اهتزّ الرأي العام في تونس لجريمة فظيعة حصلت يوم أمس الثلاثاء وأصبحت حديث النّاس في كامل البلاد وشغلت المجتمع بكلّ شرائحه ومكوّناته. وتمثّلت هذه الجريمة الوحشيّة في اختطاف طفل في الرّابعة من عمره اسمه ياسين العويشري، ثمّ ذبحه بوساطة قطعة بلّور من قارورة مهشّمة. وقد تمّ إلقاء القبض على الجاني واسمه محمّد أمين اليحياوي بعد ساعات قليلة من ارتكابه جريمته؛ وتبيّن أنّ عمره 25 عاماً وأنّه يعمل برتبة "رقيب" منذ 2012 في الجيش، وقد اعترف بارتكابه لهذه الجريمة النكراء. وكان الطفل وهو من سكّان حيّ شعبيّ في تونس العاصمة هو "حي الملّاسين" في طريقه إلى حضانة مدرسيّة برفقة شقيقته الأكبر منه سنّاً وعمرها 11 عاماً عندما اقترب منهما المجرم وهو يمتطي درّاجة ناريّة محاولاً استدراجهما، ثم قام بخطف الطفل واقتاده إلى غابة قريبة واعتدى عليه جنسيّا ثم قتله بطريقة وحشيّة. وتبيّن أنّ المجرم هو من الحيّ نفسه الذّي يسكنه الطفل ولكن لا معرفة سابقة بينهما، وأنّ الجاني حاول في مرّة سابقة اختطاف طفل آخر ولم ينجح في ذلك. وقد تمّ العثور على جثّة الطفل الضحيّة مرميّة في كيس بلاستيكي بـ "حي هلال" وتمّ إحالتها على الطبيب الشّرعي علماً أنّ بعض مواقع التّواصل الاجتماعي أشارت إلى اعتداء الجاني جنسيّاً على الطفل في انتظار تأكيد ذلك من الطب الشّرعي. وذكرت بعض المصادر أنّ المجرم ظهرت عليه في المدّة الأخيرة بعض علامات إصابته باضطرابات نفسيّة واختلال عقلي وفق شهادات بعض أفراد أسرته. ولا تزال الأبحاث جارية لاستكمال كلّ جزئيّات وتفاصيل هذه الجريمة البشعة قبل إحالة الملف إلى المحكمة العسكريّة لمقاضاة الجاني. وقد ارتفعت أصوات كثيرة للمطالبة بتنفيذ حكم الإعدام في هذا المجرم. فعلى الرغم من أنّ القانون التونسي ينصّ على الحكم بالإعدام، ورغم صدور عدد من الأحكام بالإعدام في قضايا مختلفة إلا انّه لم يتمّ تنفيذ أي حكم بالإعدام منذ 28 عاماً أي منذ 1987 إلا 3 مرّات فقط، وحسب إحصائية صادرة عن وزارة العدل عام 2014 فإن المحكوم عليهم بالإعدام الموجودين في السّجون التّونسيّة منذ عامين يبلغ عددهم 151 شخصاً، ولا شكّ أنّ العدد قد ازداد منذ ذلك التّاريخ. ولتنفيذ أحكام الإعدام لا بد من مرور ملفّ المحكوم عليه على رئيس الجمهوريّة، وهو الوحيد المخوّل له قانونياً ودستورياً الأمر بالتنفيذ أو العفو المتمثّل في تحويل الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبّد. وكانت الإجراءات المتّبعة تتمثّل في التماس محامي المتّهم من رئيس الدولة - بعد صدور الحكم – العفو ويتمّ تحديد موعد للمحامي ليقابل رئيس الجمهوريّة الذّي يتّخذ قراره بالعفو أو بالتنفيذ. وطيلة فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة التي امتدّت 31 عاماً (من1956 إلى1987) وافق على تنفيذ كلّ أحكام الإعدام الصادرة عن القضاء وعددها (129 حكماً)، ولم يستعمل حقّ العفو الذّي يضمنه له دستور البلاد (قانون ممارسة حق العفو الخاص) إلا مرّتين فقط، في قضيّة راعي أغنام تسبّب عام 1974 في انقلاب القطار عن غير قصد بوضعه قضيب حديدي على السكّة، والمرّة الثانيّة في قضية الانقلاب على الحكم عام 1963 حيث عفا فيها عن اثنين من المحكوم عليهما بالإعدام. وفي عهد الرئيس السّابق زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011) فقد صدر141 حكماً بالإعدام لم ينفذ منها إلا 2 فقط وكان آخر تنفيذ حكم تمّ تنفيذه عام 1991 على الناصر الدمرجي الذي ارتكب 13 جريمة اغتيال لأطفال بعد الاعتداء عليهم جنسيّا. وفي تونس فإنّ تنفيذ أحكام الإعدام التي تصدرها محاكم الحق العام يكون شنقاً حتى الموت، أما أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم العسكريّة فتنفذ رمياً بالرصاص. وعلى الرغم من مطالبة بعض نوّاب المجلس التأسيسي منذ عامين بإلغاء الحكم بالإعدام في الدستور الجديد إلا أنّ الأغلبية أبقت عليه وأقرّته.
مشاركة :