ليس من دولة في العالم كله توصف بالسعادة سوى اليمن... اليمن السعيد، ولكن هل حقا اليمن سعيد في كليته وان السعادة تعم جميع أبنائه وبناته؟ بهذا العنوان لا نعني اليمن حصرا، بل نموذجا معبرا عن مجمل الجغرافيا العربية والثقافة المشتركة التي تمتد من المحيط الى الخليج، فما نسرده باسم اليمن هو تعبير عن حال بقية الدول العربية التي تأن تحت وطئة حروبها الأهلية والعبثية بامتياز. ولأن اليمن عرف عنه باليمن السعيد، وهذا السعيد، الذي هو حكر على الرجل ومحرومة منه المرأة، هو الذي دفعنا إلى النموذج اليمني المعبر عن حال بقية الدول العربية، ورغم أن الحالة المعيشية متفاوتة بين جميع الدول العربية إلا أن الثقافة الاجتماعية مشتركة، وهذا هو لب الموضوع. موضوع اليمن في جملته يستحوذ على الكل من ناحية الحرب السائدة الطاحنة، والسلام المرتجى وشبه المستحيل... ولكن لنلقي نظرة الى جانب آخر غير الذي يشغل بال أكثر الناس من حرب وسلام وخنادق وتخندق ومؤيد لهذا الطرف ومعارض لذاك الطرف وإعلام متصارع عبر القنوات المجيرة والمجيشة ضد بعضها الآخر... وحرب الاعلام هي النسخة النفسية لحرب النحر والطعن والحرق والتدمير... هذا المشهد الدموي بارز ظاهر لا يمكن إخفاؤه ولا يمكنه أن يختفي، ولكن هذا المشهد المرعب القبيح يستمد مبررات تواجده وتفاعله وتتابعه على قاعدة اجتماعية عريضة لها ثقافة راسخة متجذرة، وهذه الثقافة هي التي توجه بوصلة المجتمع بين الحرب والسلم، بين الجمود والتقدم، بين التشبث بالقديم والتحفز للحديث والحداثة، بين التلقين والتفكير، بين الظلم والعدل. لنلق نظرة على هذه الثقافة الاجتماعية وخاصة تلك التي لها علاقة بالمرأة، لأن علاقة الرجل بالمرأة هي أساس علاقة الانسان بالانسان، فإذا صلحت علاقة الرجل بالمرأة صلحت علاقة الانسان بالانسان... فماذا نرى؟ مازالت المرأة في اليمن مضطهدة... لا فرق في ذلك بين زيد وعمرو... لا فرق بين الزيديين وغير الزيديين... بين الحوثيين وهم القلة المتمردة والأكثرية المتبقية والأقليات الأخرى إن وجدت، الكل في ثقافة التمييز ضد المرأة سواء، ومازالت إجراءات الزواج هي أقرب إلى التزويج القسري الأشبه بالبيع والشراء، ومازالت القاصرات اللاتي يستمتعن بألعاب الدمى ولا يعرفن معنى الزواج ولا مخدع الزوجية يلقى بهن في أحضان الكهول وفي أحضان فحول نهمة لا ترحم، تأكل من المائدة كلها وتخدش سطوح الآنية وتجرح نعومتها وقد تودي بالآنية إلى التلف الكامل... وهناك تلك القلة شبه النادرة التي لا حول لها ولا قوة والتي تعبر عن ثقافتها التقدمية الحديثة وهي تغرد خارج السرب التقليدي بشيء من التردد والاستحياء، وفي بعض الأحيان بشيء من الخوف والتردد. إذا فنحن شهود على ثقافة مشتركة بين فصائل متحاربة، وهذه الثقافة المشتركة هي التمييز الثابت والمقبول والمبارك ضد المرأة وبمبررات مذهبية تلامس القدسية واستحالة المساس والتغيير والارتقاء ومنها استحالة التحول من حالة التمييز ضد المرأة إلى حالة رفع التمييز عن المرأة ومحو هذا التمييز جملة وتفصيلا... تمييز ممنهج ضد الأم والأخت والزوجة والابنة والجارة والإنسانة في كليتها... شعب يحارب نفسه وثقافته مشتركة واحدة، وهي ثقافة رجعية ظالمة بحق نصف المجتمع، بحق النصف الذي حمل في أرحامه نصفه والنصف الآخر... وهذه الحرب الدائرة بين الأخوة الأعداء، كانت ما كانت النتيجة، فإن ثقافة القهر والظلم ضد المرأة ستبقى وقد تتجذر أكثر، وليس واردا عند الجهتين المتناحرتين مراجعة هذا التمييز ضد المرأة، وكلاهما لا يحملان أي مشروع اصلاحي تطويري سوى تمرد على سلطة بغية سلب السلطة وتشبث بسلطة هي في اساسها سلطة غير شرعية بالمفهوم العصري... هذه الثقافة الرجعية في مجملها، ثقافة الطائفية والقبلية والفئوية وقهر المرأة والفساد واستباحة حقوق الضعفاء بكل أنماطها، هي المسؤولة عن الحرب الأهلية في اليمن... وقس من اليمن على بقية الدول العربية التي تشهد مدنها وقراها وما بينهما من حروب أهلية تعبر عن حالة عبثية من تآكل الذات بذاته في ذاته... خلاصة الرأي أن كل الاطراف المتصارعة هي على هوى ثقافة واحدة وإن تعددت الأسماء والألقاب، وهي ثقافة عفنة عفى عليها الزمن تصيب مجتمعاتها بامراض مهلكة ومشاكل كارثية وكوارث متتالية... فكل هذه العصابات المتناحرة على مجمل الساحة العربية تقول لـ حقوق المرأة (لا) وألف (لا)... وكلها على مقاس علي بابا والأربعين حرامي، ولا واحدة منها تتبنى مشروعا لتأسيس دولة عصرية، دولة القانون وإحقاق الحق بالتساوي الانساني وبمبدأ المساواة بين المرأة والرجل، هذا المشروع ليس واردا أبدا في أذهان الأطراف المتحاربة كلها دون استثناء. فلا خير في أي خندق من خنادق الحروب الأهلية العبثية المنتشرة على مساحة الجغرافيا العربية... وليست هناك لا مؤامرة ولا تآمر ضد الشعوب العربية وضد دولها، بل أن التآمر من الداخل، تآمر من الذات ضد الذات، ويتميز هذا الصراع بأنه خارج قاعدة وحدة الأضداد، لأن القوى المتضادة هي من لون واحد وثقافة واحدة ونهج حياتي واحد ونظرة استغلالية واحدة ومشروع سلطوي واحد وتمييز مشترك وموحد ضد المرأة وبكل إصرار... المنتصر والمهزوم كلاهما من نبع واحد وكلاهما في مصب واحد وكلاهما يحارب التطور والتطوير... والذي يجري من حروب ما هي إلا حروب بين اللصوص وهم يمتطون ظهور النساء... ومازال نتاج العلاقة بين الرجـل والمـرأة، ان الـرجل العربي سعيد والمرأة العربية تعيسة... ومادامت هذه الثقافة هي السائدة فإن حالات الحرب العبثية ستتوالى حقبة بعد حقبة، وإن هي هدأت اليوم فإن هذه الثقافة ستثيرها غدا وبعد غد إلى أن يأتي ذاك اليوم السعيد حقا الذي تنقشع فيه هذه الثقافة المهلكة، وتصبح المرأة سعيدة تستمتع بالحياة مع الرجل السعيد...
مشاركة :