بعد قرابة 3 سنوات تدخل الحرب في أوكرانيا، ما يمكن أن تكون مرحلتها النهائية، ويبدو أن التوصل إلى اتفاق لإنهائها بات مرجحاً الآن أكثر من أي وقت مضى. وفي الأثناء، وضعت عودة دونالد ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض الجميع في حالة ترقب. ذلك أن ترامب تعهد بإنهاء الحرب بسرعة، وهو لن يعوزه النفوذ لفعل ذلك – إذ يستطيع وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا إن رفضت التفاوض، وزيادتها إن رفض بوتين الجلوس إلى طاولة المفاوضات، غير أنه على الرغم من أنها مقترحات مختلفة للتوصل إلى صفقة قد طُرحت وتدولت في المجالس الخاصة والعامة، إلا أنه من غير الواضح ما إن كانت لدى ترامب خطة قابلة للتطبيق. بيد أن صفقة ما سيتم التوصل إليها في نهاية المطاف؛ ولهذا، فإنه آن الأوان للتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، غير أنه أياً تكن الأمور التي سيتم الاتفاق عليها، فإن أوكرانيا ستظل مجاورة لجارة كبيرة وقوية يمكن أن تقوم بمهاجمتها مرة أخرى. ولهذا تحوّل الحديث إلى الضمانات الأمنية في حال استخف بوتين بشروط تسوية سياسية. والجدير بالذكر هنا أنه حينما التقى زيلينسكي مع ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس هذا الشهر- وهو أول اجتماع شخصي لزيلينسكي مع ترامب منذ الانتخابات - اغتنم الفرصة للتأكيد على أهمية مثل هذه الضمانات. وفيما يلي 4 سيناريوهات محتملة لأمن أوكرانيا في المستقبل. زيلينسكي يرغب في الحصول على عضوية حلف «الناتو»، ولكن هذا الأمل لن يتحقق على الأرجح. ذلك أنه لا بد من الإجماع من أجل قبول عضو جديد في حلف الناتو، والمرة الوحيدة التي كان فيها الحلف أقرب إلى أن يكون على قلب رجل واحد بشأن أوكرانيا كانت في 2008، حينما أعلن الحلف أن أوكرانيا ستنضم إليه في المستقبل في تاريخ غير محدد. ويعزى ذلك الغموض إلى انقسامات ما زالت قائمة حتى اليوم، إذ تفيد تقارير بأن 7 بلدان على الأقل من بلدان الناتو «تعارض» انضمام أوكرانيا أو ترغب في تأجيله إلى أجل غير مسمى، بما في ذلك الولايات المتحدة - فقد قال مستشارون كبار لترامب، إن العضوية غير مطروحة على الطاولة. السيناريو الآخر يتمثل في إمكانية أن يتعهد تحالف يضم مجموعة من البلدان الراغبة بحماية أوكرانيا؛ ولكن المشكلة تكمن في أن أوكرانيا تريد أن تكون الولايات المتحدة من بين الدول الضامنة. ذلك أنها تنظر إلى حلف «الناتو» باعتباره ضمانة حماية أميركية بالأساس، ولن تعتبر أي تحالف موثوقاً به إذا لم يكن مدعوماً بقوات وأسلحة أميركية. والحال أن ترامب، الذي يسعى ليس فقط إلى إنهاء الحرب من دون تقديم أي وعد بحماية أوكرانيا، ولكن أيضا إلى تقليص التزامات أميركا الأمنية في أوروبا بشكل عام، من المستبعد أن يوافق على أي اتفاق من هذا القبيل. تصريحات ترامب والأشخاص الذين اختارهم لتولّي أعلى المناصب في السياسة الخارجية والأمن القومي تشير إلى أن القوة العسكرية الأميركية ستوجه بشكل متزايد نحو آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصين. وعلاوة على ذلك، ولأسباب جغرافية بسيطة، سيظل أمن أوكرانيا دائماً مهماً للأوروبيين أكثر من الأميركيين. ولهذا، فإنه من الحكمة توقع دور عسكري أميركي أقل في أوروبا، دور سيتطلب من الأوروبيين تحمل عبء أكبر في الدفاع عن أنفسهم، على أقل تقدير، وربما حتى المسؤولية الرئيسة عن حماية أوكرانيا. كيف يمكن أن تبدو مرحلة أخيرة تتولى فيها أوروبا زمام المبادرة؟ الواقع أن دولاً أوروبية عدة بحثت إمكانية نشر قوات في أوكرانيا في مرحلة ما بعد الحرب. فالأسبوع الماضي، التقى ماكرون، الذي شدد على ضرورة أن تفعل أوروبا المزيد من أجل الدفاع عن نفسها، مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، لدراسة إمكانية نشر جنود أوروبيين في أوكرانيا عقب تسوية سلمية، ولكن توسك صرّح في وقت لاحق بأن بلاده «لا تخطط لأي أعمال من هذا القبيل»، حتى بعد وقف إطلاق النار. باختصار، كانت هناك محادثات حول ضمانة أمنية أوروبية، غير أن أي قرار لم يتخذ بهذا الشأن. وهناك سيناريو آخر محتمل – ولنسمّه الحياد المسلح - وهو النموذج الأقل تفضيلاً من قبل أوكرانيا. هذا السيناريو يقتضي تعهد روسيا بعدم مهاجمة أوكرانيا، وتعهد أوكرانيا بالتخلي عن عضوية حلف «الناتو» وعن نشر قوات وأسلحة أجنبية على أراضيها. والحال أن الحياد المسلح من شأنه أن يجعل أوكرانيا أكثر عرضة للخطر مقارنة بالحلول الأخرى. كما أنه قد يكون النتيجة الأكثر قابلية للتحقيق. إذ سبق لبوتين أن قال إن الحياد ضروري من أجل «علاقات حسن الجوار». وقد يكون من الصعب تخيل علاقات حسن الجوار في أي ظروف، غير أن النجاحات الكبيرة التي حققتها روسيا في ساحة المعركة، وخاصة في الأشهر القليلة الماضية، تعني أن بوتين سيكون قادراً على التوصل لصفقة صعبة. إن أوكرانيا لا يمكنها أن تعتمد على وعد روسي بعدم الاعتداء، وينبغي أن تعمل على تعزيز أمنها إلى أقصى حد إذا كان الحياد المسلح هو النتيجة. ذلك أنها تستطيع، وينبغي لها أن ترفض أي قيود على حجم جيشها - وهو أمر أصرت عليه روسيا، خلال المفاوضات الفاشلة في 2022 - أو على الأسلحة التقليدية التي يمكنها الحصول عليها أو صنعها. ولا شك أن الدول الأوروبية، التي تدرب القوات الأوكرانية حالياً، وتستثمر في صناعاتها الدفاعية، تستطيع أن تفعل المزيد على كلا الجبهتين. فقد أثبتت أوكرانيا أنها خصم يحسب له ألف حساب؛ وإذا أمكن جعل جيشها المتمرس والمحنك أقوى وأفضل تجهيزاً، فإنه سيتعين على روسيا أن تحسب حساب خصم أقوى بكثير. وبعد أكثر من 1000 يوم من الحرب التي أودت بحياة الآلاف، وشردت الملايين، ودمرت أجزاء كبيرة من أوكرانيا، قد تكون النهاية قد باتت وشيكة، غير أنه من أجل سلام دائم، وليس تجميد طويل بما يكفي حتى تعيد روسيا تجميع صفوفها وتعاود الهجوم، فإن ما سيأتي بعد ذلك هو المهم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :