حذرت مؤسسة «فريدريش ايبرت» و «معهد بحوث الاقتصاد» (دي إي في) الألمانيان الدولة، من تداعيات اتساع الهوة بين الفقر والثراء في ألمانيا، وما يمكن أن يسببه من إضعاف للاقتصاد في السنوات المقبلة ومن تراجع في النمو والازدهار. وفي وقت ذكر رئيس المعهد مارسيل فراتشر في كتاب جديد بعنوان «صراع حول التوزيع»، أن النمو في ألمانيا «سيستمر في التراجع بقدر ما يتواصل عدم التوازن بين الثراء والفقر»، أكدت دراسة لمؤسسة «فريدريش ايبرت» أخيراً، أن النمو «لا يصل إلى مناطق كثيرة من ألمانيا». واستنتج فراتشر في ختام تحليله للخلل الحاصل في توزيع الثروة في ألمانيا، أن «اقتصاد السوق الاجتماعي لم يعد له وجود» في بلده. وبعنوان «ألمانيا اللامتساوية - تقرير حول التفاوت القائم»، استخدم معدّو دراسة «فريدريش ايبرت» أخيراً عشرين مؤشراً اجتماعياً واقتصادياً مثل البطالة والهجرة وفقر الأطفال والناتج القومي، وخرجوا بخلاصة مفادها بأن المناطق الألمانية «تبتعد أكثر فأكثر عن بعضها بعضاً». وعلى رغم النمو الجيد الذي تحقق خلال السنوات الأخيرة «لا تستفيد كل المناطق الألمانية منه خصوصاً تلك الواقعة في شرق البلاد وشمالها، ما يوقعها حكماً تحت طائلة الديون والبطالة والهجرة، وتصبح غير قادرة على النهوض بقواها الذاتية». وأدى وضعها هذا إلى هجرة الكثير من اليد العاملة فيها إلى غرب البلاد للعمل فيه، وتحديداً الشباب. ويترتب على ذلك في العادة إهمال البنى التحتية في المناطق المهجورة، على رغم أن الدستور الألماني ينص «على ضرورة تأمين معيشة متساوية بين كل المناطق الألمانية». ولا يغيّر في هذه الصورة القاتمة ما أعلنه المصرف المركزي الألماني أخيراً، أن متوسط ملكية الألمان ترتفع، خصوصاً أن الدراسة التي وضعها تشير أيضاً إلى توزّع هذه الملكية في شكل غير عادل على أفراد المجتمع الألماني. وذكر أن متوسط ما تملكه كل أسرة ألمانية يبلغ 214 ألف يورو، لكن في المقابل تملك نسبة 10 في المئة من الألمان فقط نحو 60 في المئة من الثروة المالية الإجمالية، فيما لا يملك 90 في المئة منهم أكثر من 2.5 في المئة منها. واعترف المصرف المركزي هذه المرة وبوضوح في تقريره حول الملكية والقدرة المالية للأسر، بوجود تفاوت جلي في ألمانيا أكبر مما هو عليه في منطقة دول اليورو. ومنذ نيسان (إبريل) حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، أعدّ المصرف دراسة دقيقة عن الأوضاع المالية لعائلات مختارة، وقارنها بدراسة مماثلة أجراها عام 2010، فوجد أن التفاوت المالي الكبير الذي لحظه قبل أربع سنوات لم يتغير على الإطلاق، بل اتسع بعض الشيء. وتبيّن له أن 10 في المئة من العائلات الغنية تحوز 59.8 في المئة من الملكية المالية، في مقابل 59.2 في المئة عام 2010، فيما 50 في المئة من العائلات تحوز 2.5 في المئة فقط. وعن الموضوع ذاته، أشارت وزارة الشؤون الاجتماعية الاتحادية إلى أن الأرقام التي تملكها تدلّ أيضاً على أن العشرة في المئة من العائلات الأكثر غنى في البلاد، حازوا عام 2013 نحو 52 في المئة من الملكية الخاصة في مقابل 45 في المئة عام 1998. في حين انخفضت ملكية الـ 48 في المئة الأخرى في الفترة الزمنية ذاتها إلى واحد في المئة، من أصل 2.9 في المئة. وعلى رغم اختلاف الأرقام، إلا أن التفاوت واضح وكبير ما دفع برئيس الاتحاد العام للنقابات الألمانية راينر هوفمان إلى مطالبة الحكومة بمزيد من العدالة الاجتماعية في تحصيل الضرائب. ورأى أن من الخطأ تحصيل ضريبة تصاعدية تصل إلى 42 في المئة على الدخل، وفرض ضريبة من 25 في المئة فقط على ملكية الأموال. ودعا إلى إعادة تطبيق ضريبة الإرث. وحضّ رئيس الرابطة الاجتماعية الألمانية أدولف باور، الحكومة على إعادة العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة، ووضع قضية ردم الهوة القائمة بين الغنى والفقر على جدول أعمالها في شكل دائم.
مشاركة :