ولكن عندما تنتهي الحرب في غزة، فلن يكون هناك خيار سوى مساعدة الدول العربية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً، للفلسطينيين في القطاع على إعادة البناء والسعي إلى قدر من الأمن، إذ أن الفلسطينيين الذين يعيشون هناك لا يستطيعون تحمل فشل آخر في الحكم. ولا تزال الثقة بين حماس وفتح منخفضة، كما كانت منذ استولت حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 في أعقاب مواجهة عنيفة مع فتح. ولكن حتى لو اتفقت حماس وفتح على حكومة وحدة وطنية، فإن الواقع الأوسع هو أن هذا لن يحدث ما دامت إسرائيل وحلفاؤها الدوليون، والولايات المتحدة في المقام الأول، يعارضون ذلك. وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مراراً وتكراراً بأن السلطة الفلسطينية وحماس لن تلعبا أي دور في اليوم التالي للحرب.
مشاركة :