في قرية جريس الواقعة بمحافظة المنوفية جنوب دلتا النيل شمال مصر، كان حسن ناصر البالغ من العمر 60 عاما يعمل بجد على عجلة الفخار الخاصة به ليصنع بيوت للحمام في ورشة صغيرة يعلوها فرن تقليدي كبير مصنوع من الطين. وقال ناصر لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن حرفة صناعة الفخار توارثتها الأجيال في عائلته منذ أكثر من 150 عاما، ويشارك أغلب سكان جريس، الذين يعتمدون في دخلهم الأساسي على صناعة الفخار والزراعة، في هذه الحرفة لعقود طويلة ويسعون جاهدين للحفاظ عليها من الاختفاء. في الأيام المشمسة التي يفضلها سكان القرية لسرعة تجفيف إبداعاتهم، تصبح الأزقة الضيقة في جريس مليئة بمجموعة متنوعة من المنتجات الفخارية المعروضة في الأدوار الأرضية والشوارع الخلفية لبيوتهم وحتى على أسطح المنازل. تشتهر القرية بإنتاج مجموعة متنوعة من منتجات الفخار، بما في ذلك القلل وأواني الطهي وبيوت الحمام وقصاري النباتات، وكلها مصنوعة بأشكال وأحجام وألوان مختلفة، تعتمد الصناعة بشكل كبير على المواد الخام المحلية، مثل التربة الطينية والمنتجات الزراعية الثانوية من القطن والذرة. وأوضح ناصر أن عملية التصنيع تبدأ بشراء الطمي من الفلاحين الناتج عن تجريف الأراضي والترع ثم يتم نخله (تنقيته) لإزالة الشوائب منه قبل عجنه بالمياه للحصول على قوام يشبه العجين. وأضاف وهو يسلم زوجته قطعة جاهزة للتجفيف "أعمل أربع ساعات يوميا وأحصل على 6 آلاف جنيه مصري (حوالي 118 دولارا أمريكيا) شهريا". صناعة الفخار بالنسبة لناصر وجيرانه هي عمل عائلي، حيث تجد جارتة هناء عبد العزيز، وهي امرأة في الخمسينيات من عمرها، جالسة في حارة ضيقة خارج منزلها، تنتظر نداء زوجها من داخل الورشة لنقل القلل للخارج لتجف في الهواء قبل نقلها إلى فرن يعلو منزلهم يتم تسخينه بنشارة الخشب. ورغم التعب الواضح من حمرة وجهها والعرق المتصبب على جبينها، تحدثت السيدة بفخر عن الفرحة التي تشعر بها عندما ترى المنتج النهائي، واصفة إياها "إنها لحظة سعادة". وأضافت أن ورشتهم تنتج ما يصل إلى 5000 قلة شهريا، مشيرة إلى أن الصيف هو موسم الذروة، حيث يمكن للأمطار أن تفسد عملهم. تبيع أغلب الأسر في جريس منتجاتها لتجار الجملة الذين يأتون أسبوعيا بشاحنات نقل كبيرة ذات صناديق مغلقة لجمع بضائعهم، إلا أن أحد الأفراد، وهو فوزي غنيم البالغ من العمر 70 عاما، اتخذ نهجا مختلفا، فهو يعتقد أن منتجاته فريدة من نوعها ويفضل تسويقها بنفسه، متجنبا استغلال التجار. ونجح غنيم في المواكبة مع التغيرات الحديثة في الصناعة لحمايتها من الانقراض على حد وصفه، وعلى عكس غيره من صناع الفخار، فإنه يستورد الطين الأحمر من محافظة أسوان بجنوب مصر لصنع أواني الطهي الخزفية الملونة الصحية ويستخدم جهاز كهربائي لعجن الصلصال. غنيم هو الخزاف والمصمم في الوقت نفسه، بينما يضيف ابنه رسومات معقدة تعكس جمال الحياة في القرية. ويقول "أستطيع أن أصنع أي منتج بناء على طلب العميل ويعرض لي ابني مقاطع فيديو عبر الإنترنت للمساعدة في تحسين عملي". ورغم العالم السريع الإيقاع الذي يحيط به والذي تحركه التكنولوجيا، يجد غنيم العزاء في الطبيعة البطيئة لصناعة الفخار، مشيرا إلى أن "تشكيل الطين فن ممتع للغاية، ويوم بدون رائحة الطمي ليس يوما بالنسبة لي". ومع ذلك، ومع تجذر التأثيرات الحديثة، أصبح الجيل الأصغر سنا مترددا بشكل متزايد في مواصلة العمل الشاق المتمثل في صناعة الفخار. وتذكر غنيم أنه قبل عشرين عاما كان نحو 75 بالمائة من أسر القرية يعملون في صناعة الفخار، أما اليوم فقد تقلص هذا العدد إلى حد كبير بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام وزيادة رسوم النقل بسبب ارتفاع أسعار الوقود. وقال "نحن بحاجة إلى المزيد من المنصات لعرض أعمالنا"، مؤكدا على أهمية الحفاظ على إرث فخار جريس للأجيال القادمة.
مشاركة :