لم تنجح رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا بالوكالة ستيفاني خوري في توحيد الليبيين على العملية السياسية التي أطلقتها، بل تسببت في انقسام جديد يجعل نجاح مبادرتها محكوما بالفشل مع تهميش دور مجلسيْ النواب والدولة. طرابلس - أثارت تفاصل العملية السياسية التي ستطلقها رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا بالوكالة ستيفاني خوري خلال الأيام القادمة، ردود فعل واسعة في ليبيا، وتثير التكهنات بشأن قدرتها على كسر الجمود السياسي وتحريك المياه الراكدة والانطلاق نحو حوار وطني جديد في ظل الانقسام حول مبادرتها. ويرى مراقبون أن العملية السياسية التي ستقودها خوري لن تكون أفضل من غيرها لاعتبارات عدة، من بينها عدم امتلاكها أدوات تنفيذية قادرة على تغيير المشهد السياسي في البلاد التي تدفع ثمن الأطماع الداخلية والخارجية على ثرواتها وموقعها الإستراتيجي، وتخضع لحالة استقطاب شديدة ازدادت حدة في ظل الأزمات الإقليمية المتتالية. كما أن خوري تعمدت عدم التنصيص على تشكيل حكومة واحدة مقابل تهميش دوري مجلسي النواب والدولة، وهو ما لا يخدم إلا استمرار الأوضاع على ما هي عليه، بحسب المراقبين. وتدفع الدول الغربية لتنفيذ مقترح خوري، حيث رحبت خمس سفارات بإحاطتها، وعبّرت عن دعمها توحيد الحكومة الليبية ورفضها لأي مبادرات موازية للجهود الأممية، وقالت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، في بيان مشترك الثلاثاء، إن إحاطة خوري حددت نهج البعثة الأممية لدفع العملية السياسية في ليبيا. وأبدت السفارات الخمس دعمها لجهود التوصل إلى اتفاق سياسي في ليبيا يعالج التفتت المؤسسي، وتوحيد الحكومة والبلاد على نطاق أوسع، وإنشاء مسار موثوق نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة وحرة ونزيهة وشفافة، بما يتماشى مع التطلعات المشروعة للشعب الليبي ويتسق مع قرارات مجلس الأمن. وأعربت هذه الدول عن استعدادها لبذل كل ما في وسعها لضمان نجاح هذه الجهود، وتشجيع جميع أصحاب المصلحة الليبيين على المشاركة في عملية الأمم المتحدة بحسن نية وبروح التسوية، ودعت جميع الأطراف المعنية إلى الامتناع عن أي مبادرات موازية وغير منسقة، تقوض الجهود التي تقودها الأمم المتحدة، مؤكدة الالتزام بالحفاظ على استقلال ليبيا وسيادتها وسلامة أراضيها. أشرف بودوارة: خوري تتحدث عن تغيير حكومة بأخرى وإطالة أمد الأزمة الليبية أشرف بودوارة: خوري تتحدث عن تغيير حكومة بأخرى وإطالة أمد الأزمة الليبية غير أن ردود الفعل الليبية لم تتوافق على الرأي الغربي، حيث اعتبر أشرف بودوارة رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكيّة الدستورية لليبيا، أن خوري تعمل على تعقيد الأزمة الليبية وإفشال مهمة المبعوث القادم، وقال إن “أهم ما تهدف إليه مبادرة المبعوث الأممي بالإنابة رقم 11 ستيفاني خوري لإحياء العملية السياسية في ليبيا هو تعقيد الأزمة الليبية أكثر وإفشال مهمة المبعوث الذي سيأتي من بعدها.” وأشار بودوارة إلى أن خوري “لم تتحدث فيها عن دستور البلاد ولا عن نظام الحكم وشكل الحكم” كما “لم تتحدث عن سيادة وأمن الدولة الليبية ولا عن رفع المعاناة عن الشعب الليبي، ولم تتحدث عن التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الليبي”، مضيفا أنها “لم تتحدث عن وجود القوات والمعسكرات الأجنبية والمرتزقة في الأراضي الليبية، وعن إنهاء المراحل الانتقالية وإنهاء المؤسسات منتهية الولاية، إنما تتحدث عن تغيير حكومة انتقالية بأخرى انتقالية وإطالة أمد الأزمة الليبية.” وفي الأثناء، اعتبر أعضاء مجلس النواب الليبي فوزي النويري وطلال الميهوب وسالم قنان وعائشة شلابي أن “العبث بالقضية الليبية مازال مستمرا من خلال التدخلات الدولية غير المسؤولة، وغياب أي خطوات جادة وحقيقية من البعثة الأممية لإنهاء حالة الانسداد السياسي وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.” وأضاف النواب في بيان مشترك أن كلمة وإحاطة نائبة رئيس البعثة الأممية الأخيرة لم تحمل في طياتها سوى عبارات عامة ومواقف مكررة لا تلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الليبي، مشيرين إلى أن البعثة الأممية أثبتت بمواقفها المتخاذلة، أنها باتت جزءا من المشكلة بدل أن تكون وسيلة للحل، لافتين إلى أن استمرارها في هذا النهج يعد تأجيجا للأزمة وإطالة لمعاناة الليبيين، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه. وحمّل الأعضاء البعثة الأممية، ومن خلفها المجتمع الدولي، المسؤولية القانونية والأخلاقية عن استمرار معاناة الشعب الليبي وما يترتب عليها من تدهور في الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وأكدوا أن الفشل المتكرر في أداء البعثة الأممية في مهامها يضع علامات استفهام كبرى حول مدى التزامها بمساعدة الليبيين في تجاوز أزمتهم وبناء دولتهم على أسس السلام والاستقرار، مبرزين أن الليبيين بكافة أطيافهم، لن