القاهرة: د. هاني رمزي عوض أشارت دراسة حديثة لعلماء من جامعة نيوكاسل الإنجليزية إلى أن وجود توصيلات عصبية معينة في المخ قد يكون من الأسباب التي تفسر النمو السريع للفتيات أسرع من الذكور، وهو ما يبدو ملحوظا خاصة في بدايات فترة المراهقة، حيث اكتشف العلماء أن المخ يعيد ترتيب التوصيلات العصبية خلال مراحل الحياة المختلفة. وهذا الترتيب يبدأ مبكرا أكثر في الفتيات عنه في الفتيان مما قد يكون مفسرا لسرعة نمو الفتيات أكثر من أقرانهن الذكور في نفس المرحلة العمرية. ويكون المخ التوصيلات العصبية بعيدة المدى (Long - distance connections) بشكل أصعب ووقت أكبر ولكنه يعتمد عليها أكثر في وقت استدعاء المعلومة وقت الحاجة إليها، وهذه التوصيلات تبدأ مبكرا أكثر في الفتيات. * روابط عصبية وأوضحت الدراسة أنه كلما تقدم الإنسان بالعمر، فإن المخ يقوم بما يشبه التبسيط للروابط العصبية بشكل أشبه بتقليم وتهذيب الألياف العصبية (pruning) كي يخفف من الضغوط التي تتحملها خلايانا المخية، حيث إن المخ يحتفظ بتفاصيل الكثير من الخبرات الإضافية بشكل يومي (مثل جهاز الكومبيوتر الذي يحتفظ بالكثير من الملفات المهمة والملفات الأقل أهمية. ولكي يجري الحفاظ على نفس وتيرة السرعة في استدعاء المعلومة من الكومبيوتر يجب أن يقوم المستخدم بمراجعة محتوياته ومحاولة حذف الملفات غير المهمة لكي يضمن سرعة استدعاء الملفات المهمة وقت الحاجة إليها). وقد يكون هذا هو التفسير الذي يوضح عدم تعرض خلايا المخ للتلف مع تزايد العمليات الفسيولوجية والعصبية مثل المرور من اختبارات معينة، بل على العكس تماما فإن خلايا المخ تتحسن، وذلك لأن المخ يقوم بالتركيز على المعلومات المهمة فقط ويقوم (بما يشبه الاختزال والإهمال) للمعلومات الأقل أهمية في ذلك الوقت. وعلى سبيل المثال فإن الطالب الذي يحتفظ في ذاكرته بالكثير من المعلومات الدراسية قد لا يمكنه تذكر الموضع الذي وضع فيه ساعته. وأيضا كلما تقدم العمر بالإنسان سقط من ذاكرته الكثير من الأشياء، سواء المتعلقة بالمكان أو الأشخاص أو الأشياء التي اعتاد فعلها. والشخص البالغ في حالة الانتهاء من الدراسة وبعد سنوات من العمل يمكن ألا يتذكر أسماء زملائه من المرحلة الإعدادية على سبيل المثال مع أنه بكل تأكيد كان يعرف هؤلاء الأشخاص معرفة اليقين في تلك المرحلة. وقام الباحثون الإنجليز بمساعدة علماء آخرين من جامعة سيول الكورية بتجميع ودراسة أشعة المخ من 121 فردا من الأصحاء تماما تتراوح أعمارهم بين أربعة أعوام و40 عاما. وقد قاموا باختيار هذه الفئة العمرية لأنها من أكثر الفترات التي تحدث فيها تغيرات كبيرة في التوصيلات العصبية أثناء نمو المخ وتحسين وظائفه، واستخدمت في هذه الدراسة أشعة من طراز متقدم جدا وذات تقنية حديثة من الرنين المغناطيسي يمكنها من متابعة حركة الألياف العصبية (diffusion tensor imaging)، وأوضحت هذه الأشعة أن هذه الفترة (من أربعة أعوام وحتى 40 عاما) هي الفترة التي يكون المخ فيها أكثر انشغالا فيما يشبه التهذيب للمعلومات المختلفة. * ترابط المعلومات والمثير أن الباحثين وجدوا أنه في بعض التوصيلات بعيدة المدى يوجد تباين في مستوى التهذيب أو التشذيب لتلك الألياف بشكل انتقائي (selective pruning)، والتي تأثرت بنوعية تلك التوصيلات العصبية. وكان من أهم التوصيلات العصبية التي يحرص المخ على الاحتفاظ بها المعلومات التي تعتمد على الربط السريع بين أشياء معينة وتسمح بتداول المعلومات بسرعة وتحقق التناغم بين المعطيات المختلفة. وعلى سبيل المثال الربط بين الرؤية وسماع الصوت، والتي تمكن الشخص بسهولة من متابعة شيء مرئي والتركيز في الصوت في آن واحد مثل متابعة فيلم سينمائي، حيث تكون الصورة والصوت مكملين لبعضهما والربط بين أبطال الفيلم وأدوارهم في أفلام أخرى وعمل مقارنة بينهم في وقت قصير جدا، وفي حالة حدوث خلل في هذه التوصيلات يمكن أن تكون جزءا من السبب في أمراض مثل التوحد أو الصرع. وأشارت الدراسة إلى أن عملية التهذيب أثناء نمو المخ تحافظ على كفاءته وتجعله انتقائي المعلومة، حيث وجدوا أن انخفاضا كبيرا في عدد التوصيلات العصبية بين مناطق المخ المختلفة على جانبي المخ (الفص الأيمن والفص الأيسر) أثناء نمو المخ ونضجه أقل من المتوقع واستنتجوا أن ذلك نوع من أنواع الدفاع الذاتي للمخ حتى يحتفظ بشبكة عصبية ثابتة وقوية أثناء نموه. والفروق في التوصيلات المخية بين الفتيات والفتيان أمر أشارت إليه دراسات سابقة استخدمت نفس التقنية (أشعة متقدمة من الرنين المغناطيسي) لدراسة الفرق في السلوك بين الجنسين في نحو عمر 13 عاما، وتفوقت الفتيات بشكل واضح في تذكر الكلمات المختلفة، وكذلك الوجوه التي يجري عرضها عليهن، وكذلك تفوقن في الانتباه والذكاء الاجتماعي، بينما تفوق الفتيان أكثر في تذكر الأماكن والتوافق الحسي الحركي. وهذه الفروق الفسيولوجية في الألياف العصبية يمكنها تفسير الاختلاف بين الفتيات والفتيان في التصرفات والتركيز على أشياء وإهمال أشياء أخرى تنتج فروقا في السلوك. * استشاري طب الأطفال
مشاركة :