معجب الزهراني:غياب الفكر الفلسفي في جامعاتنا أعاق تقدم الدراسات الإنسانية لدينا

  • 5/17/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

«رقص» هي الرواية والكتاب الأول للناقد الدكتور معجب الزهراني، وتعتبر التجربة الأولى روائياً للزهراني في خطوة لم تكن متوقّعة، وهو الذي عرف عنه طروحاته النقدية التي تناولت الأدب المحلي والعالمي في الرواية والشعر والفن التشكيلي. تدور أحداث الرواية بين جنوب المملكة وإحدى المدن الفرنسية، متناولة مرحلة تاريخية يتماهى فيها السياسي مع الديني مع الاجتماعي، وتسرد التفاصيل حكاية بطل الرواية وتنقلاته هرباً بين قرى جنوب المملكة والمدن الفرنسية. يقول معجب الزهراني في حواره مع «الحياة» إن قريته «الغرباء» زرعت فيه محبة العمل في الأرض والحوار مع أشجارها، لكن باريس الماكرة هي التي ورطته في غواية السفر الحر.. إلى نص الحوار: > 30 عاماً من العمل النقدي، كيف هي حال النقد اليوم؟ - قلت من قبل إن الشعر يقل كلما تكاثر الشعراء، وأظن القول ذاته ينطبق على النقد. لدينا عدد وافر من النقاد الشباب ممن نـشأ وتعلم في مـــدارس الصـحـــــــــوة ولذا تجده قوياً في اللغة العربية وعلومها التقليدية، ضعيفاً، غالباً، في اللغات الأجنبية والفكر النقدي الحديث بشقيه اللساني والجمالي. لا غرابة إذاً ألا تجد اليوم جدلاً خلاقاً تقدم فيه أطروحات جديدة حول قضايا أدبية وثقافية إلا في ما ندر، وغالباً من نقاد يشتغلون خارج المؤسسة الأكاديمية وعلى الضد منها بمعنى ما. وتكبر المفارقة حينما نتذكر أن النظريات الكبرى في النقد الحديث أصبحت متاحة للجميع، وبلغة عربية خالية تقريباً من تلك العجمة التي عادة ما تصاحب ترجمات وكتبات الرواد من الجيل السابق. ولكي أختم بما يفتح باب الأمل، فأشير إلى أن التوسع في البعثات خلال السنوات الأخيرة يمكن أن يعدل الوضع على مدى قريب أو متوسط. > ما مستقبل الخطاب النقدي المحلي مع جيل جديد متهم بتهافت الثقافة ومحدودية الإمكانات؟ - المفترض معرفياً ومنطقياً أن يتجاوز كل جيل سابقه ويضيف إليه، وإذا حدث تراجع أو جمود في أي خطاب ثقافي، فالمؤكد أنه دليل خلل ما ينبغي التوقف عنده والبحث فيه بأقصى قدر ممكن من الجدية والجرأة. نعم، سنجد كل يوم في وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الصور والأخبار عن مشاركات نقادنا الجدد، ومن الجنسين، في كثير من الفعاليات المحلية والخارجية، لكني لا أجد أثراً يذكر لتلك القراءات الخلاقة التي توقظ الذهن وتستفز الخيال وتسهم في نقل الخطاب النقدي خطوات إلى الأمام، علماً بأنها هي ما يميز الناقد الأصيل المحترف في كل وقت ومكان. قرأت أخيراً رواية «موت صغير» للكاتب المميز محمد حسن علوان، ولا أعرف أحداً من نقادنا يمكنه أن يحاورها بشكل جدي لسوء الحظ، والسبب أنها ومثيلاتها تنطوي على حمولات فكرية عالية جديدة تماماً على خطابنا الثقافي. ولكي لا نحمل الأفراد فوق طاقتهم علينا جميعاً أن نتساءل ما إذا كان للدراسات الإنسانية عموماً أن تتقدم وتنجز وتتجاوز في غياب الفكر الفلسفي الحديث المهمش أو «الممنوع» في كل جامعاتنا. > هل تعد شعبية الرواية الوطنية نتيجة طبيعية لثقافة التكتم الاجتماعي؟ - أعتقد أن الخطاب الروائي الوطني هو اليوم الأكثر جاذبية وصدقية لدى عموم القراء لأنه الأكثر جرأة على تشخيص الهامشي وترجمة المسكوت عنه في مجتمع يتحول بعسر وبطء من جماعات تقليدية «عتيقة» إلى «مجتمع مدني حديث»، كغالبية المجتمعات العربية. وعلى رغم ما يقال عن قدرة الخطاب الروائي على تمثيل الأصوات الاجتماعية بكل تنوعات طبقاتها ونبراتها وتطلعاتها، إلا أن ما يجب التذكير به دائماً هو أن الفرد المستقل وعياً ورؤية وممارسة هو خالق الرواية الحديثة وبطلها الأهم. ذهب أدورنو إلى أن الفن كله نقيض اجتماعي للمجتمع، وأضيف أن روايتنا المحلية هي النقيض الأقوى والأصدق لكل خطاباتنا التقليدية التي لم تعد تترجم هذه الذات الفردية الجديدة التي تتموضع في التصدعات وتعمل على تعميقها وتوسيعها تحقيقا لمعاني وجودها وحريتها. ولا أستبعد أن أهمية الرواية، جمالياً وتداولياً، تزداد مع ضعف أثر المسرح وغياب السينما من فضاءاتنا العامة، حتى لكأنها الشجرة الخضراء الوحيدة في مدن مليونية تشبه القفر! > يعتقد البعض أن الصحوة ألغت دوركم الشعبي وحشرتكم في زاوية نخبوية ضيقة من دون تأثير، هل تعب المثقفون اليوم من مواجهة فكر الانغلاق؟ - كان الجدل بين ممثلي الصحوة وممثلي الحداثة قوياً فعالاً منتجاً في الجهتين. لكن المنتوج يختلف نوعياً، وهذا الاختلاف هو حتماً لمصلحة الحداثة، إذ لا أظن الزمن سيحتفظ طويلاً بكتابات شعبوية تعبوية يغلب عليها منطق الوعظ التقليدي وتحتكم لتقاليد مديح الذات وهجاء الآخر والعالم، بعكس كتبات حداثية تتعزز قيمتها وتبرز مع تقدم الوقت وتطور الوعي. فمن هو القارئ الجاد الذي سيقارن كتابات القصيبي والغذامي والصويان والسريحي وتركي الحمد والبازعي ومحمد العلي وعلي الدميني ورجاء عالم، مثلاً، بكتابات رموز تلك الصحوة التي يتبين اليوم لكثيرين أنها ردة كلها. > وأنت العاشق للسفر هل بقي لديك بعض ما زرعته فيك قريتك الريفية الغرباء؟ - زرعت في قرية الغرباء محبة العمل في الأرض والحوار مع أشجارها، لكن باريس الماكرة هي التي ورطتني في غواية السفر الحر حتى وأنا مقيم. طبعاً، خفت طاقة العمل بحكم جريان النهر، أما الترحل بين البلدان واللغات والثقافات فما زال فتنة مشتهاة. ولعل الأمر يتصل بتلك الظاهرة العامة التي صاحبت بروز الفرد الإشكالي الجديد في كل المجتمعات، وقد لخصها بعض منظري الرواية بمقولة: «انتهت الرحلة أما الطريق فتبدأ الآن». > ماذا ترك فيك ربع قرن من العمل في جامعة الملك سعود قبل مغادرتها بسلفي؟ - من حسن حظي أنني انتمي إلى جيل من الأكاديميين تشكل معظمه في جامعات متنوعة أجمل ما يكون التنوع، إذ شملت بريطانيا وأميركا وألمانيا وفرنسا وتركيا، فضلاً عن زملاء فضلاء من جل الأقطار العربية. فالآفة الكبرى للتعليم العالي في أي بلد تتمثل في التجانس، الذي يشبه زواج الأقارب، وذلك لأنه يحد كثيراً من فرص الإضافات المتبادلة في وسط يفترض أن ينفتح على مختلف التجارب والثقافات والتيارات العلمية والفكرية. نعم، قد لا تكون جامعاتنا العربية كلها فضاءات مثلى للبحث والتفكير والجدل الحر، لكن تلك الندوات والمؤترات التي تنعقد بشكل منتظم في قسمنا، وفي بقية أقسام كلية الآداب، وهي الأقدم والأكبر في الجامعة، مثلت مصدر إثراء حقيقي لي ولأمثالي. ولا أنسى مصدر ثراء وسعادة كثيراً ما يبدو لي أهم وأجمل من غيره. وأعني أولئك الطلاب النابهين، من الجنسين، الذين يضطرونك إلى اختبار مدى تمثلك للمفاهيم والمقولات والنظريات، ومدى قدرتك على التواصل والتفاعل بعيداً عن تقاليد التلقين والحفظ. أما حكاية الوداع التي تحولت إلى «قضية» في وسائل التواصل العامة فبدأت بلقطة طريفة لا غير. ذهبت قبيل المغرب وطبيعي جداً ألا أجد أحداً من الزملاء الأصدقاء على كثرتهم، فحسب كثيرون أن بيني وبينهم ما كان بين الشنفرى وقومه. > تستعد المملكة لرؤيتها الجديدة المملكة 2030 والثقافة لها حظها، كيف يمكن تفعيل دورها بالنظر غلى تحديات الواقع؟ - كتبت غير مرة عن ضرورة تجاوز منطق التنمية إلى منطق النهضة الشاملة. وما أعلن عن تلك الرؤية رسمياً يدل على أمرين مهمين من هذا المنظور. الأول أن هناك جيلاً جديداً يمتلك رؤية جديدة ولغة جديدة تتناسب مع الرهانات والتحديات المطروحة على الدولة والمجتمع والدولة في مديين قريب ومتوسط. الأمرالثاني أن التحول يطمح إلى تحقيق قفزات نوعية في مختلف المجالات، التحول من اقتصاد ريعي أحادي استهلاكي إلى اقتصاد استثماري - صناعي متنوع منتج وقادرعلى المنافسة عالمياً. وفي كلتا الحالين يفترض أن تلعب الثقافة، وبمعناها الوسع دوراً محورياً في التحول، خصوصاً أن الثقافات العتيقة عادة ما تتخوف من كل تغيير جدي، وقد تقاومه بشراسة لأنه يطاول تصوراتها الثابتة للإنسان والعالم. ولأن الأمور في بداياتها فكل ما أرجوه هو أن تعي النخب الوطنية الفاعلة حقيقة بسيطة اختبرها غيرنا قبلنا، ومفادها أن كل تحول جذري لا ينبني على تمثل وإشاعة منطق العلم الحديث وتقنياته في المجتمع سيظل مجرد طموحات معلقة في فضاء الرغبات والأحلام. ومشاريع التحول التي تحققت لبلدان صغيرة مثل كوريا وسنغافورة وماليزيا يعفينا من الاستطراد في ما أظن.

مشاركة :