يقبلوا أن تتحول بلادهم إلى ساحة للصراعات والمصالح الدولية، ولن يسمحوا لأي طرف خارجي بالعبث بسيادتهم ومستقبلهم. وأشاروا إلى أن ليبيا لن ينقذها من هذا الوضع المتأزم والمستمر إلا تصالح الشعب كله، والتوقف عن الاتهامات المتبادلة والمزايدة بالوطنية، مؤكدين ضرورة “أن نسلّم جميعا بأن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو رمي السلاح واستعادة المدنية في كل مؤسسات الدولة، وإنهاء المركزية في الحكم بعد ذلك، يجب أن نذهب جميعا إلى انتخابات حرة ونزيهة، والتي يجب من الآن الموافقة على نتائجها دون أي شروط مسبقة أو أعذار لاحقة.” عبدالله اللافي: العملية تستند إلى مبادئ الملكية الليبية والشمولية والشفافية عبدالله اللافي: العملية تستند إلى مبادئ الملكية الليبية والشمولية والشفافية في المقابل كانت هناك أصوات أخرى ترى في مبادرة خوري جوانب إيجابية من شأنها الدفع بالعملية السياسية، حيث أوضح عضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط أن التعاون والشراكة بين مجلسي الدولة والنواب من جهة، والبعثة الأممية من جهة أخرى، يمثل المسار الأكثر جدوى لتحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية الجارية في ليبيا. واعتبر قزيط أن أي محاولة من أحد الأطراف لتهميش أو إقصاء الطرف الآخر ستؤدي إلى تعثر المسار السياسي، مردفا “إذا حاولت البعثة الأممية تهميش المجلسين أو إقصائهما، أو إذا حاول المجلسان تهميش دور البعثة أو استبعادها، فإن المسار سيتوقف في إحدى مراحله قبل الوصول إلى الهدف المنشود.” بدوره، أكد عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي دعمه الكامل والمطلق لإطلاق عملية سياسية شاملة برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مشيرا إلى أن هذه العملية تعد مسارا وطنيا ضروريا لتحقيق الاستقرار وتوحيد مؤسسات الدولة والخروج من حالة الجمود السياسي، وصولا إلى انتخابات وطنية حرة ونزيهة تحقق تطلعات الشعب الليبي. وقال في بيان إن العملية تستند إلى مبادئ الملكية الليبية والشمولية والشفافية، معتبرا أنها تأتي استكمالا للجهود السابقة، وأن نجاحها يتطلب تعزيز التنسيق الدولي وتوحيد الجهود الإقليمية والدولية لدعم هذا المسار السياسي. بدوره، ثمن عضو رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني جهود البعثة الأممية للدعم في ليبيا، وذلك خلال مقترحاتها أمام مجلس الأمن، وأكد على ضرورة أن يمتلك الليبيون إدارة المسار السياسي بأنفسهم، مع دعم الأمم المتحدة، مشددا على أهمية تشكيل فريق استشاري ليبي من خبراء مستقلين وغير جدليين، لصياغة مقترحات من شأنها معالجة القضايا السياسية والانتخابية العالقة في البلاد. وفي إحاطتها أمام مجلس الأمن، قالت خوري إنها تعتزم إنشاء لجنة استشارية محددة زمنيا مكلفة بمراجعة القضايا العالقة، وتقديم مقترحات قابلة للتطبيق لخارطة طريق شاملة لإجراء الانتخابات. وأوضحت أن اللجنة ستتألف من خبراء وشخصيات محترمة، “تعكس طيف القوى السياسية الليبية، والمكونات الاجتماعية والثقافية والجغرافية.” مشيرة إلى “أن اللجنة الاستشارية ليست مجموعة حوار لاتخاذ القرارات، بل هي لتوليد خيارات لاستخدامها في مرحلة المتابعة من قبل صناع القرار الليبيين.” وأبرزت خوري أن الوضع الراهن في ليبيا غير مستدام وقد استمر لفترة طويلة، مضيفة أن الإجراءات أحادية الجانب التي تنتهجها النخب السياسية “تسببت في تآكل المؤسسات الليبية بشكل عميق وتحويلها إلى هياكل موازية ومتنافسة”، وقالت إن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تعتزم أيضا عقد حوار منظم لتعزيز الإجماع حول رؤية وطنية موحدة لمستقبل البلاد. وأكدت أن محركات الصراع طويلة الأمد لم تعالج، ومنعت ليبيا من التحرك نحو نظام دائم للحكم يركز على رؤية جماعية مشتركة بشأن القضايا الأساسية والعلاقات بين الأفراد والدولة، معتبرة “ضمان المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة لجميع شرائح المجتمع – وخاصة النساء والشباب – يظل أولوية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لتعزيز الشمولية وبناء الوحدة الوطنية وتعزيز شرعية العملية السياسية.” وشددت نائبة الممثل الخاص على أن مجلس الأمن والجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لديها فرصة ملموسة لمساعدة الليبيين على حل خلافاتهم وإعادة توحيد المؤسسات والتحرك نحو نظام حكم ديمقراطي قائم على القواعد، وقالت “إن ليبيا لديها القدرة على أن تصبح منارة للاستقرار والازدهار لمنطقة البحر المتوسط وخارجها. إن نجاح العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة يتطلب في المقام الأول الإرادة السياسية والتزام الجهات الفاعلة الليبية بالامتناع عن الإجراءات أحادية الجانب التي تستمر في ترسيخ الانقسامات المؤسسية والاستقطاب. كما أن وحدة الهدف والدعم المنسق من شركاء ليبيا الإقليميين والدوليين أمر بالغ الأهمية.”
مشاركة :