"العوادي" .. وسيلة نقل الحجاج وقوافل التجارة قديمًا

  • 12/18/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: مسعود بن فهد المسردي. تعرف "العوادي" بأنها الإبل الجبلية أو إبل المرتفعات أو الشّوارس وهي إبل عربية أصيلة، من أصغر أنواع الإبل حجمًا وأقواها جسمًا، وسميت بالعوادي مفردها عادية؛ لأنها تعدي قمم الجبال بيسرٍ وسهولة، وتكره في العادة مراعي الأرض الوطيّة والسُّهول، وساعدها في ذلك قوتها البدنية الهائلة. وتعد "الإبل العوادي" المعين الأول للمزارعين من سكان الجبال قديمًا في نقل محاصيلهم الزّراعية ومنتجاتهم الحيوانية وبضائعهم من بلد إلى بلد؛ عبر قمم الجبال الشاهقة، ومسارب الأودية الوعرة، كما تستخدم في حملات الحج إلى مكة وزيارة المدينة، وجلب الضائع من وإلى القدس والشام واليمن منذ آلاف السنين. ومصطلح العوادي والعاديات مستعمل منذ الأزل للإبل الجبلية، وإن كانت الأخيرة ليست مشاعة. تقول صفية بنت عبدالمطلب: فلا والعادياتِ غداة جمعٍ .. بأيديها إذا سطع الغبار وفسّر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قوله تعالى: (والعادياتِ ضبحا) بأنها الإبل، وهنا يتضح تفسيره إذا عُرِف سبب نزول السُّورة مع وضوح لغة العرب. والإبل العادِيَة والعَوادي هي التي تَرْعى الحَمْض، قَالَ كُثَيِّر عزّة: وإِنَّ الَّذِي يَنْوي منَ المالِ أَهلُها أَوارِكُ، لمَّا تَأْتَلِفْ، وعَوَادِي. ‏‎ويُرْوى: يَبْغِي ذكر امرأَةً وأَن أَهلَها يطلبُون فِي مَهْرِها مِنَ المالِ مَا لَا يُمْكن وَلَا يَكُون، كَما لَا تأْتلفُ هَذِهِ الأَوارِك والعَوَادِي، فكأَن هَذَا ضد؛ لأَنَّ العَوَادِيَ عَلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ هِيَ الَّتِي مُخْتَلِفة الطَّعْمَيْن، لأَن الخُلَّة مَا حَلا مِنَ المَرْعى، والحَمْض مِنْهُ مَا كَانَتْ فِيهِ مُلُوحَةٌ، والأَوارك الَّتِي تَرْعَى الأَراك وليسَ بحَمْضٍ وَلَا خُلَّة، إِنما هُوَ شَجَرٌ عِظامٌ. وَحَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ: "وإِبلٌ عَادِيَةٌ تَرْعَى الخُلَّة وَلَا تَرْعَى الحَمْضَ، وإِبل آرِكَة وأَوَارِك مُقِيمَة فِي الحَمْضِ؛ وأَنشد بَيْتَ كُثَيِّرٍ أَيضًا وَقَالَ: وَكَذَلِكَ العَادِيات؛ وَقَالَ: ‏‎رأَى صاحِبي فِي العَادِياتِ نَجِيبةً .. وأَمْثالها فِي الواضِعاتِ القَوامِسِ ‏‎قَالَ: ورَوَى الرَّبيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي بَاب السَّلَم أَلْبان إِبلٍ عَوادٍ وأَوارِكَ، قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرَ". وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: "فقَرَّبوها إِلى الْغَابَة تُصيبُ مِن أَثْلها وتَعْدُو فِي الشَّجَر"‏‎؛ يَعْنِي الإِبلَ أَي تَرْعى العُدْوَةَ، وَهِيَ الخُلَّة ضرب مِنَ المَرْعَى مَحبوبٌ إِلى الإِبل. وقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: "والعَادِيَةُ مِنَ الإِبل المُقِيمة فِي العِضاه لَا تُفارِقُها وَلَيْسَتْ تَرْعَى الحَمْضَ". وورد في مقدمة معجم القاموس المحيط للفيروز أبادي قوله: "مُحَمَّد خَيْرِ مَنْ حَضَرَ النَّوَادِيَ، وَأَفْصَحِ مَنْ رَكِبَ الْخَوَادِيَ [الإبل أو الخيل السريعة]، وَأَبْلَغِ مَنْ حَلَبَ الْعَوَادِيَ [الإبل التي تأكل الحَمض]. وتتعدد ألوان "الإبل العوادي"، ففيها الحمر ذات اللون الفاتح (الشّعث)، والحمر الدميّة، ويسمونها (الدّهم)، وشعرة الظبي (وهي التي حمارها مختلط ببياض)، وهناك السّمر، والصُّفر التي يخالط لونها سواد وتسمى "الظّمِي"، يقال: (ناقة ظمياء)، وبعضهم يسمّيها المُغر. وتتميز الإبل العوادي بصفاء سلالاتها، ويوجد عدد من الأسر التُّهامية والسّروية التي اشتهرت بامتلاك مرابط جيدة من الإبل العوادي، ومن أولئك قبيلة بني زَرعة من زهران مثل: المهادية في قرية شعير والبختة في قرية الحصحص.‏‏ وللعوادي أنواع منها: "الأرضية": وهي اسم للإبل العادية إذا هجّنوها مع الأوارك، وغالبًا ما يكون سنامها وجرمها جرم أركية ورأسها رأس عادية، و "العرضية"، وهي نوع متفرع من الإبل العوادي وجمعها عرضيات، وهذه لها وجود في بلاد المير، وعند بني مروان، وهي قريبة من أشكال الإبل السواحل مع اختلاف في اللون. وتوصف "الإبل العوادي" بأنها وسط بين أشكال الإبل الأوارك وبين السواحل، بينما من يتمعن فيها ويدقق النظر يرى أنها أقرب إلى شخوص العِرِبية من غيرها إلا أنها أصغر حجمًا منها. وتعرف "العوادي"، بأنها أصغر الإبل حجمًا عدا الحضانا، إذ يتراوح وزن الناقة الناضجة ما بين 250 إلى 450 كيلوجرامًا تقريبًا، وتتميز بخفتها ورشاقتها، و برؤوسها الصغيرة، ووجوهها المستدقّة، وآذانها الشُرْف الحادّة، وعراقيبها الطويلة، وأخفافها الصغيرة التي تشبه أخفاف الهجن، ووبرتها العكشاء، وأذيالها القصيرة الكحلاء، وضروعها المتوسطة. وتتميز "الإبل العوادي" بقدرتها على العيش في الجبال الشاهقة والتنقل بين القمم العالية التي يتراوح طولها إلى ألفي متر، وساعدها على ذلك قلة لحمها، وصغر أخفافها، كما تتميز بحليبها الذي يشبه مذاق العسل، وذلك لأنها تشارك النحل في اقتطاف ألذ وأحلى النباتات والأشجار والزهور، التي تنبت في الجبال، وحليبها إضافة إلى طعمه اللذيذ؛ يعد علاجًا ناجعًا لكثير من الأمراض بإذن الله. ويقول الشاعر: سند الحليس العتيبي، المتوفى سنة (١٣٢٨هـ)، وهي على لحن المجرور (القِصَيْمِي)، الذي تشتهر به قبائل الطائف: قال الحِلَيْس اللّي تَهيَّض بقافين .. مثل العسل ولاّ حليب العوادي وتعرف العوادي بأنها من ألذ الإبل لحمًا كونها تتغذى على ما لذ وطاب من الأشجار والنباتات النظيفة في أعالي الجبال، أما عبسها فهو ذو رائحة عطرة، وهو مفيد لكثير من الأمراض إذا خلط بالحليب، كما أن أبوالها مفيدة للشعر. ويشير بعض رعاة الإبل العوادي أنها من أقل الإبل تعرضًا للأمراض، لرشاقتها الدائمة ولغذائها الطبيعي في قمم الجبال، ولابتعادها عن الأجواء الملوثة التي عادةً ما تنتشر في السهول خاصة القريبة من المدن، كما لا تقبل الطلاء بالشوب؛ لذا تستخدم لها مادة تسمى "الروب" ، وتسمى هذه الطريقة "ترفيغ"، من أجل حمايتها من الحشرات الطفيلية المؤذية مثل: القردان والحلم والناموس والشذا وغيرها. وللعوادي قدرة بارعة في صعود الجبال، وتعيش غالبًا في جماعات؛ فإذا سيقت الإبل الكبار منها (الفطّر)، درج خلفها كامل القطيع في منظر ملفت وبترتيب عجيب، وأشد ما يخشى عليها من السباع، ومع أنها تحاول أن تحمي نفسها؛ إلا أنها عرضة