كان للتعليم نصيب من اهتمام الرؤية التي أطلقها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للسعودية في 2030، ووضع لها عدة خطوط عريضة في رسائل يسعى التعليم لتحقيقها خلال السنوات القادمة وتتوافق مع توجهات الرؤية ومنها: أن يدفع التعليم عجلة الاقتصاد الوطني، وأن تُسد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، وأن يتم توجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية والمهنية المناسبة. وتكررت في بنود الرؤية السعودية الخاصة بالتعليم أن تلك الرؤى التي يسعى التعليم لتحقيقها خلال السنوات القادمة ستكون عبر عدة وسائل، من أهمها "التطوير"؛ تطوير التعليم من خلال تطوير المناهج التعليمية وتطوير المواهب وبناء الشخصية. تطوير التعليم تكرر أيضا في السنوات الماضية كثيرا، من خلال طرحه كحل لمشاكل التعليم ورصدت له ميزانية كبيرة أعلنت في وقتها، وأصبح كفُرجة النور في كوة واقع التعليم لدينا. ومن واقع العمل في ميدان التعليم العام لم ألحظ خلال السنوات الثلاث الماضية -على الأقل- أي تطوير ذي جدوى في الإطار التعليمي إلا السماع عن إنشاء مدارس مطورة في بعض الأماكن بمقاييس تقنية قد لا يجيد استخدامها الكثير من المعلمين، وتغيير شكلي في أغلب في المناهج الدراسية، ودورات تدريبية بعيدة عن واقع الاحتياج العملي لمن هم في الميدان أو مبتورة بسبب عدم استكمالها. بل إن كاهل التعليم أُثقل بمتطلبات شكلية وإجراءات ورقية لا تفيد الطالب ولا تساعد في دفع عجلة التنمية الوطنية. يتحدث خبراء الاقتصاد لدينا كثيرا عن أن المملكة صرفت في السنوات العشر السابقة قرابة 1.20 تريليون ريال على التعليم العام والجامعي، منها 80 مليار ريال أعلن عنها في مايو 2014 خاصة بتطوير التعليم العام لمدة 5 سنوات. ولكن ضعف الواقع التعليمي والفجوة بين التعليم العام والتعليم العالي والفجوة الأخرى بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل تدل على أن هناك هدرا كبيرا في الموارد المالية المخصصة للتعليم كل عام، سواء كان العام أم العالي. رؤية التحول الوطني تقوم في الأساس على التنمية في الإنسان والعمل على تقديم ما يحتاجه المواطن من رعاية صحية واجتماعية وتعليمية، والأخيرة متى ما كانت متوافقة مع متطلبات العصر ومواكبة للتغيرات المستمرة ستثمر في خلق جيل بمعايير تعليمية ومهنية عالية يستطيع أن يرد الدين للإنفاق المثمر عليه في تعليمه ويسهم في رفع اقتصاد الدولة وتنميتها. الرسالة الأولى التي وضعتها الرؤية في أهدافها بالنسبة للتعليم تنطلق من ضرورة أن يكون التعليم داعما للاقتصاد الوطني لا عالة عليه. واستمرار الهدر المالي في الإنفاق غير المدروس على التعليم مع الهدر البشري بتخريج أجيال لم تحصل على احتياجات تعليمية ومهارية مناسبة للوقت الحالي لن يحقق أهداف الرؤية التي نسعى لها. هذه الضرورة في دعم التعليم للاقتصاد الوطني بتحويله من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي تحتاج إلى أن يركز التعليم على تفعيل مراكز البحوث ودعم الابتكارات ومنح براءات الاختراع للطلاب واستخدامها في السوق المحلي، هذه القفزة العلمية تحتاج إلى تطوير الأدوات التي تحققها في الطالب، المحور الأساسي للتعليم، من مناهج دراسية وإمكانات مادية في تصميم المباني والأجهزة التعليمية وتطوير للمعلمين والمنظومات الإدارية والقيادية في التعليم. وحتى لا يكون التطوير شكليا ينبغي على وزارة التعليم أن تعتمد منظومة جديدة ومختلفة في التعليم تعود الطالب من مراحله الأولى على التعلم الذاتي وتخرجه من بوتقة الحفظ والتكرار الملحوظ في المناهج الدراسية وفي أساليب التقييم وتربيه على الاهتمام بمهارات التفكير والتساؤل والبحث والاستقصاء في المسارات الإنسانية والعلمية. وأن تركز في مناهجها على الكيف لا الكم الذي يشتت الطالب بحيث يكون هذا الكيف متوافقا مع متطلبات العصر ومحققا للأهداف التنموية والاقتصادية التي تعود بالنفع على الفرد وعلى الدولة وتتيح الخيارات الوظيفية والمهنية المناسبة. تطوير المناهج لن يحقق فائدة في ظل وجود مبان مكدسة أو فارغة من التقنيات الحديثة التي ربما لو وجدت لن يستطع المعلمون التعامل معها لأسباب كثيرة، منها عدم وجود الخبرة والتدريب الكافيين أو عدم الرغبة في استخدامها. المعلم هو الضلع الثالث المهم في العملية التعليمية والذي تقوم عليه هذه العملية برمتها، والذي على وزارة التعليم الحرص على إعطائه الحقوق والتقدير المستحقين. وأن يتم تدريب وتطوير من هم في الميدان الآن بما يتوافق مع العصر ومع أهداف الرؤية القادمة ومع المناهج المعاصرة حتى لا يكون هناك هدر من نوع آخر وتصبح عملية التدريب والتطوير مجرد إجراءات ورقية وشكلية لا يستفيد منها المعلم ولا ينعكس أثرها على المتعلم. تحرير التعليم من ربقة البيروقراطية وتسلط القيادات، وسد الفجوة بين الأسرة ومؤسسات المجتمع والخلاص من الخضوع للأيديولوجيا ضرورات مهمة لأن يسير تعليمنا وفق ما يحتاجه الوقت الراهن من وجود جيل واع وقادر على التعامل مع الجديد ومتمكن من الانتقال بسلاسة بين المراحل التعليمية المختلفة، دون الحاجة لسنوات تحضيرية ترمم القصور السابق. إن الثروة البشرية لدينا من نشء متعطش للحياة ذي مهارات عقلية وفكرية واجتماعية عالية توجد الآن بين أيدينا، وعلى التعليم وأنظمته ومناهجه والقائمين عليه ألا يقتلوا هذه الروح المتوقدة ولا أن يطمسوا ملامح الابتكار والتفوق والإبداع التي يوجد احتمال واحد منها في كل طفل بيننا باستخدام مناهج تعليمية تقليدية أو طرائق قديمة تجعل الجيل في غربة مع عصره، ثم تجعل منه عالة على اقتصاد دولته وعلى خطط التنمية. كما توجد لدينا موارد مالية عالية مخصصة للتعليم ينبغي أن تسلم من الفساد والهدر في استخدامها، وأن توجه بما يتناسب مع الرؤى الخاصة التي تخدم الفرد والوطن.
مشاركة :