لنهشها والفتك بها. وتنتقل الإبل العوادي من مكان إلى مكان بحثًا عن المرعى لوحدها بطريقة منتظمة، ويذكر أنها ترعى الشتاء والربيع في تهامة، فإذا جاء الصيف قامت بعض كبارها (الفطّر) بالانفراد من القطيع، والاتجاه إلى الحجاز لطلب المرعى. ومن الغرائب أن الإبل العوادي في الجبال الوعرة والأماكن الضيقة تحبو على ركبها حتى تصل إلى المياه المختبئة في أكناف الصخور . وتمتد أعمار الإبل العوادي حسب التقديرات من ٢٠ إلى ٢٥ سنة، وربما تُعمّر أكثر من ذلك، ولا يظهر أثر الهرم عليها كالإبل الأخرى، نظرًا لرشاقتها التي اكتسبتها من كثرة صعودها للجبال، وفيها نجائب من الهجن التي تدني البعيد وتشتهر بالسبق في مراكيض التحدي والافتخار. وتعيش الإبل العوادي في المملكة العربية السعودية في سلسلة جبال الحجاز، وفي إصدار وسفوح جبال السروات من جهة غور تهامة، ويتفاخر ملاكها بأنها ترعى في قمم الجبال، وهي بذلك تكون بعيدة ومتحصنة عن أعين الغزاة والطامعين. ويروي لهيئة الأنباء السعودية علي بن أحمد الخرش العمري"، من تهامة زهران، وكان أجداده ممن يمتلكون الإبل العوادي : "أن أغلب انتشار الإبل العوادي في الأودية والجبال التهامية، حيث ترعى في الشتاء أشجار السّدر والسّمر والسّلم والكداد والضهيان ومجمع الشجر، وما خشن من القشع، مثل: الثمام والقطف، وإذا حلّ الصيف رحلوا بها رعاتها إلى جبال السروات (جهة بلجرشي) ونواحيها لمدة أربعة أشهر؛ لكي تتغذّى على أشجار الطلح وماشابهه وما ينبت في جوانب جبالها من النباتات الموسمية، وكانت تطلع من تهامة إلى السّراة مع عقبة حزنة الكأداء قبل شق وسفلتة الطريق". وينقل "العمري"، عن والده أنهم كانوا يدرّبون الجمل العادي لشيل الأحمال الثقيلة في الجبال، ومن تحت الأشجار الكثيفة التي في مخانق الجبال، ويضرب مثالًا ببعير لهم كانوا يحملون عليه من المزرعة ويتركونه يتوجه لمنزلهم، فإذا مر بالقرب من شجرة كبيرة ورأى أنها ستسقط حمولته برك وزحف من تحتها حتى يتجاوزها. وللإبل العوادي حضور في الموروث الشعبي السعودي وفي الأراجيز والأمثال خاصة‏‏ فيقولون: "كما البلاد بوادي في الجمال عوادي"، وهذا يدل على قيمة الإبل العوادي، حيث يشبهونها بالبوادي الواسعة التي تشغل مساحة كبيرة من أرض الجزيرة العربية، ويقولون: "السّنادي نعبي له العوادي"، أي نجهز الإبل العوادي للجبال المرتفعة، وفي ذلك كناية عن قوة تحمل الإبل العوادي وأنه للأمور الصعبة، ويقولون أيضًا: "فلان عادي يصبرِ"، ويضرب هذا المثل للرجل الصبور على الكد والتعب وحمل الأثقال، ويقولون في بيت شعري سار مسار المثل: المال يغدي والعوادي تجي به .. مير العوادي لا غدت من يجيبها ومفاده أن المال يعوّض، لكن العوادي إن ذهبت من صاحبها وتعلّن رؤوس الجبال من يأتي بها، وقد يراد به معنى آخر أن صاحب الإبل العوادي إذا خسرها فإن تعويضها صعب للغاية كناية لندرتها وغلاها في نفوس أهلها، ويقولون في الحداء عند ما يسقون الإبل: ‏يا عوادي يجهله .. وصل المجمول هله يذكر أن المملكة العربية السعودية تزخر بأنواع من سلالات الإبل العربية الأصيلة التي لم يدخلها التهجين أمثال: "العوادي" آنفة الذكر، والأوارك، والسواحل، والحضانا والحمر العرابا". // انتهى //

مشاركة :